موسوعة الآداب الشرعية

خامسًا: نَفضُ الفِراشِ قَبلَ النَّومِ عليه


مِن السُّنَّةِ أن يَنفُضَ المَرءُ فِراشَه قَبلَ أن يَنامَ عليه.
الدَّليلُ على ذلك مِنَ السُّنَّةِ:
عن أبي هرَيرةَ رَضِيَ اللهُ عنه، قال: قال النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((إذا أوى أحَدُكُم إلى فِراشِه فليَنفُضْ فِراشَه بداخِلةِ إزارِه [48] قال ابنُ الأثيرِ: (داخِلةُ الإزارِ: طَرَفُه. وصَنِفَتُه: طَرَفُه أيضًا مِن جانِبِ هُدبِه. وقيل: مِن جانِبِ حاشيَتِه). ((جامع الأصول)) (4/ 267). وقال أيضًا: (داخِلةُ الإزارِ: طَرَفُه وحاشيَتُه مِن داخِلٍ. وإنَّما أمَرَه بداخِلتِه دونَ خارِجَتِه؛ لأنَّ المؤتَزِرَ يَأخُذُ إزارَه بيَمينِه وشِمالِه، فيُلزِقُ ما بشِمالِه على جَسَدِه، وهيَ داخِلةُ إزارِه، ثُمَّ يَضَعُ ما بيَمينِه فوقَ داخِلتِه، فمَتى عاجَلَه أمرٌ وخَشيَ سُقوطَ إزارِه أمسَكَه بشِمالِه ودَفعَ عن نَفسِه بيَمينِه، فإذا صارَ إلى فِراشِه فحَلَّ إزارَه فإنَّما يَحُلُّ بيَمينِه خارِجةَ الإزارِ، وتَبقى الدَّاخِلةُ مُعَلَّقةً وبها يَقَعُ النَّفضُ؛ لأنَّها غَيرُ مَشغولةٍ باليَدِ). ((النهاية في غريب الحديث والأثر)) (2/ 107، 108). ويُنظر: ((الفائق في غريب الحديث)) للزمخشري (1/ 420). وقال التُّورِبِشتيُّ: (... فإن قيل: فلمَ لا يُقدَّرُ الأمرُ فيه على العَكسِ؟ قُلنا: لأنَّ تلك الهَيئةَ هيَ صَنيعُ ذَوي الآدابِ في عَقدِ الإزارِ، ومَناطُ الفائِدةِ فيه أنَّ المُؤتَزِرَ إذا عاجَله أمرٌ فخاف سُقوطَ إزارِه أمسَكَه بالمِرفقِ الأيسَرِ، ودَفعَ عن نَفسِه بيَمينِه. وفي رِوايةٍ: «فليَنفُضْه بصَنِفةِ ثَوبِه»، صَنِفةُ الإزارِ -بكَسرِ النُّونِ- طَرَفُه، وهيَ جانِبُه الذي لا هُدبَ له. وذلك مُلائِمٌ للقَولِ الأوَّلِ؛ فإنَّ ذلك الجانِبَ يُجعَلُ داخِلةَ الإزارِ. وقيل: صَنِفةُ الثَّوبِ: حاشيَتُه، أيَّ جانِبٍ كان). ((الميسر في شرح مصابيح السنة)) (2/ 554). وقال أبو العَبَّاسِ القُرطُبيُّ: (هذا الحَديثُ يَتَضَمَّنُ الإرشادَ إلى مَصلحَتَينِ: إحداهما مَعلومةٌ ظاهرةٌ، وهيَ: أنَّ الإنسانَ إذا قامَ عن فِراشِه لا يَدري ما دَبَّ عليه بَعدَه مِنَ الحَيَواناتِ ذَواتِ السُّمومِ، فيَنبَغي له إذا أرادَ أن يَنامَ عليه أن يَتَفقَّدَه ويَمسَحَه؛ لإمكانِ أن يَكونَ فيه شَيءٌ يَخفى مِن رُطوبةٍ أو غَيرِها، فهذه مَصلحةٌ ظاهرةٌ، وأمَّا اختِصاصُ هذا النَّفضِ بداخِلةِ الإزارِ فمَصلَحةٌ لم تَظهَرْ لنا، بَل إنَّما ظَهَرَت تلك للنَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بنورِ النُّبوَّةِ، وإنَّما الذي علينا نَحنُ الامتِثالُ). ((المفهم)) (7/ 43، 44). وقيل غَيرُ ذلك. يُنظر: ((فتح الباري)) لابن حجر (11/ 126)، ((فيض القدير)) للمناوي (1/ 308، 309). ؛ فإنَّه لا يَدري ما خَلَفَه عليه، ثُمَّ يَقولُ: باسمِك رَبِّ وضَعتُ جَنبي وبك أرفعُه، إن أمسَكتَ نَفسي فارحَمْها، وإن أرسَلتَها فاحفَظْها بما تَحفَظُ به عِبادَك الصَّالِحينَ)) [49] أخرجه البخاري (6320) واللفظ له، ومسلم (2714). .
وفي رِوايةٍ: ((إذا أوى أحَدُكُم إلى فِراشِه فليَأخُذْ داخِلةَ إزارِه فليَنفُضْ بها فِراشَه، وليُسَمِّ اللهَ؛ فإنَّه لا يَعلَمُ ما خَلَفَه بَعدَه على فِراشِه، فإذا أرادَ أن يَضطَجِعَ فليَضطَجِعْ على شِقِّه الأيمَنِ، وليَقُلْ: سُبحانَك اللهُمَّ رَبِّي، بك وضَعتُ جَنبي، وبك أرفعُه، إن أمسَكتَ نَفسي فاغفِرْ لها، وإن أرسَلتَها فاحفَظْها بما تَحفَظُ به عِبادَك الصَّالِحينَ)) [50] أخرجها مسلم (2714). .
وفي رِوايةٍ أُخرى: ((إذا قامَ أحَدُكُم عن فِراشِه ثُمَّ رَجَعَ إليه فليَنفُضْه بصَنِفةِ إزارِه ثَلاثَ مَرَّاتٍ؛ فإنَّه لا يَدري ما خَلَفَه عليه بَعدُ، فإذا اضطَجَعَ فليَقُلْ: باسمِك رَبِّي وضَعتُ جَنبي، وبك أرفعُه، فإن أمسَكتَ نَفسي فارحَمْها، وإن أرسَلتَها فاحفَظْها بما تَحفَظُ به عِبادَك الصَّالحينَ، فإذا استَيقَظَ فليَقُلِ: الحَمدُ للهِ الذي عافاني في جَسَدي، ورَدَّ عليَّ رُوحي، وأَذِنَ لي بذِكرِه)) [51] أخرجها الترمذي (3401) واللفظ له، والنسائي في ((السنن الكبرى)) (10636، 10660) مفرَّقًا، وابن السني في ((عمل اليوم والليلة)) (ص: 689). حَسَّنها الترمذي، وابن حجر في ((نتائج الأفكار)) (1/112) وقال: وأصلُ شَطرِه الأوَّلِ صحيحٌ، والألباني في ((صحيح سنن الترمذي)) (3401). وأصلُه في صحيح البخاري (7393) مُختَصَرًا، عن أبي هرَيرةَ، عنِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((إذا جاءَ أحَدُكُم فِراشَه فليَنفُضْه بصَنِفةِ ثَوبِه ثَلاثَ مَرَّاتٍ، وليَقُلْ: باسمِكَ رَبِّ وضَعتُ جَنبي، وبكَ أرفعُه، إن أمسَكتَ نَفسي فاغفِرْ لها، وإن أرسَلتَها فاحفَظْها بما تَحفظُ به عِبادَكَ الصَّالحينَ)). .
قال ابنُ بَطَّالٍ: (فيه أدَبٌ عَظيمٌ عَلَّمَه النَّبيُّ أمَّتَه، وذلك أمرُه بنَفضِ فِراشِه عِندَ النَّومِ خَشيةَ أن يَأويَ إليه بَعضُ الهَوامِّ الضَّارَّةِ فيُؤذيَه سُمُّها، واللَّهُ أعلمُ) [52] ((شرح صحيح البخاري)) (10/ 88، 89). .
وقال ابنُ هُبَيرةَ: (نَبَّهَ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم -لإشفاقِه على أُمَّتِه- على ما يَجوزُ أن يُتَّخَذَ مِن فِراشٍ، وأمَرَه بنَفضِه بداخِلةِ الإزارِ -وهيَ طَرَفُ الإزارِ- ليَدفعَ عنه هامَّةً أو عودًا صَغيرًا يُؤذي النَّائِمَ) [53] ((الإفصاح عن معاني الصحاح)) (6/ 281). .
وقال المظهَريُّ: (قَولُه: «إذا أوى» أي: إذا دَخَل. «فليَنفُضْ فِراشَه»، أي: فليُحَرِّكْه ليُسقِطَ ما فيه مِن تُرابٍ وغَيرِه، وإنَّما قال هذا لأنَّ رَسمَ العَرَبِ تَركُ الفِراشِ في مَوضِعه ليلًا ونَهارًا.
«بداخِلةِ إزارِه» أي: بالوَجهِ الذي يَلي الباطِنَ مِن إزارِه المَشدودِ في وسَطِه وبذَيلِ قَميصِه، وإنَّما قَيَّدَ نَفضَ الفِراشِ بداخِلةِ إزارِه؛ لأنَّ الغالبَ في العَرَبِ أنَّه لم يَكُنْ لهم إزارٌ أو ثَوبٌ غَيرُ ما عليهم، وإنَّما قَيَّدَ نَفضَ الفِراشِ بداخِلةِ الإزارِ؛ لأنَّ هذا أيسَرُ، ولكَشفِ العَورةِ أستَرُ.
قَولُه: «فإنَّه لا يَدري ما خَلَفَه عليه» خَلَفه: إذا قامَ مَقامَه بَعدَه. «عليه» أي: على الفِراشِ، يَعني: لا يَدري ما وقَعَ وحَصَل في فِراشِه بَعدَما خَرَجَ هو مِنه إلى أن يَعودَ إليه، يَعني: يُمكِنُ أن يَكونَ في الفِراشِ تُرابٌ أو قَذاةٌ أو شَيءٌ مِنَ الهَوامِّ المُؤذيةِ) [54] ((المفاتيح في شرح المصابيح)) (3/ 206). .

انظر أيضا: