موسوعة الآداب الشرعية

ثالثًا: يَتفُلُ عن يسارِه إذا رأَى ما يَكْرهُ


يُسَنُّ لمَن رَأى في مَنامِه ما يَكرَهُ أن يَتفُلَ عن يَسارِه ثَلاثًا [144] قال ابنُ حَجَرٍ نَقلًا عنِ العُلماءِ في الحِكمةِ مِن ذلك: (أمَّا التَّفْلُ فقال عياضٌ: أمَرَ به طَردًا للشَّيطانِ الذي حَضَرَ الرُّؤيا المَكروهةَ تَحقيرًا له واستِقذارًا، وخُصَّت به اليَسارُ؛ لأنَّها مَحَلُّ الأقذارِ ونَحوِها. قُلتُ: والتَّثليثُ للتَّأكيدِ. وقال القاضي أبو بَكرِ بنُ العَرَبيِّ: فيه إشارةٌ إلى أنَّه في مَقامِ الرُّقيةِ ليَتَقَرَّرَ عِندَ النَّفسِ دَفعُه عنها، وعَبَّرَ في بَعضِ الرِّواياتِ بالبُصاقِ إشارةً إلى استِقذارِه، وقد ورَدَ بثَلاثةِ ألفاظِ: النَّفثُ والتَّفلُ والبَصقُ. قال النَّوويُّ في الكَلامِ على النَّفثِ في الرُّقيةِ تَبَعًا لعياضٍ: اختُلِف في النَّفثِ والتَّفلِ؛ فقيل: هما بمَعنًى، ولا يَكونانِ إلَّا بريقٍ، وقال أبو عُبَيدٍ: يُشتَرَطُ في التَّفلِ ريقٌ يَسيرٌ، ولا يَكونُ في النَّفثِ، وقيل عَكسُه، وسُئِلت عائِشةُ عنِ النَّفثِ في الرُّقيةِ فقالت: كَما يَنفُثُ آكِلُ الزَّبيبِ لا ريقَ مَعَه، قال: ولا اعتِبارَ بما يَخرُجُ مَعَه مِن بلَّةٍ بغَيرِ قَصدٍ، قال: وقد جاءَ في حَديثِ أبي سَعيدٍ في الرُّقيةِ بفاتِحةِ الكِتابِ: فجَعَل يَجمَعُ بُزاقَه. قال عياضٌ: وفائِدةُ التَّفلِ التَّبَرُّكُ بتلك الرُّطوبةِ والهَواءِ، والنَّفثُ للمُباشِرِ للرُّقيةِ المُقارِن للذِّكرِ الحَسَنِ كَما يُتَبَرَّكُ بغُسالةِ ما يُكتَبُ مِنَ الذِّكرِ والأسماءِ، وقال النَّوويُّ أيضًا: أكثَرُ الرِّواياتِ في الرُّؤيا فليَنفُثْ، وهو نَفخٌ لطَيفٌ بلا ريقٍ، فيَكونُ التَّفلُ والبَصقُ مَحمولينِ عليه مَجازًا، قُلتُ: لكِنَّ المَطلوبَ في المَوضِعَينِ مُختَلِفٌ؛ لأنَّ المَطلوبَ في الرُّقيةِ التَّبَرُّكُ برُطوبةِ الذِّكرِ كَما تَقدَّمَ، والمَطلوبُ هنا طَردُ الشَّيطانِ، وإظهارُ احتِقارِه واستِقذارِه كَما نَقَله هو عن عياضٍ كَما تَقدَّمَ، فالذي يَجمَعُ الثَّلاثةَ الحَملُ على التَّفلِ؛ فإنَّه نَفخٌ مَعَه ريقٌ لطيفٌ، فبالنَّظَرِ إلى النَّفخِ قيل له: نَفثٌ، وبالنَّظَرِ إلى الرِّيقِ قيل له: بُصاقٌ. قال النَّوويُّ: وأمَّا قَولُه: فإنَّها لا تَضُرُّه، فمَعناه: أنَّ اللَّهَ جَعَل ما ذُكِرَ سَبَبًا للسَّلامةِ مِنَ المَكروهِ المُتَرَتِّبِ على الرُّؤيا، كَما جَعَل الصَّدَقةَ وِقايةً للمالِ. انتهى). ((فتح الباري)) (12/ 371). ويُنظر: ((إكمال المعلم بفوائد مسلم)) لعياض (7/ 207)، ((شرح مسلم)) للنووي (15/ 18). .
الدَّليلُ على ذلك مِنَ السُّنَّةِ:
1- عن أبي سَلَمةَ بنِ عبدِ الرَّحمنِ، قال: كُنتُ أرى الرُّؤيا أُعْرَى مِنها، غَيرَ أنِّي لا أُزَمَّلُ [145] قال عِياضٌ: (قولُ أبى سَلمةَ: "كُنتُ أرى الرُّؤيا أُعْرَى مِنها، غَيرَ أنِّي لا أُزَمَّلُ" مَعناه: أُحِمَّ مِنها لارتياعِه مِن ظاهِرِها، والعَرُواءُ، مَمدودٌ: نَفضُ الحُمَّى. وقَولُه: "لا أُزَمَّلُ": لا أُغَطَّى وأُلَفُّ كَما يُعمَلُ بالمَحمومِ. الرُّؤيا، مَقصورةٌ: مِن رُؤيةِ النَّومِ، والرُّؤيةُ، بالهاء: مِن رُؤيةِ العَينِ). ((إكمال المعلم)) (7/ 203). ويُنظر: ((غريب الحديث)) للقاسم بن سلام (5/ 459). وقال أبو العَبَّاسِ القُرطُبيُّ: (التَّزميلُ: اللَّفُّ، والتَّدثيرُ، يَعني: أنَّها ما كانت تَدومُ عليه فيَحتاجَ إلى أن يُدَثَّرَ، لكِنَّه بنَفسِ ما كان يَفعَلُ ما أمَرَ به النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم مِنَ النَّفثِ والتَّعَوُّذِ وغَيرِه يَزولُ عنه ذلك، ببَرَكةِ الصِّدقِ والتَّصديقِ والامتِثالِ. وفائِدةُ هذا: ألَّا يَشغَلَ الرَّائي نَفسَه بما يَكرَهُ في نَومِه، وأن يُعرِضَ عنه، ولا يَلتَفِتَ إليه؛ فإنَّه لا أصلَ له. هذا هو الظَّاهرُ مِنَ الأحاديثِ، واللهُ أعلمُ). ((المفهم)) (6/ 20). ، حتَّى لَقِيتُ أبا قتادةَ فذَكَرتُ ذلك له، فقال: سَمِعتُ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يَقولُ: ((الرُّؤيا مِنَ اللهِ، والحُلُمُ مِنَ الشَّيطانِ، فإذا حَلَمَ أحَدُكُم حُلُمًا يَكرَهُه فليَنفُثْ [146] النَّفثُ: فوقَ النَّفخِ ودونَ التَّفلِ، وقد يَكونُ بغَيرِ ريقٍ بخِلافِ التَّفلِ، وقد يَكونُ بريقٍ خَفيفٍ بخِلافِ النَّفخِ. يُنظر: ((فتح الباري)) لابن حجر (7/ 475). عن يَسارِه ثَلاثًا، وليَتَعَوَّذْ باللهِ مِن شَرِّها؛ فإنَّها لن تَضُرَّه)) [147] أخرجه البخاري (6995)، ومسلم (2261) واللفظُ له. .
وفي رِوايةٍ عن أبي سَلَمةَ، قال: سَمِعتُ أبا قتادةَ يَقولُ: سَمِعتُ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يَقولُ: ((الرُّؤيا مِنَ اللهِ، والحُلُمُ مِنَ الشَّيطانِ، فإذا رَأى أحَدُكُم شَيئًا يَكرَهُه فليَنفُثْ عن يَسارِه ثَلاثَ مَرَّاتٍ وليَتَعَوَّذْ باللهِ مِن شَرِّها؛ فإنَّها لن تَضُرَّه))، فقال: إن كُنتُ لأرى الرُّؤيا أثقَلَ عليَّ مِن جَبَلٍ، فما هو إلَّا أن سَمِعتُ بهذا الحَديثِ فما أُباليها [148] أخرجها مسلم (2261). .
وفي رِوايةٍ عن أبي سَلَمةَ قال: إن كُنتُ لأرى الرُّؤيا تُمرِضُني، قال: فلقيتُ أبا قتادةَ، فقال: وأنا كُنتُ لأرى الرُّؤيا فتُمرِضُني، حتَّى سَمِعتُ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يَقولُ: ((الرُّؤيا الصَّالحةُ مِنَ اللهِ، فإذا رَأى أحَدُكُم ما يُحِبُّ فلا يُحَدِّثْ بها إلَّا مَن يُحِبُّ، وإن رَأى ما يَكرَهُ فليَتفُلْ عن يَسارِه ثَلاثًا وليَتَعَوَّذْ باللهِ مِن شَرِّ الشَّيطانِ وشَرِّها، ولا يُحَدِّثْ بها أحَدًا؛ فإنَّها لن تَضُرَّه)) [149] أخرجها مسلم (2261). .
وفي رِوايةٍ: ((الرُّؤيا الصَّالحةُ مِنَ اللهِ، والرُّؤيا السُّوءُ مِنَ الشَّيطانِ، فمَن رَأى رُؤيا فكَرِهَ مِنها شَيئًا فليَنفُثْ عن يَسارِه، وليَتَعَوَّذْ باللهِ مِنَ الشَّيطانِ، لا تَضُرُّه، ولا يُخبِرْ بها أحَدًا، فإن رَأى رُؤيا حَسَنةً فلْيُبشِرْ ولا يُخبِرْ إلَّا مَن يُحِبُّ)) [150] أخرجها مسلم (2261). .
وفي رِوايةٍ: ((فليَبصُقْ على يَسارِه حينَ يَهُبُّ مِن نَومِه ثَلاثَ مَرَّاتٍ)) [151] أخرجها مسلم (2261). .
2- عن جابرٍ رَضِيَ اللهُ عنه، عن رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أنَّه قال: ((إذا رَأى أحَدُكُمُ الرُّؤيا يَكرَهُها فليَبصُقْ عن يَسارِه ثَلاثًا، وليَستَعِذْ باللهِ مِنَ الشَّيطانِ ثَلاثًا، وليَتَحَوَّلْ عن جَنبِه الذي كان عليه)) [152] أخرجه البخاري (6995)، ومسلم (2261) واللَّفظُ له. .

انظر أيضا: