موسوعة الآداب الشرعية

خامسًا: يَتَحَوَّلُ عن جَنبِه الذي كان عليه إذا رأَى ما يَكرهُ


يُسَنُّ لمَن رَأى في مَنامِه ما يَكرَهُ أن يَتَحَوَّلَ عن جَنبِه الذي كان عليه وإن تَوضَّأ وصَلَّى فهو أكمَلُ [161] قال ابنُ حَجَرٍ نَقلًا عنِ العُلماءِ في الحِكمةِ مِن ذلك: (أمَّا التَّحَوُّلُ فللتَّفاؤُلِ بتَحَوُّلِ تلك الحالِ التي كان عليها... وقال القُرطُبيُّ في "المُفهمِ": الصَّلاةُ تَجمَعُ ذلك كُلَّه؛ لأنَّه إذا قامَ فصَلَّى تَحَوَّل عن جَنبِه وبَصَق ونَفَثَ عِندَ المَضمَضةِ في الوُضوءِ واستَعاذَ قَبلَ القِراءةِ، ثُمَّ دَعا اللهَ في أقرَبِ الأحوالِ إليه، فيَكفيه اللهُ شَرَّها بمَنِّه وكَرَمِه). ((فتح الباري)) (12/ 371). ويُنظر: ((المفهم)) لأبي العباس القرطبي (6/ 19)، ((شرح مسلم)) للنووي (15/ 18). .
الدَّليلُ على ذلك مِنَ السُّنَّةِ:
1- عن أبي سَلَمةَ بنِ عبدِ الرَّحمنِ، قال: كُنتُ أرى الرُّؤيا أُعْرَى مِنها، غَيرَ أنِّي لا أُزَمَّلُ [162] قال عِياضٌ: (قولُ أبى سَلمةَ: "كُنتُ أرى الرُّؤيا أُعْرَى مِنها، غَيرَ أنِّي لا أُزَمَّلُ" مَعناه: أُحِمَّ مِنها لارتياعِه مِن ظاهِرِها، والعَرُواءُ، مَمدودٌ: نَفضُ الحُمَّى. وقَولُه: "لا أُزَمَّلُ": لا أُغَطَّى وأُلَفُّ كَما يُعمَلُ بالمَحمومِ. الرُّؤيا، مَقصورةٌ: مِن رُؤيةِ النَّومِ، والرُّؤيةُ، بالهاء: مِن رُؤيةِ العَينِ). ((إكمال المعلم)) (7/ 203). ويُنظر: ((غريب الحديث)) للقاسم بن سلام (5/ 459). وقال أبو العَبَّاسِ القُرطُبيُّ: (التَّزميلُ: اللَّفُّ، والتَّدثيرُ، يَعني: أنَّها ما كانت تَدومُ عليه فيَحتاجَ إلى أن يُدَثَّرَ، لكِنَّه بنَفسِ ما كان يَفعَلُ ما أمَرَ به النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم مِنَ النَّفثِ والتَّعَوُّذِ وغَيرِه يَزولُ عنه ذلك، ببَرَكةِ الصِّدقِ والتَّصديقِ والامتِثالِ. وفائِدةُ هذا: ألَّا يَشغَلَ الرَّائي نَفسَه بما يَكرَهُ في نَومِه، وأن يُعرِضَ عنه، ولا يَلتَفِتَ إليه؛ فإنَّه لا أصلَ له. هذا هو الظَّاهرُ مِنَ الأحاديثِ، واللهُ أعلمُ). ((المفهم)) (6/ 20). ، حتَّى لَقِيتُ أبا قتادةَ فذَكَرتُ ذلك له، فقال: سَمِعتُ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يَقولُ: ((الرُّؤيا مِنَ اللهِ، والحُلُمُ مِنَ الشَّيطانِ، فإذا حَلَمَ أحَدُكُم حُلُمًا يَكرَهُه فليَنفُثْ [163] النَّفثُ: فوقَ النَّفخِ ودونَ التَّفلِ، وقد يَكونُ بغَيرِ ريقٍ بخِلافِ التَّفلِ، وقد يَكونُ بريقٍ خَفيفٍ بخِلافِ النَّفخِ. يُنظر: ((فتح الباري)) لابن حجر (7/ 475). عن يَسارِه ثَلاثًا، وليَتَعَوَّذْ باللهِ مِن شَرِّها؛ فإنَّها لن تَضُرَّه)) [164] أخرجه البخاري (6995)، ومسلم (2261) واللفظُ له. .
وفي رِوايةٍ: ((وليَتَحَوَّلْ عن جَنبِه الذي كان عليه)) [165] أخرجها مُسلم (2261). .
2- عن جابرٍ رَضِيَ اللهُ عنه، عن رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أنَّه قال: ((إذا رَأى أحَدُكُمُ الرُّؤيا يَكرَهُها فليَبصُقْ عن يَسارِه ثَلاثًا، وليَستَعِذْ باللهِ مِنَ الشَّيطانِ ثَلاثًا، وليَتَحَوَّلْ عن جَنبِه الذي كان عليه)) [166] أخرجه البخاري (6995)، ومسلم (2261) واللَّفظُ له. .
3- عن أبي هرَيرةَ رَضِيَ اللهُ عنه، عنِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، قال: ((إذا اقتَرَبَ الزَّمانُ [167] في اقترابِ الزَّمانِ ثلاثةُ أقوالٍ؛ أحَدُها: أنَّ اقترابَ الزَّمانِ انتهاءُ أمَدِه إذا دنا قيامُ السَّاعةِ. والثَّاني: أنَّه تقارُبُ زَمانِ اللَّيلِ والنَّهارِ وَقتَ استوائِهما أيَّامَ الرَّبيعِ أو الخريفِ، وذلك وَقتٌ تعتَدِلُ فيه الأمزِجةُ، فحينَئذٍ تكونُ الرُّؤيا سليمةً في الغالِبِ من الأخلاطِ، والمُعَبِّرون يزعمون أنَّ أصدَقَ الرؤيا ما كان في أيَّامِ الرَّبيعِ ووَقتَ اعتدالِ اللَّيلِ والنَّهارِ. والثَّالِثُ: أنَّه زمانُ التَّكَهُّلِ؛ لأنَّ الكَهلَ قد بَعُد عنه تخايُلُ الظُّنونِ الفاسِدةِ، وركَدَت عنده نوازِعُ الشَّهَواتِ، فكانت نفسُه أقبَلَ لمشاهَدةِ الغَيبِ، ومن هذا البابِ قَولُه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((أصدَقُكم رؤيا أصدَقُكم حديثًا)). يُنظر: ((سنن أبي داود)) (4/ 305)، ((أعلام الحديث)) للخطابي (4/ 2314، 2315)، ((معالم السنن)) للخطابي (4/ 139)، ((المعلم بفوائد مسلم)) للمازري (3/ 203)، ((كشف المشكل)) لابن الجوزي (3/ 337)، ((جامع الأصول)) لابن الأثير (2/ 518). لم تَكَدْ رُؤيا المُسلمِ تَكذِبُ، وأصدَقُكُم رُؤيا أصدَقُكُم حَديثًا، ورُؤيا المُسلمِ جُزءٌ مِن خَمسٍ وأربَعينَ جُزءًا مِنَ النُّبوَّةِ، والرُّؤيا ثَلاثةٌ: فرُؤيا الصَّالحةِ بُشرى مِنَ اللهِ، ورُؤيا تَحزينٌ مِنَ الشَّيطانِ، ورُؤيا مِمَّا يُحَدِّثُ المَرءُ نَفسَه، فإن رَأى أحَدُكُم ما يَكرَهُ فليَقُمْ فليُصَلِّ، ولا يُحَدِّثْ بها النَّاسَ)) [168] أخرجه البخاري (7017)، ومسلم (2263) واللَّفظُ له. .

انظر أيضا: