موسوعة الآداب الشرعية

سادسًا: إذا رأَى ما يكرَهُ لا يُحدِّثُ بما رأَى أحدًا


يُسَنُّ لمَن رَأى في مَنامِه ما يَكرَهُ ألا يُحَدِّثَ بما رَأى أحَدًا [169] قال النَّوويُّ: (أمَّا قَولُه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم في الرُّؤيا المَكروهةِ: «ولا يُحَدِّثْ بها أحَدًا» فسَبَبُه أنَّه رُبَّما فسَّرَها تَفسيرًا مَكروهًا على ظاهرِ صورَتِها، وكان ذلك مُحتَمَلًا فوقَعَت كذلك بتَقديرِ اللهِ تعالى؛ فإنَّ الرُّؤيا على رِجلِ طائِرٍ، ومَعناه: أنَّها إذا كانت مُحتَمِلةً وجهَينِ ففُسِّرَت بأحَدِهما وقَعَت على قُربِ تلك الصِّفةِ، قالوا: وقد يَكونُ ظاهِرُ الرُّؤيا مَكروهًا، ويُفسَّرُ بمَحبوبٍ وعَكسِه، وهذا مَعروفٌ لأهلِه). ((شرح مسلم)) (15/ 18). .
الدَّليلُ على ذلك مِنَ السُّنَّةِ:
1- عن أبي سَلَمةَ بنِ عبدِ الرَّحمنِ، قال: إن كُنتُ لأرى الرُّؤيا تُمرِضُني، قال: فلقيتُ أبا قتادةَ، فقال: وأنا كُنتُ لأرى الرُّؤيا فتُمرِضُني، حتَّى سَمِعتُ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يَقولُ: ((الرُّؤيا الصَّالحةُ مِنَ اللهِ، فإذا رَأى أحَدُكُم ما يُحِبُّ فلا يُحَدِّثْ بها إلَّا مَن يُحِبُّ، وإن رَأى ما يَكرَهُ فليَتفُلْ عن يَسارِه ثَلاثًا وليَتَعَوَّذْ باللهِ مِن شَرِّ الشَّيطانِ وشَرِّها، ولا يُحَدِّثْ بها أحَدًا؛ فإنَّها لن تَضُرَّه)) [170] أخرجها مسلم (2261). .
وفي رِوايةٍ: ((الرُّؤيا الصَّالحةُ مِنَ اللهِ، والرُّؤيا السُّوءُ مِنَ الشَّيطانِ، فمَن رَأى رُؤيا فكَرِهَ مِنها شَيئًا فليَنفُثْ عن يَسارِه، وليَتَعَوَّذْ باللهِ مِنَ الشَّيطانِ، لا تَضُرُّه، ولا يُخبِرْ بها أحَدًا...)) [171] أخرجها مسلم (2261). .
3- عن أبي هرَيرةَ رَضِيَ اللهُ عنه، عنِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، قال: ((إذا اقتَرَبَ الزَّمانُ [172] في اقترابِ الزَّمانِ ثلاثةُ أقوالٍ؛ أحَدُها: أنَّ اقترابَ الزَّمانِ انتهاءُ أمَدِه إذا دنا قيامُ السَّاعةِ. والثَّاني: أنَّه تقارُبُ زَمانِ اللَّيلِ والنَّهارِ وَقتَ استوائِهما أيَّامَ الرَّبيعِ أو الخريفِ، وذلك وَقتٌ تعتَدِلُ فيه الأمزِجةُ، فحينَئذٍ تكونُ الرُّؤيا سليمةً في الغالِبِ من الأخلاطِ، والمُعَبِّرون يزعمون أنَّ أصدَقَ الرؤيا ما كان في أيَّامِ الرَّبيعِ ووَقتَ اعتدالِ اللَّيلِ والنَّهارِ. والثَّالِثُ: أنَّه زمانُ التَّكَهُّلِ؛ لأنَّ الكَهلَ قد بَعُد عنه تخايُلُ الظُّنونِ الفاسِدةِ، وركَدَت عنده نوازِعُ الشَّهَواتِ، فكانت نفسُه أقبَلَ لمشاهَدةِ الغَيبِ، ومن هذا البابِ قَولُه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((أصدَقُكم رؤيا أصدَقُكم حديثًا)). يُنظر: ((سنن أبي داود)) (4/ 305)، ((أعلام الحديث)) للخطابي (4/ 2314، 2315)، ((معالم السنن)) للخطابي (4/ 139)، ((المعلم بفوائد مسلم)) للمازري (3/ 203)، ((كشف المشكل)) لابن الجوزي (3/ 337)، ((جامع الأصول)) لابن الأثير (2/ 518). لم تَكَدْ رُؤيا المُسلمِ تَكذِبُ، وأصدَقُكُم رُؤيا أصدَقُكُم حَديثًا، ورُؤيا المُسلمِ جُزءٌ مِن خَمسٍ وأربَعينَ جُزءًا مِنَ النُّبوَّةِ، والرُّؤيا ثَلاثةٌ: فرُؤيا الصَّالحةِ بُشرى مِنَ اللهِ، ورُؤيا تَحزينٌ مِنَ الشَّيطانِ، ورُؤيا مِمَّا يُحَدِّثُ المَرءُ نَفسَه، فإن رَأى أحَدُكُم ما يَكرَهُ فليَقُمْ فليُصَلِّ، ولا يُحَدِّثْ بها النَّاسَ)) [173] أخرجه البخاري (7017)، ومسلم (2263) واللَّفظُ له. .
4- عن جابرٍ رَضِيَ اللهُ عنه، أنَّ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((إذا حَلَمَ أحَدُكُم فلا يُخبِرْ أحَدًا بتَلعُّبِ الشَّيطانِ به في المَنامِ)) [174] أخرجه مسلم (2268). .
وفي رِوايةٍ عن جابرٍ رَضِيَ اللهُ عنه، ((عن رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أنَّه قال لأعرابيٍّ جاءَه، فقال: إنِّي حَلَمتُ أنَّ رَأسي قُطِع فأنا أتبَعُه، فزَجَرَه النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وقال: لا تُخبِرْ بتَلعُّبِ الشَّيطانِ بك في المَنامِ)) [175] أخرجها مسلم (2268). .
وفي رِوايةٍ: ((جاءَ أعرابيٌّ إلى النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فقال: يا رَسولَ اللهِ، رَأيتُ في المَنامِ كَأنَّ رَأسي ضُرِبَ فتَدَحرَجَ فاشتَدَدتُ على أثَرِه، فقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم للأعرابيِّ: لا تُحَدِّثِ النَّاسَ بتَلعُّبِ الشَّيطانِ بك في مَنامِك. وقال: سَمِعتُ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بَعدُ يَخطُبُ، فقال: لا يُحَدِّثَنَّ أحَدُكُم بتَلعُّبِ الشَّيطانِ به في مَنامِه)) [176] أخرجها مسلم (2268). .
فائِدةٌ:
عن عُروةَ بنِ الزُّبَيرِ (عن عائِشةَ رَضِيَ اللهُ عنها أنَّها كانت إذا أرادَتِ النَّومَ تَقولُ: اللهُمَّ إنِّي أسألُك رُؤيا صالحةً صادِقةً غَيرَ كاذِبةٍ، نافِعةً غَيرَ ضارَّةٍ. وكانت إذا قالت هذا قد عَرَفوا أنَّها غَيرُ مُتَكَلِّمةٍ بشَيءٍ حتَّى تُصبحَ، أو تَستَيقِظَ مِنَ اللَّيلِ) [177] أخرجه ابنُ السني في ((عمل اليوم والليلة)) (ص671). صحَّح إسنادَه ابنُ حجرٍ في ((نتائج الأفكار)) (3/89). .

انظر أيضا: