موسوعة الآداب الشرعية

ثانيًا: مَسحُ الوَجهِ باليَدِ عِندَ الاستيقاظِ مِن اللَّيلِ وقِراءةُ أواخِرِ سورةِ آلِ عِمرانَ


يُسَنُّ مَسحُ الوَجهِ باليَدِ عِندَ الاستيقاظِ مِنَ النَّومِ باللَّيلِ، وقِراءةُ العَشرِ الآياتِ الأواخِرِ مِن سورةِ آلِ عِمرانَ [244] وهيَ: إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ * الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ * رَبَّنَا إِنَّكَ مَنْ تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ * رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلْإِيمَانِ أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الْأَبْرَارِ * رَبَّنَا وَآتِنَا مَا وَعَدْتَنَا عَلَى رُسُلِكَ وَلَا تُخْزِنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّكَ لَا تُخْلِفُ الْمِيعَادَ * فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لَا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ فَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَأُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأُوذُوا فِي سَبِيلِي وَقَاتَلُوا وَقُتِلُوا لَأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلَأُدْخِلَنَّهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ثَوَابًا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الثَّوَابِ * لَا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي الْبِلَادِ * مَتَاعٌ قَلِيلٌ ثُمَّ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهَادُ * لَكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا نُزُلًا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ لِلْأَبْرَارِ * وَإِنَّ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَمَنْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ خَاشِعِينَ لِلَّهِ لَا يَشْتَرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ ثَمَنًا قَلِيلًا أُولَئِكَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ * يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ [آل عمران: 190 - 200] . .
الدَّليلُ على ذلك مِنَ السُّنَّةِ:
عن عبدِ اللهِ بنِ عبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهما: ((أنَّه باتَ ليلةً عِندَ مَيمونةَ أُمِّ المُؤمِنينَ، وهيَ خالتُه، قال: فاضطَجَعتُ في عَرضِ الوِسادةِ، واضطَجَعَ رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وأهلُه في طولِها، فنامَ رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم حتَّى انتَصَف اللَّيلُ، أو قَبلَه بقَليلٍ، أو بَعدَه بقَليلٍ، استَيقَظَ رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فجَعَل يَمسَحُ النَّومَ عن وَجهِه بيَدِه، ثُمَّ قَرَأ العَشرَ الآياتِ الخَواتِمَ مِن سورةِ آلِ عِمرانَ، ثُمَّ قامَ إلى شَنٍّ [245] الشَّنُّ: القِربةُ الباليةُ، وجَمعُها: شِنانٌ. يُنظر: ((جامع الأصول)) لابن الأثير (6/ 91). مُعَلَّقةٍ، فتَوضَّأ مِنها فأحسَنَ وُضَوءَه، ثُمَّ قامَ فصَلَّى، قال ابنُ عبَّاسٍ: فقُمتُ فصَنَعتُ مِثلَ ما صَنَعَ رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، ثُمَّ ذَهَبتُ فقُمتُ إلى جَنبِه، فوضع رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يَدَه اليُمنى على رَأسي، وأخَذَ بأُذُني اليُمنى يَفتِلُها، فصَلَّى رَكعَتَينِ، ثُمَّ رَكعَتَينِ، ثُمَّ رَكعَتَينِ، ثُمَّ رَكعَتَينِ، ثُمَّ رَكعَتَينِ، ثُمَّ رَكعَتَينِ، ثُمَّ أوتَرَ، ثُمَّ اضطَجَعَ حتَّى جاءَ المُؤَذِّنُ، فقامَ فصَلَّى رَكعَتَينِ خَفيفتَينِ، ثُمَّ خَرَجَ فصَلَّى الصُّبحَ)) [246] أخرجه البخاري (183)، ومسلم (763) واللَّفظُ له. .
وفي رِوايةٍ: ((بِتُّ عِندَ خالتي مَيمونةَ، فتَحَدَّثَ رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم مَعَ أهلِه ساعةً، ثُمَّ رَقدَ، فلمَّا كان ثُلُثُ اللَّيلِ الآخِرُ قَعَدَ فنَظَرَ إلى السَّماءِ، فقال: إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولي الْأَلْبَابِ، ثُمَّ قامَ فتَوضَّأ واستَنَّ [247] استَنَّ: أي: استاكَ، والاستِنانُ: استِعمالُ السِّواكِ، وهو افتِعالٌ مِنَ الأسنانِ: أي يُمِرُّه عليها. يُنظر: ((النهاية)) لابن الأثير (2/ 411). فصَلَّى إحدى عَشرةَ رَكعةً، ثُمَّ أذَّنَ بلالٌ، فصَلَّى رَكعَتَينِ ثُمَّ خَرَجَ فصَلَّى الصُّبحَ)) [248] أخرجها البخاري (4569). .
وفي رِوايةٍ أُخرى: ((أنَّه باتَ عِندَ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ذاتَ ليلةٍ، فقامَ نَبيُّ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم مِن آخِرِ اللَّيلِ، فخَرَجَ فنَظرَ في السَّماءِ، ثُمَّ تَلا هذه الآيةَ في آلِ عِمرانَ: إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ حتَّى بَلغَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ [آل عمران: 191] ، ثُمَّ رَجَعَ إلى البَيتِ فتَسَوَّكَ وتَوضَّأ، ثُمَّ قامَ فصَلَّى، ثُمَّ اضطَجَعَ، ثُمَّ قامَ فخَرَجَ فنَظرَ إلى السَّماءِ، فتَلا هذه الآيةَ، ثُمَّ رَجَعَ فتَسَوَّكَ فتَوضَّأ، ثُمَّ قامَ فصَلَّى)) [249] أخرجها مسلم (256). .
قال النَّوويُّ: (قَولُه: «فخَرَجَ فنَظرَ إلى السَّماءِ، ثُمَّ تَلا هذه الآيةَ في آل عِمرانَ: إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ الآيات» فيه أنَّه يُستَحَبُّ قِراءَتُها عِندَ الاستيقاظِ في اللَّيلِ مَعَ النَّظَرِ إلى السَّماءِ؛ لِما في ذلك مِن عَظيمِ التَّدَبُّرِ، وإذا تَكَرَّرَ نَومُه واستيقاظُه وخُروجُه استُحِبَّ تَكريرُه قِراءةَ هذه الآياتِ، كما ذُكِرَ في الحَديثِ) [250] ((شرح مسلم)) (3/ 145، 146). .

انظر أيضا: