موسوعة الآداب الشرعية

خامسًا: الاستِنثارُ ثلاثًا


يُستَحَبُّ لمَن قامَ مِن نَومِه وتَوضَّأَ أن يَستَنثِرَ [262] قال النَّوويُّ: (أمَّا الاستِنثارُ -بالثَّاءِ المُثَلَّثةِ- فهو طَرحُ الماءِ والأذى مِنَ الأنفِ بَعدَ الاستِنشاقِ، وهذا هو المَشهورُ الذي عليه الجُمهورُ مِن أهلِ الحَديثِ واللُّغةِ والفِقهِ). ((المجموع)) (1/ 353). ثَلاثًا.
الدَّليلُ على ذلك مِنَ السُّنَّةِ:
عن أبي هرَيرةَ رَضِيَ اللهُ عنه، أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((إذا استَيقَظَ أحَدُكُم مِن مَنامِه فليَستَنثِرْ ثَلاثَ مَرَّاتٍ؛ فإنَّ الشَّيطانَ يَبيتُ على خَياشيمِه)) [263] أخرجه مسلم (238). .
وفي رِوايةٍ: ((إذا استَيقَظَ -أُراه- أحَدُكُم مِن مَنامِه فتَوضَّأ، فليَستَنثِرْ ثَلاثًا؛ فإنَّ الشَّيطانَ يَبيتُ على خَيشومِه)) [264] أخرجها البخاري (3295). والجمهورُ على أنَّ الأمرَ للندبِ لا الوجوبِ. يُنظر: ((سبل السلام)) للصنعاني (1/ 46). .
و(المُرادُ بالاستِنثارِ في الوُضوءِ التَّنظيفُ؛ لِما فيه مِنَ المَعونةِ على القِراءةِ؛ لأنَّ بتَنقيةِ مَجرى النَّفَسِ تَصِحُّ مَخارِجُ الحُروفِ، ويُزادُ للمُستَيقِظِ بأنَّ ذلك لطَردِ الشَّيطانِ) [265] ((فتح الباري)) لابن حجر (1/ 262). قال القَسطَلَّانيُّ: ("فإنَّ الشَّيطانَ يَبيتُ على خَيشومِه" حَقيقةٌ؛ لأنَّ الأنفَ أحَدُ المَنافِذِ التي يُتَوصَّلُ مِنها إلى القَلبِ، لا سيَّما وليسَ مِن مَنافِذِ الجِسمِ ما ليسَ عليه غَلقٌ سِواه وسِوى الأُذُنَينِ، وقد جاءَ في التَّثاؤُبِ الأمرُ بكَظمِه مِن أجلِ دُخولِ الشَّيطانِ حينَئِذٍ في الفمِ). ((إرشاد الساري)) (5/ 302). ويُنظر: ((إكمال المعلم)) لعياض (2/ 31). .
فائِدتانِ:
الأولى: حكمُ الاستنثارِ في الوضوءِ
الاستِنثارُ سُنَّةٌ مِن سُنَنِ الوُضوءِ [266] وذلك باتِّفاقِ المَذاهِبِ الفِقهيَّةِ الأربَعةِ: الحَنَفيَّةِ، والمالِكيَّةِ، والشَّافِعيَّةِ، والحَنابِلةِ. يُنظر: ((البحر الرائق)) لابن نجيم (1/22)، ((الكافي)) لابن عبد البر (1/170)، ((المجموع)) للنووي (1/357)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (1/105). .
الدَّليلُ على ذلك مِنَ السُّنَّةِ:
1- عن عَمرِو بنِ أبي حَسَنٍ: أنَّه ((سَأل عَبدُ اللَّهِ بنُ زَيدٍ عن وُضوءِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فدَعا بتَورٍ مِن ماءٍ، فتَوضَّأ لهم، فكَفَأ على يَدَيه فغَسَلَهما ثَلاثًا، ثُمَّ أدخَل يَدَه في الإناءِ، فمَضمَضَ واستَنشَقَ، واستَنثَرَ ثَلاثًا بثَلاثِ غَرَفاتٍ مِن ماءٍ)) [267] أخرجه البخاري (192) واللفظُ له، ومسلم (235). .
2- عن أبي هرَيرةَ رَضِيَ اللهُ عنه: أنَّ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((إذا تَوضَّأ أحَدُكُم فليَجعَلْ في أنفِه ثُمَّ ليَنثُرْ)) [268] أخرجه البخاري (162) واللفظُ له، ومسلم (237). قال ابنُ جَريرٍ: (فإن ظَنَّ ظانٌّ أنَّ في الأخبارِ التي رُوِيَت عن رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أنَّه قال: «إذا تَوضَّأ أحَدُكُم فليَستَنثِرْ» دَليلًا على وُجوبِ الاستِنثارِ، فإنَّ في إجماعِ الحُجَّةِ على أنَّ ذلك غَيرُ فرضٍ واجِبٍ، يَجِبُ على مَن تَرَكَه إعادةُ الصَّلاةِ التي صَلَّاها قَبلَ غَسلِه- ما يُغني عن إكثارِ القَولِ فيه). ((جامع البيان)) (10/45). .
الثَّانيةُ: صِفةُ الاستِنثارِ:
صِفةُ الاستِنثارِ تَكونُ بإخراجِ ما في الأنفِ مِنَ الماءِ والأذى باليَدِ اليُسرى، بَعدَ الاستِنشاقِ [269] وذلك باتِّفاقِ المَذاهِبِ الفِقهيَّةِ الأربَعةِ: الحَنَفيَّةِ، والمالكيَّةِ، والشَّافِعيَّةِ، والحَنابِلةِ. يُنظر: ((البحر الرائق)) لابن نجيم (1/22)، ((الشرح الكبير)) للدردير (1/97)، ((المجموع)) للنووي (1/353، 358)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (1/105). وفصَّل المالِكيَّةُ في الكَيفيَّةِ، فقالوا: (ومِنَ السُّنَنِ الاستِنثارُ، وهو نَثرُ الماءِ، أي: طَرحُه مِن أنِفه بنَفسِه بالسَّبَّابةِ والإبهامِ مِنَ اليَدِ اليُسرى ماسِكًا له مِن أعلاه، يَمُرُّ بهما عليه لآخِرِه، ويُكرَهُ دونَ اليَدِ، كفِعلِ الحِمارِ، مَأخوذٌ مِن تَحريكِ النَّثرةِ، وهيَ طَرَفُ الأنفِ). ((شرح مختصر خليل)) للخرشي (1/134). .
الدَّليلُ على ذلك مِنَ السُّنَّةِ:
عن عَليٍّ رَضِيَ اللهُ عنه: ((دَعا بوَضوءٍ [270] الوَضوءُ -بالفَتحِ-: الماءُ الذي يُتوَضَّأُ به. يُنظر: ((الصحاح)) للجوهري (1/ 81). فتَمَضمَضَ واستَنشَقَ، ونَثَرَ بيَدِه اليُسرى، ففعَل هذا ثَلاثًا، ثُمَّ قال: هذا طُهورُ نَبيِّ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم)) [271] أخرجه أبو داود (112)، والنسائي (91) واللفظُ له، وأحمد (1133). صحَّحه ابنُ خزيمة (147)، وابن حبان (1079)، والوادعي في ((الصحيح المسند مما ليس في الصحيحين)) (2/55)، وقال الدارقطني في ((السنن)) (1/155): معناه قريبٌ صحيحٌ .

انظر أيضا: