موسوعة الآداب الشرعية

تمهيدٌ في شموليَّةِ الدِّينِ الإسْلاميِّ


نِعَمُ اللهِ عَزَّ وجَلَّ على عِبادِه لا تُحصى، ومِنها نِعمةُ إطعامِ الطَّعامِ، وسَقيِ الشَّرابِ، وتَسويغُ ذلك في الحَلقِ، ثُمَّ جَعلُ المَخرَجِ للزَّائِدِ مِن ذلك، ولو بَقيَ لأضَرَّ وأهلَك، فالحَمدُ للهِ رَبِّ العالَمينَ.
عن أبي أيُّوبَ الأنصاريِّ رَضِيَ اللهُ عنه، قال: ((كان رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم إذا أكَل أو شَرِبَ، قال: الحَمدُ للهِ الذي أطعَمَ وسَقى، وسَوَّغَه وجَعَل له مَخرَجًا)) [272] أخرجه أبو داود (3851) واللفظُ له، والنسائي في ((السنن الكبرى)) (6867)، وابن حبان (5220). صححه ابن حبان، وابن حجر كما في ((الفتوحات الربانية)) لابن علان (5/229)، والألباني في ((صحيح سنن أبي داود)) (3851)، والوادعي على شرط البخاري في ((الصحيح المسند مما ليس في الصحيحين)) (318). .
ذَكَرَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم هنا أربَعَ نِعَمٍ (إحداها: قَولُه: «أطعَمَ» أي: رَزَق، والثَّانيةُ: «سَقى»، والثَّالثةُ: «سَوَّغَه» أي: سَهَّل دُخولَ اللُّقمةِ والشَّربةِ في الحَلقِ؛ فإنَّه خَلقَ في الفمِ الأسنانَ ليَمضُغَ بها الطَّعامَ، وخَلقَ ماءَ الفَمِ ليُلِينَ به اللُّقمةَ، وخَلقَ فيه اللِّسانَ ليَدورَ فوقَ الطَّعامِ ليَسهُلَ مَضغُه، وجَعَل في الفَمِ الذَّوقَ لتكمُلَ النِّعَمُ، ووسَّع الحَلقَ بحَيثُ يَسهُلُ فيه دُخولُ الطَّعامِ والشَّرابِ.
النِّعمةُ الرَّابعةُ: قَولُه: «وجَعَل له مَخرَجًا»، يَعني: جَعَل للطَّعامِ) [273] ((المفاتيح)) للمظهري (4/ 513، 514). ((وجَعَل له مَخرَجًا)) يَشمَلُ القُبُلَ والدُّبُرَ، أي: مَكانَ التَّخَلُّصِ بخُروجِ الأذى مِنه، فكَأنَّه حَمِدَ اللَّهَ على أن جَعَل له مَدخَلًا يَدخُلُ مِنه، ومَخرَجًا يَخرُجُ مِنه، وسَهَّله في دُخولِه وخُروجِه [274] ((شرح سنن أبي داود)) لابن رسلان (15/ 527). .
ثُمَّ إنَّ مِن مَحاسِنِ الشَّرعِ الكَريمِ أن جَعَل لقَضاءِ الحاجةِ آدابًا، وشَرع له أحكامًا؛ مِمَّا يَدُلُّ على شُموليَّةِ هذا الدِّينِ العَظيمِ وكَمالِه، وتَنظيمِه لشُؤونِ النَّاسِ كُلِّها، وأنَّه لم يَترُكْ أمرًا مِمَّا يَنفعُهم إلَّا ودَلَّ عليه، وأرشَدَ إلى أحسَنِه وأجمَلِه، ولا شَيئًا يَضُرُّهم إلَّا وحَذَّرَهم مِنه، حتَّى وإن كان في أمرٍ يَفعَلُه النَّاسُ عادةً، ولقد تَرَكَ رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أصحابَه وما يَتَقَلَّبُ في السَّماءِ طائِرٌ إلَّا ذَكرَهم مِنه عِلمًا، وكان المُشرِكونَ يَتَعَجَّبونَ مِن هذا.
عن عَبد الرَّحمَنِ بنِ يَزيدَ، عن سَلمانَ رَضِيَ اللهُ عنه، قال: قيل له: ((قد عَلَّمَكُم نَبيُّكُم صلَّى اللهُ عليه وسلَّم كُلَّ شَيءٍ حتَّى الخِراءةَ [275] أي: هَيئةُ جِلسةِ المُتَخَلِّي لقَضاءِ الحاجةِ، وصِفةُ التَّنَظُّفِ مِنه، فالخِراءةُ -بكَسرِ الخاءِ المُعجَمةِ، وتَخفيفِ الرَّاءِ وبالمَدِّ- اسمٌ لهَيئةِ الحَدَثِ، وأمَّا نَفسُ الحَدَثِ فبحَذفِ التَّاءِ وبالمَدِّ مَعَ فتحِ الخاءِ وكَسرِها. يُنظر: ((مطالع الأنوار)) لابن قرقول (2/ 419)، ((شرح مسلم)) للنووي (3/ 153، 154). ؟!قال: فقال: أجَلْ، لقد نَهانا أن نَستَقبِلَ القِبلةَ لغائِطٍ أو بَولٍ، أو أن نَستَنجيَ باليَمينِ، أو أن نَستَنجيَ بأقَلَّ مِن ثَلاثةِ أحجارٍ، أو أن نَستَنجيَ برَجيعٍ أو بعَظمٍ)) [276] أخرجه مسلم (262). .
وفي رِوايةٍ عن سَلمانَ رَضِيَ اللهُ عنه، قال: ((قال لنا المُشرِكونَ: إنِّي أرى صاحِبَكُم يُعَلِّمُكُم حتَّى يُعَلِّمَكُمُ الخِراءةَ، فقال: أجَلْ...)) [277] أخرجها مسلم (262). .
(أجَلْ، مَعناه: نَعَم، ومُرادُ سَلمانَ رَضِيَ اللهُ عنه أنَّه عَلَّمَنا كُلَّ ما نَحتاجُ إليه في دينِنا حتَّى الخِراءةَ التي ذَكَرتَ أيُّها القائِلُ فإنَّه عَلَّمَنا آدابَها، فنَهانا فيها عن كَذا وكَذا) [278] ((شرح مسلم)) للنووي (3/ 154). .
وفيما يَلي نَذكُرُ أهَمَّ آدابِ قَضاءِ الحاجةِ:

انظر أيضا: