موسوعة الآداب الشرعية

ثامنَ عشرَ: التَّنَزُّهُ مِنَ البَولِ


يَجِبُ أن يَستَنزِهَ مِنَ البَولِ، فيَتَحَفَّظَ ويَبتَعِدَ بحَيثُ لا يُصيبُه رَشاشُه، ولا يَتَساهَلَ في هذا.
الدَّليلُ على ذلك مِنَ السُّنَّةِ:
1- عن ابنِ عبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهما، قال: ((مَرَّ رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم على قَبرَينِ، فقال: إنَّهما يُعَذَّبانِ، وما يُعَذَّبانِ في كَبيرٍ [356] وما يُعَذَّبانِ في كَبيرٍ، مَعناه أنَّهما لم يُعَذَّبا في أمرٍ كان يَكبُرُ عليهما أو يَشُقُّ فِعلُه لو أرادا أن يَفعَلاه، وهو التَّنَزُّهُ مِنَ البَولِ وتَركُ النَّميمةِ، ولم يُردْ أنَّ المَعصيةَ في هاتَينِ الخَصلتَينِ ليسَت بكَبيرةٍ في حَقِّ الدِّينِ، وأنَّ الذَّنبَ فيهما هَيِّنٌ سَهلٌ. يُنظر: ((معالم السنن)) للخطابي (1/ 19). ،أمَّا هذا فكان لا يَستَنزِهُ [357] لا يَستَنزِهُ مِن بَولِه: أي: لا يَبعُدُ ولا يَتَحَفَّظُ ولا يَتَطَهَّرُ مِنه. يُنظر: ((مطالع الأنوار)) لابن قرقول (1/ 484) (4/ 148)، ((النهاية)) لابن الأثير (5/ 43). مِنَ البَولِ، وأمَّا هذا فكان يَمشي بالنَّميمةِ...)) الحَديثَ [358] أخرجه أبو داود (20). ولفظه في صحيح مسلم (292) ((مَرَّ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ علَى قَبْرَيْنِ فقالَ: أما إنَّهُما لَيُعَذَّبانِ وما يُعَذَّبانِ في كَبِيرٍ، أمَّا أحَدُهُما فَكانَ يَمْشِي بالنَّمِيمَةِ، وأَمَّا الآخَرُ فَكانَ لا يَسْتَتِرُ مِن بَوْلِهِ، قالَ فَدَعا بعَسِيبٍ رَطْبٍ فَشَقَّهُ باثْنَيْنِ ثُمَّ غَرَسَ علَى هذا واحِدًا وعلَى هذا واحِدًا، ثُمَّ قالَ: لَعَلَّهُ أنْ يُخَفَّفُ عنْهما ما لَمْ يَيْبَسا. وفي رواية: وكانَ الآخَرُ لا يَسْتَنْزِهُ عَنِ البَوْلِ، أوْ مِنَ البَوْلِ)). .
وفي رِوايةٍ: ((أمَّا أحَدُهما فكانِ لا يَستَبرِئُ [359]    لا يَسْتبرِئُ: أي: لا يَستَفْرِغُ البَولَ جهدَه بعدَ فراغِه منه، فيخرُجُ منه بعدَ وُضوئِه. يُنظر: ((شرح صحيح البخاري)) لابن بطال (1/ 325). مِن بَولِه)) [360] أخرجها النسائي (2069) واللفظُ له، وابن الجارود في ((المنتقى)) (130)، وابن أبي شيبة (12164). صحَّحها الألباني في ((صحيح سنن النسائي)) (2069)، وذكَر ثبوتَه القرطبيُّ في ((التفسير)) (13/89). .
وفي رِوايةٍ: ((كان أحَدُهما لا يَستَتِرُ مِن بَولِه)) [361] أخرجها البخاري (216). .
قال النَّوويُّ: (رُوِيَ ثَلاثُ رِواياتٍ: يَستَتِرُ، ويَستَنزِهُ، ويَستَبرِئُ، وكُلُّها صحيحةٌ. ومَعناها: لا يَتَجَنَّبُه ويَتَحَرَّزُ مِنه) [362] ((شرح مسلم)) (3/ 201). .
2- عن ابنِ عبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهما، مَرفوعًا: ((إنَّ عامَّةَ عَذابِ القَبرِ مِنَ البَولِ، فتَنَزَّهوا مِنَ البَولِ)) [363] أخرجه الطبرانيُّ (11/84) (11120) واللفظُ له، والحاكمُ (667) مختصرًا، والبيهقيُّ في ((معرفة السنن والآثار)) (4954). صحَّحه الطحاويُّ في ((شرح مشكل الآثار)) (13/189)، وابنُ حجرٍ في ((الدراية)) (1/93)، والألبانيُّ في ((صحيح الجامع)) (2102)، وصحَّحه لغيرِه شعيب الأرناؤوط في تخريجِ ((سنن الدارقطني)) (466). .
3- عن أبي هرَيرةَ رَضِيَ اللهُ عنه، أنَّ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((استَنزِهوا مِنَ البَولِ؛ فإنَّ عامَّةَ عَذابِ القَبرِ مِنه)) [364] أخرجه الدَّارقطنيُّ (1/232) واللفظُ له، وأبو بكرٍ الدينوريُّ في ((المجالسة والعلم)) (31). صحَّحه ابنُ الملقنِ في ((البدر المنير)) (2/323). وأخرجه ابنُ ماجه (348)، وأحمدُ (9059) مختصرًا باختلافٍ يسيرٍ؛ ولفظُ ابنِ ماجه: عن أبي هريرةَ قال: قال رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم: ((أكثرُ عذابِ القبرِ مِن البولِ)). صحَّحه الطحاويُّ في ((شرح مشكل الآثار)) (13/188)، والدَّارقطنيُّ في ((السنن)) (1/314)، والحاكمُ على شرطِ الشيخينِ في ((المستدرك)) (666)، والمنذريُّ على شرطِ الشَّيخينِ في ((الترغيب والترهيب)) (1/114). .
4- عن أنَسٍ رَضِيَ اللهُ عنه، قال: قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((تنَزَّهوا مِنَ البَولِ؛ فإنَّ عامَّةَ عَذابِ القَبرِ مِنه)) [365] أخرجه الدارقطني (1/231)، وابن الجوزي في ((التحقيق)) (410). صححه ابن تيمية في ((بيان تلبيس الجهمية)) (5/84)، والألباني في ((صحيح الجامع)) (3002)، وحسن إسناده ابن كثير في ((إرشاد الفقيه)) (1/57)، وابن الملقن في ((تحفة المحتاج)) (1/217). .
((تَنَزَّهوا مِنَ البَولِ)) أي: تَباعَدوا عنه واستَتِروا عنه، والنَّزاهةُ: البُعدُ عنِ السُّوءِ، وأصلُ التَّنَزُّهِ في كَلامِهمُ: البُعدُ عَمَّا فيه الأدناسُ، والقُربُ مِمَّا فيه الطَّهارةُ، والإطلاقُ يَقضي بإيجابِ التَّنَزُّهِ مِن بَولِه وبَولِ غَيرِه مِن آدَميٍّ وغَيرِه مِمَّا يُنَجِّسُ بَولُه. وقَولُه: ((فإنَّ عامَّةَ عَذابِ القَبرِ منه)) أي: مِن تَركِ التَّنَزُّهِ [366] يُنظر: ((التنوير)) للصنعاني (5/ 98). .

انظر أيضا: