موسوعة الآداب الشرعية

ثامنًا: تَشميتُ العاطِسِ إذا حَمِدَ اللَّهَ


مِن آدابِ الطَّريقِ: تَشميتُ العاطِسِ إذا حَمِدَ اللَّهَ، بأن يَقولَ له: يَرحَمُك اللهُ [834] يُنظر تَفصيلُ القَولِ في آدابِ العُطاسِ والتَّشميتِ في الفَصلِ الأوَّلِ مِنَ البابِ السَّادِسِ مِنَ الكِتابِ الرَّابعِ. .
الدَّليلُ على ذلك مِنَ السُّنَّةِ:
1- عن أبي هرَيرةَ رَضِيَ اللهُ عنه، ((أنَّ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم نَهى عنِ الأفنيةِ والصُّعُداتِ [835] قال ابنُ حَجَرٍ: (أمَّا الأفنِيَةُ فهيَ جمعُ فِناءٍ -بكَسرِ الفاءِ والمَدِّ- وقد تُقصَرُ، وهو المَكانُ المُتَّسِعُ أمامَ الدُّورِ... والصُّعُداتُ -بضَمَّتَينِ-: جَمعُ صُعُدٍ -بضَمَّتَينِ أيضًا، وقد يُفتَحُ أوَّلُه- وهو جَمعُ صَعيدٍ، كطَريقٍ وطُرُقاتٍ وزنًا ومَعنًى، والمُرادُ به ما يُرادُ مِنَ الفِناءِ، وزَعَمَ ثَعلبٌ أنَّ المُرادَ بالصُّعُداتِ وَجهُ الأرضِ، ويَلتَحِقُ بما ذُكِرَ ما في مَعناه مِنَ الجُلوسِ في الحَوانيتِ وفي الشَّبابيكِ المُشرِفةِ على المارِّ؛ حَيثُ تَكونُ في غَيرِ العُلوِ). ((فتح الباري)) (5/ 113). أن يُجلَسَ فيها، فقال المُسلِمونَ: لا نَستَطيعُه، لا نُطيقُه، قال: إمَّا لا فأعطُوا حَقَّها، قالوا: وما حَقُّها؟ قال: غَضُّ البَصَرِ، وإرشادُ ابنِ السَّبيلِ، وتَشميتُ العاطِسِ إذا حَمِدَ اللَّهَ، ورَدُّ التَّحيَّةِ)) [836] أخرجه أبو داود (4816)، والبخاري في ((الأدب المفرد)) (1014) واللفظ له، وابن حبان (596). صحَّحه ابن حبان، والألباني في ((صحيح الأدب المفرد)) (776)، وصحَّح إسنادَه الحاكم في ((المستدرك)) (7688)، وقواه على شرط مسلم شعيب الأرناؤوط في تخريج ((صحيح ابن حبان)) (596). .
2- عنِ البَراءِ بنِ عازِبٍ رَضِيَ اللهُ عنهما، قال: ((أمَرَنا النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بسَبعٍ، ونَهانا عن سَبعٍ، فذَكَرَ: عيادةَ المَريضِ، واتِّباعَ الجَنائِزِ، وتَشميتَ العاطِسِ، ورَدَّ السَّلامِ، ونَصرَ المَظلومِ، وإجابةَ الدَّاعي، وإبرارَ المُقسِمِ)) [837] أخرجه البخاري (2445) واللفظ له، ومسلم (2066). .
3- عن أبي هرَيرةَ رَضِيَ اللهُ عنه، قال: سَمِعتُ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يَقولُ: ((حَقُّ المُسلمِ على المُسلمِ خَمسٌ: رَدُّ السَّلامِ، وعيادةُ المَريضِ، واتِّباعُ الجَنائِزِ، وإجابةُ الدَّعوةِ، وتَشميتُ العاطِسِ)) [838] أخرجه البخاري (1240). .
وفي رِوايةٍ: ((خَمسٌ تَجِبُ للمُسلمِ على أخيه: رَدُّ السَّلامِ، وتَشميتُ العاطِسِ، وإجابةُ الدَّعوةِ، وعيادةُ المَريضِ، واتِّباعُ الجَنائِزِ)) [839] أخرجها مسلم (2162). .
وفي رِوايةٍ أُخرى: ((حَقُّ المُسلمِ على المُسلمِ سِتٌّ. قيل: ما هنَّ يا رَسولَ اللهِ؟ قال: إذا لقيتَه فسَلِّمْ عليه، وإذا دَعاك فأجِبْه، وإذا استَنصَحَك فانصَحْ له، وإذا عَطَسَ فحَمِدَ اللَّهَ فسَمِّتْه [840] شَمَّت وسَمَّت بمَعنًى واحِدٍ، وهو أن يَدعوَ للعاطِسِ بالرَّحمةِ. يُنظر: ((معالم السنن)) للخطابي (4/ 141). ، وإذا مَرِضَ فعُدْه، وإذا ماتَ فاتَّبِعْه)) [841] أخرجها مُسلم (2162). .
4- عن أبي هرَيرةَ رَضِيَ اللهُ عنه، عنِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، قال: ((إنَّ اللَّهَ يُحِبُّ العُطاسَ، ويَكرَهُ التَّثاؤُبَ، فإذا عَطَسَ أحَدُكُم وحَمِد اللَّهَ، كان حَقًّا على كُلِّ مُسلمٍ سَمِعَه أن يَقولَ له: يَرحَمُك اللهُ، وأمَّا التَّثاؤُبُ فإنَّما هو مِنَ الشَّيطانِ، فإذا تَثاءَبَ أحَدُكُم فليَرُدَّه ما استَطاعَ؛ فإنَّ أحَدَكُم إذا تَثاءَبَ ضَحِكَ مِنه الشَّيطانُ)) [842] أخرجه البخاري (6226) واللَّفظُ له، ومسلم (2994). .
5- عن أبي هرَيرةَ رَضِيَ اللهُ عنه، عنِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، قال: ((إذا عَطَسَ أحَدُكُم فليَقُلِ: الحَمدُ للَّهِ، وليَقُلْ له أخوه أو صاحِبُه: يَرحَمُك اللهُ، فإذا قال له: يَرحَمُك اللهُ، فليَقُلْ: يَهديكُمُ اللهُ ويُصلحُ بالكُم)) [843] أخرجه البخاري (6224). .
6- عن أنَسِ بنِ مالكٍ رَضِيَ اللهُ عنه، قال: ((عَطَسَ عِندَ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم رَجُلانِ، فشَمَّت أحَدَهما ولم يُشَمِّتِ الآخَرَ، فقال الذي لم يُشَمِّتْه: عَطَسَ فلانٌ فشَمَّتَّه، وعَطَستُ أنا فلم تُشَمِّتْني! قال: إنَّ هذا حَمِد اللهَ، وإنَّك لم تَحمَدِ اللَّهَ)) [844] أخرجه البخاري (6221)، ومسلم (2991) واللَّفظُ له. .
7- عن أبي بُردةَ، قال: دَخَلتُ على أبي موسى وهو في بَيتِ بنتِ الفَضلِ بنِ عبَّاسٍ، فعَطَستُ فلم يُشَمِّتْني، وعَطَستْ فشَمَّتها، فرَجَعتُ إلى أُمِّي فأخبَرتُها، فلمَّا جاءَها قالت: عَطَسَ عِندَك ابني فلم تُشَمِّتْه، وعَطَسَت فشَمَّتَّها! فقال: إنَّ ابنَك عَطَسَ فلم يَحمَدِ اللَّهَ فلم أُشَمِّتْه، وعَطَسَت فحَمِدَتِ اللَّهَ فشَمَّتُّها؛ سَمِعتُ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يَقولُ: ((إذا عَطَسَ أحَدُكُم فحَمِدَ اللَّهَ فشَمِّتوه، فإن لم يَحمَدِ اللَّهَ فلا تُشَمِّتوه)) [845] أخرجه مسلم (2992). .
فوائِدُ ومَسائِلُ:
1- عن أبي موسى الأشعَريِّ رَضِيَ اللهُ عنه، قال: ((كان اليَهودُ يَتَعاطَسونَ عِندَ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يَرجونَ أن يَقولَ لهم: يَرحَمُكُمُ اللهُ، فيَقولُ: يَهديكُمُ اللهُ ويُصلحُ بالَكُم)) [846] أخرجه أبو داود (5038)، والترمذي (2739) واللفظ له، وأحمد (19586). صحَّحه ابن العربي في ((عارضة الأحوذي)) (5/377)، وابن القيم في ((زاد المعاد)) (2/404)، والألباني في ((صحيح سنن الترمذي)) (2739)، وقال الترمذي: حسن صحيح. .
2- عن أبي هرَيرةَ رَضِيَ اللهُ عنه، قال: قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((لمَّا خَلقَ اللهُ آدَم عَطَس فألهَمَه رَبُّه أن قال: الحَمدُ للَّهِ، فقال له رَبُّه: يَرحَمُك اللهُ؛ فلذلك سَبَقَت رَحمَتُه غَضَبَه)) [847] أخرجه ابن أبي عاصم في ((السنة)) (205)، وابن حبان (6164) واللفظ له، والبيهقي في ((شعب الإيمان)) (8880). حسَّنه شعيب الأرناؤوط في تخريج ((صحيح ابن حبان)) (6164). وذهب إلى تصحيحه ابن حبان. .
وعن أنَسِ بنِ مالكٍ رَضِيَ اللهُ عنه، أنَّ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((لمَّا نُفِخَ في آدَمَ، فبَلغَ الرُّوحُ رَأسَه عَطَس، فقال: الحَمدُ للهِ رَبِّ العالَمينَ. فقال له تَبارَكَ وتعالى: يَرحَمُك اللهُ)) [848] أخرجه ابن حبان (6165) واللفظ له، والضياء في ((الأحاديث المختارة)) (1667). صحَّحه ابن حبان، والألباني في ((صحيح الجامع)) (5216)، والوادعي على شرط مسلم في ((صحيح دلائل النبوة)) (382)، وصحح إسناده على شرط مسلم شعيب الأرناؤوط في تخريج ((صحيح ابن حبان)) (6165). .
3- قال البَغَويُّ: (حُكيَ أنَّ رَجُلًا عَطَسَ عِندَ الأوزاعيِّ، فلم يَحمَدِ اللَّهَ، فقال الأوزاعيُّ: كَيف تَقولُ إذا عَطَستَ؟ فقال: أقولُ: الحَمدُ للَّهِ، فقال: يَرحَمُك اللهُ.
فأرادَ الأوزاعيُّ أن يَستَخرِجَ مِنه الحَمدَ؛ ليَستَحِقَّ التَّشميتَ.
وقال يَحيى بنُ أبي كَثيرٍ عن بَعضِهم: حَقٌّ على الرَّجُلِ إذا عَطَسَ أن يَحمَدَ اللَّهَ، وأن يَرفعَ بذلك صَوتَه، وأن يُسمِعَ مَن عِندَه، وحَقٌّ عليهم أن يُشَمِّتوه.
قال مَكحولٌ: كُنت إلى جَنبِ ابنِ عُمَرَ، فعَطَسَ رَجُلٌ مِن ناحيةِ المَسجِدِ، فقال: يَرحَمُك اللهُ إن كُنتَ حَمِدتَ اللَّهَ.
وقال الشَّعبيُّ: إذا سَمِعتَ الرَّجُلَ يَعطِسُ مِن وراءِ جِدارٍ، فحَمِدَ اللَّهَ، فشَمِّتْه) [849] ((شرح السنة)) (12/ 312، 313). ويُنظر: ((معالم السنن)) للخطابي (4/ 141). .
4- قال ابنُ حَجَرٍ: (إن عَطَسَ وحَمِدَ ولم يُشَمِّتْه أحَدٌ، فسَمِعَه مَن بَعُد عنه، استُحِبَّ له أن يُشَمِّتَه حينَ يَسمَعُه. وقد أخرج ابنُ عبدِ البَرّ بسَنَدٍ جَيِّدٍ عن أبي داودَ صاحِبِ السُّنَنِ أنَّه كان في سَفينةٍ فسَمِعَ عاطِسًا على الشَّطِّ حَمِد، فاكتَرى قارِبًا بدِرهَمٍ حتَّى جاءَ إلى العاطِسِ فشَمَّته ثُمَّ رَجَعَ، فسُئِلَ عن ذلك فقال: لعَلَّه يَكونُ مُجابَ الدَّعوةِ، فلمَّا رَقدوا سَمِعوا قائِلًا يَقولُ: يا أهلَ السَّفينةِ، إنَّ أبا داود اشتَرى الجَنَّةَ مِنَ اللهِ بدِرهَمٍ!
قال النَّوويُّ: ويُستَحَبُّ لمَن حَضَرَ مَن عَطَسَ فلم يَحمَدْ أن يُذَكِّرَه بالحَمدِ؛ ليَحمَدَ فيُشَمِّتَه، وقد ثَبَتَ ذلك عن إبراهيمَ النَّخعيِّ، وهو مِن بابِ النَّصيحةِ والأمرِ بالمَعروفِ) [850] ((فتح الباري)) (10/ 610، 611). ويُنظر: ((الأذكار)) (ص: 274). .

انظر أيضا: