موسوعة الآداب الشرعية

سابعًا: حُسنُ الكَلامِ


مِن آدابِ الطَّريقِ: حُسنُ الكَلامِ.
الدَّليلُ على ذلك مِن الكتابِ والسُّنَّةِ:
أ- مِنَ الكِتابِ
1- قال تعالى: وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا [البقرة: 83] .
2- قال تعالى: وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلْإِنْسَانِ عَدُوًّا مُبِينًا [الإسراء: 53] .
ب- مِنَ السُّنَّةِ
1- عن أبي طَلحةَ رَضِيَ اللهُ عنه، قال: ((كُنَّا قُعودًا بالأفنِيةِ نَتَحَدَّثُ، فجاءَ رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فقامَ علينا فقال: ما لكُم ولمَجالِسِ الصُّعُداتِ؟! اجتَنِبوا مَجالِسَ الصُّعُداتِ، فقُلْنا: إنَّما قَعَدنا لغَيرِ ما باسٍ، قَعَدنا نَتَذاكَرُ ونَتَحَدَّثُ، قال: إمَّا لا فأدُّوا حَقَّها: غَضُّ البَصَرِ، ورَدُّ السَّلامِ، وحُسنُ الكَلامِ)) [817] أخرجه مسلم (2161). .
قال عياضٌ: (قَولُه: «وحُسنُ الكَلامِ» نَدبٌ إلى حُسنِ مُعامَلةِ المُسلِمينَ بَعضِهم لبَعضٍ، وأنَّ الجالسَ على الطَّريقِ يَمُرُّ به العَدَدُ الكَثيرُ مِنَ النَّاسِ، فرُبَّما سَألوه عن بَعضِ شَأنِهم، ووَجهِ طُرُقِهم؛ فيَجِبُ أن يَتَلقَّاهم بالجَميلِ مِنَ الكَلامِ، ولا يَتَلقَّاهم بالضَّجَرِ وخُشونةِ اللَّفظِ، ولعَلَّ هذا مِن بابِ كَفِّ الأذى المُتَقدِّمِ) [818] ((إكمال المعلم)) (7/ 44). .
2- عن أبي هرَيرةَ رَضِيَ اللهُ عنه، قال: قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((كُلُّ سُلامى [819] أي: كُلُّ عَظمٍ ومَفصِلٍ يُعتَمَدُ عليه في الحَرَكةِ، ويَقَعُ به القَبضُ والبَسطُ، وأصلُ السُّلامى: عَظمٌ صَغيرٌ يَكونُ في فِرسِنِ البَعيرِ، ويُجمَعُ على السُّلامَياتِ. يُنظر: ((غريب الحديث)) للقاسم بن سلام (5/ 421)، ((أعلام الحديث)) للخطابي (2/ 1392)، ((معالم السنن)) للخطابي (1/ 278) و(4/ 156). وقال أبو العَبَّاس القُرطُبيُّ: (مَقصود الحَديثِ: أنَّ العِظامَ التي في الإنسانِ هيَ أصلُ وُجودِه، وبها حُصولُ مَنافِعِه؛ إذ لا تَتَأتَّى الحَرَكاتُ والسَّكَناتُ إلَّا بها، والأعصابُ رِباطاتٌ، واللُّحومُ والجُلودُ حافِظاتٌ ومُمَكِّناتٌ، فهيَ إذًا أعظَمُ نِعَمِ اللهِ على الإنسانِ، وحَقُّ المُنعَمِ عليه أن يُقابِلَ كُلَّ نِعمةٍ مِنها بشُكرٍ يَخُصُّها، وهو أن يُعطيَ صَدَقةً كما أُعطيَ مَنفعةً، لكِنَّ اللَّهَ تعالى لَطَف وخَفَّف بأن جَعل التَّسبيحةَ الواحِدةَ كالعَطيَّةِ، وكذلك التَّحميدةُ وغَيرُها مِن أعمالِ البرِّ وأقوالِه وإن قَلَّ مِقدارُها، وأتَمَّ تَمامَ الفَضلِ أنِ اكتَفى مِن ذلك كُلِّه برَكعَتَينِ في الضُّحى). ((المفهم)) (3/ 53). مِنَ النَّاسِ عليه صَدَقةٌ كُلَّ يَومٍ تَطلُعُ فيه الشَّمسُ؛ يَعدِلُ بَينَ الاثنَينِ صَدَقةٌ، ويُعينُ الرَّجُلَ على دابَّتِه فيَحمِلُ عليها أو يَرفعُ عليها مَتاعَه صَدَقةٌ، والكَلِمةُ الطَّيِّبةُ صَدَقةٌ [820] قال ابنُ أبي جَمرةَ في شَرحِ الحَديثِ: (العَقُل والشَّرعُ يَقتَضي أنَّه مَن وجَدَ السَّبيلَ إلى زيادةِ ذَرَّةٍ مِن فِعلِ البرِّ مِن صَدَقةٍ أو غَيرِها، كان به أولى وأرفعَ وأعظَمَ، ولا تَظُنَّ أنَّ الصَّدَقةَ مُحالةٌ على هذا الأمرِ المَحسوسِ مِن إنفاقِ الدَّراهمِ والدَّنانيرِ؛ فالنَّفقةُ عامَّةٌ، فإن لم تَكُنِ الدَّراهِمُ والدَّنانيرُ كان اللِّسانُ، كانتِ العَينانِ، كانتِ اليَدانِ، كانتِ الرِّجلانِ، ألا تَرى إلى ما أشارَ إليه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم في هذا الحَديثِ بقَوله: «والكَلِمةُ الطَّيِّبةُ صَدَقةٌ»، فكُلُّ هذه الأعضاءِ نَفقَتُها طاعةُ اللهِ بها؛ فاللِّسانُ صَدَقتُه ونَفقَتُه أشياءُ كَثيرةٌ؛ مِنها: تِلاوةُ كِتابِ اللهِ تعالى، وقِراءةُ حَديثِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، ودَرسُ العُلومِ، والأمرُ بالمَعروفِ والنَّهيُ عنِ المُنكَرِ، وإرشادُ الضَّالِّ، إلى غَيرِ ذلك، وهو كَثيرٌ، وكذلك في جَميعِ الأعضاءِ، وإنَّما ذَكَرتُ اللِّسانَ مِنها إشارةً إلى باقيها، واللَّهُ الموفِّقُ). ((بهجة النفوس)) (3/ 140). ، وكُلُّ خُطوةٍ يَخطوها إلى الصَّلاةِ صَدَقةٌ، ويُميطُ الأذى عنِ الطَّريقِ صَدَقةٌ)) [821] أخرجه البخاري (2989) واللفظ له، ومسلم (1009). .
3- عن ابنِ عبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهما، مَرفوعًا: ((في ابنِ آدَمَ سِتُّونَ وثَلاثُمِائةِ سُلامى -أو عَظمٍ، أو مَفصِلٍ- على كُلِّ واحِدٍ في كُلِّ يَومٍ صَدَقةٌ؛ كُلُّ كَلِمةٍ طَيِّبةٍ صَدَقةٌ، وعَونُ الرَّجُلِ أخاه صَدَقةٌ، والشَّربةُ مِنَ الماءِ يَسقيها صَدَقةٌ، وإماطةُ الأذى عنِ الطَّريقِ صَدَقةٌ)) [822] أخرجه البخاري في ((الأدب المفرد)) (422) واللفظ له، والطبراني (11/55) (11027). صحَّحه الألباني في ((صحيح الجامع)) (42). .
4- عن عَديِّ بنِ حاتِمٍ رَضِيَ اللهُ عنه، قال: ((كُنتُ عِندَ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فجاءَه رَجُلانِ أحَدُهما يَشكو العَيلةَ [823] العَيلةُ: الفَقرُ، والعالةُ: الفُقَراءُ، والعائِلُ: الفقيرُ. يُنظر: ((مطالع الأنوار)) لابن قرقول (5/ 60). ، والآخَرُ يَشكو قَطعَ السَّبيلِ، فقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: أمَّا قَطعُ السَّبيلِ فإنَّه لا يَأتي عليك إلَّا قَليلٌ حتَّى تَخرُجَ العِيرُ [824] العيرُ: الإبِلُ التي تَحمِلُ الميرةَ (الطَّعامَ). يُنظر: ((الإفصاح)) لابن هبيرة (1/ 372)، ((عمدة القاري)) للعيني (8/ 273). إلى مَكَّةَ بغَيرِ خَفيرٍ [825] الخَفيرُ: هو المُجيرُ الذي يَكونُ القَومُ في ضَمانِه وذِمَّتِه ويَصحَبُهم لئَلَّا يَعرِضَ لهم أحَدٌ فتُخفَرَ ذِمَّتُه. يُنظر: ((التوضيح)) لابن الملقن (10/ 277)، ((عمدة القاري)) للعيني (8/ 273). ، وأمَّا العَيلةُ فإنَّ السَّاعةَ لا تَقومُ حتَّى يَطوفَ أحَدُكُم بصَدَقَتِه لا يَجِدُ مَن يَقبَلُها مِنه، ثُمَّ ليَقِفَنَّ أحَدُكم بَينَ يَدَيِ اللهِ ليس بَينَه وبَينَه حِجابٌ ولا تُرجُمانٌ يُتَرجِمُ له، ثُمَّ ليَقولَنَّ له: ألم أوتِك مالًا؟ فليَقولَنَّ: بلى، ثُمَّ ليَقولَنَّ: ألم أُرسِلْ إليك رَسولًا؟ فليَقولَنَّ: بَلى، فيَنظُرُ عن يَمينِه فلا يَرى إلَّا النَّارَ، ثُمَّ يَنظُرُ عن شِمالِه فلا يَرى إلَّا النَّارَ، فليَتَّقينَّ أحَدُكُمُ النَّارَ ولو بشِقِّ تَمرةٍ، فإن لم يَجِدْ فبكَلمةٍ طَيِّبةٍ)) [826] أخرجه البخاري (1413) واللفظ له، ومسلم (1016). .
وفي رِوايةٍ عن عَديِّ بنِ حاتِمٍ رَضِيَ اللهُ عنه: ((أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ذَكَرَ النَّارَ فأشاحَ [827] فأشاحَ: أي: صَرَف وَجهَه، وقيل: المُشيحُ: الحَذِرُ والحادُّ في الأمرِ، وقيل: المُقبلُ إليك المانِعُ لِما وراءَ ظَهرِه، فيَجوزُ أن يَكونَ "أشاحَ" هنا أحَدَ هذه المَعاني، أي: حَذِرَ النَّارَ كَأنَّه يَنظُرُ إليها، أو حَضَّ على الإيصاءِ باتِّقائِها، أو أقبَل إليك في خِطابِه. يُنظر: ((النهاية)) لابن الأثير (2/ 517)، ((عمدة القاري)) للعيني (23/ 125). بوَجهِه فتَعَوَّذَ مِنها، ثُمَّ ذَكرَ النَّارَ فأشاحَ بوَجهِه فتَعوَّذ منها، ثُمَّ قال: اتَّقوا النَّارَ ولو بشِقِّ تَمرةٍ، فمَن لم يَجِدْ فبكَلِمةٍ طَيِّبةٍ)) [828] أخرجها البخاري (6563). .
قال ابنُ بَطَّالٍ: (الكَلامُ الطَّيِّبُ مندوبٌ إليه، وهو من جليلِ أفعالِ البِرِّ؛ لأنَّ النَّبيَّ عليه السَّلامُ جعَله كالصَّدَقةِ بالمالِ، ووَجهُ تشبيهِه عليه السَّلامُ الكَلِمةَ الطَّيِّبةَ بالصَّدَقةِ بالمالِ هو أنَّ الصَّدَقةَ بالمالِ تحيا بها نفسُ المتصَدَّقِ عليه ويفرَحُ بها، والكَلِمةُ الطَّيِّبةُ يفرَحُ بها المُؤمِنُ ويَحسُنُ موقِعُها من قَلبِه، فاشتَبَها من هذه الجهةِ، ألا ترى أنَّها تُذهِبُ الشَّحناءَ وتُجلِّي السَّخيمةَ، كما قال تعالى: ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ [فصلت: 34] ، والدَّفعُ بالتي هي أحسَنُ قد يَكونُ بالقَولِ كما يَكونُ بالفِعلِ) [829] ((شرح صحيح البخاري)) (9/ 225). .
5- عن يَزيدَ بنِ المِقدامِ بنِ شُرَيحِ بنِ هانِئٍ، عَنِ المِقدامِ بنِ هانِئٍ، عنِ ابنِ هانِئٍ ((أنَّ هانِئًا لمَّا وفدَ إلى رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم مَعَ قَومِه، فسَمِعَهم يَكْنونَ هانِئًا أبا الحَكَمِ، فدَعاه رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فقال: إنَّ اللَّهَ هو الحَكَمُ وإليه الحُكمُ، فلمَ تُكْنى أبا الحَكَمِ؟ قال: قَومي إذا اختَلفوا في شيءٍ رَضُوا بي حَكَمًا فأحكُمُ بينَهم، فقال: إنَّ ذلك لحَسَنٌ، فما لك مِنَ الوَلَدِ؟ قال: شُرَيحٌ، وعَبدُ اللَّهِ، ومُسلِمٌ، قال: فأيُّهم أكبَرُ؟ قال: شُرَيحٌ، قال: فأنتَ أبو شُرَيحٍ، فدَعا له ولوَلَدِه، فلمَّا أرادَ القَومُ الرُّجوعَ إلى بلادِهم أعطى كُلَّ رَجُلٍ مِنهم أرضًا حيثُ أحَبَّ في بلادِه، قال أبو شُرَيحٍ: يا رَسولَ اللهِ، أخبِرْني بشَيءٍ يوجِبُ لي الجَنَّةَ، قال: طِيبُ الكلامِ، وبَذلُ السَّلامِ، وإطعامُ الطَّعامِ)) [830] أخرجه أبو داود (4955)، والنسائي (5387) مختصرًا، وابن حبان (504) واللفظ له. صحَّحه ابن حبان، والألباني في ((صحيح سنن أبي داود)) (4955)، وحسَّنه الوادعي في ((الصحيح المسند مما ليس في الصحيحين)) (1181). .
وفي رِوايةٍ عَنِ المِقدامِ بنِ شُرَيحٍ، عن أبيه، عن جَدِّه، قال: ((قُلتُ: يا رَسولَ اللهِ، دُلَّني على عَمَلٍ يُدخِلُني الجَنَّةَ، قال: إنَّ مِن موجِباتِ المَغفِرةِ بَذلَ السَّلامِ، وحُسنَ الكَلامِ)) [831] أخرجها الخرائطي في ((مكارم الأخلاق)) (146)، وابن حبان (490)، والطبراني (22/180) (469) واللفظ له. صحَّحها ابنُ حبان، والألباني في ((صحيح الجامع)) (2232)، وجوَّد إسنادَها العراقي في ((تخريج الإحياء)) (2/246)، وشعيب الأرناؤوط في تخريج ((صحيح ابن حبان)) (504). .
6- عن أبي مالِكٍ الأشعَريِّ رَضيَ اللهُ عنه، قال: قال رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((إنَّ في الجَنَّةِ غُرفةً يُرى ظاهِرُها مِن باطِنِها، وباطِنُها مِن ظاهِرِها أعَدَّها اللهُ لمَن أطعَمَ الطَّعامَ، وألانَ الكَلامَ، وتابَعَ الصِّيامَ، وصَلَّى والنَّاسُ نيامٌ)) [832] أخرجه أحمد (22905) واللفظ له، وابن خزيمة (2137)، وابن حبان (509). صحَّحه ابنُ حبان، وحسَّنه الألباني في ((صحيح الجامع)) (2123)، وحسَّن إسنادَه شعيب الأرناؤوط في تخريج ((صحيح ابن حبان)) (509). .
7- عن عبدِ اللهِ بنِ عَمرٍو رضِيَ اللهُ عنهما، عن رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، قال: ((إنَّ في الجَنَّةِ غُرَفًا يُرى ظاهِرُها مِن باطِنِها وباطِنُها مِن ظاهِرِها. فقال أبو مالِكٍ الأشعَريُّ: لمَن يا رَسولَ اللهِ؟ قال: لمَن أطابَ الكَلامَ، وأطعَمَ الطَّعامَ، وباتَ قائِمًا والنَّاسُ نيامٌ)) [833] أخرجه أحمد (6615)، والطبراني في (14/80) (14687)، والحاكم (270) واللفظ له. صحَّحه الحاكم وقال: على شرط الشيخين، والألباني في ((صحيح الترغيب)) (2692)، وحسَّنه لغيره شعيب الأرناؤوط في تخريج ((مسند أحمد)) (6615). .

انظر أيضا: