موسوعة الآداب الشرعية

تاسعًا: هدايةُ الطَّريقِ


مِن آدابِ الطَّريقِ: الدَّلالةُ على الطَّريقِ لـمَن لا يعرِفُه.
الدَّليلُ على ذلك مِنَ السُّنَّةِ:
1- عن أبي هرَيرةَ رَضِيَ اللهُ عنه ((أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم نَهى عنِ المَجالِسِ بالصُّعُداتِ [851] الصُّعُداتُ: أي الطُّرُقُ. يُنظر: ((غريب الحديث)) لأبي عبيد (4/ 86). ، فقالوا: يا رَسولَ اللهِ، لَيَشُقُّ علينا الجُلوسُ في بُيوتِنا! قال: فإن جَلَستُم فأعطُوا المَجالِسَ حَقَّها، قالوا: وما حَقُّها يا رَسولَ اللهِ؟ قال: إدلالُ السَّائِلِ، ورَدُّ السَّلامِ، وغَضُّ الأبصارِ، والأمرُ بالمَعروفِ، والنَّهيُ عنِ المُنكَرِ)) [852] أخرجه البخاري في ((الأدب المفرد)) (1149). صحَّحه الألباني في ((صحيح الأدب المفرد)) (876)، وحسَّنه الوادعي في ((الصحيح المسند مما ليس في الصحيحين)) (1313)، وجود إسناده شعيب الأرناؤوط في تخريج ((شرح السنة)) (12/305). .
وفي رِوايةٍ: ((أنَّ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم نَهى عنِ الأفنيةِ والصُّعُداتِ [853] قال ابنُ حَجَرٍ: (أمَّا الأفنِيَةُ فهيَ جمعُ فِناءٍ -بكَسرِ الفاءِ والمَدِّ- وقد تُقصَرُ، وهو المَكانُ المُتَّسِعُ أمامَ الدُّورِ... والصُّعُداتُ -بضَمَّتَينِ-: جَمعُ صُعُدٍ -بضَمَّتَينِ أيضًا، وقد يُفتَحُ أوَّلُه- وهو جَمعُ صَعيدٍ، كطَريقٍ وطُرُقاتٍ وزنًا ومَعنًى، والمُرادُ به ما يُرادُ مِنَ الفِناءِ، وزَعَمَ ثَعلبٌ أنَّ المُرادَ بالصُّعُداتِ وَجهُ الأرضِ، ويَلتَحِقُ بما ذُكِرَ ما في مَعناه مِنَ الجُلوسِ في الحَوانيتِ وفي الشَّبابيكِ المُشرِفةِ على المارِّ؛ حَيثُ تَكونُ في غَيرِ العُلوِ). ((فتح الباري)) (5/ 113). أن يُجلَسَ فيها، فقال المُسلِمونَ: لا نَستَطيعُه، لا نُطيقُه، قال: إمَّا لا فأعطُوا حَقَّها، قالوا: وما حَقُّها؟ قال: غَضُّ البَصَرِ، وإرشادُ ابنِ السَّبيلِ، وتَشميتُ العاطِسِ إذا حَمِدَ اللَّهَ، ورَدُّ التَّحيَّةِ)) [854] أخرجها أبو داود (4816)، وابن حبان (596) واللفظ له، والحاكم (7688). صحَّحها ابن حبان، والألباني في ((صحيح سنن أبي داود)) (4816)، وصحَّح إسنادَها الحاكم، وقواها على شرط مسلم شعيب الأرناؤوط في تخريج ((صحيح ابن حبان)) (596). .
2- عن أبي هرَيرةَ رَضِيَ اللهُ عنه، عنِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، قال: ((كُلُّ سُلامى عليه صَدَقةٌ كُلَّ يَومٍ؛ يُعينُ الرَّجُلَ في دابَّتِه يحامِلُه عليها [855] يحامِلُه عَليها: أي: يُعاوِنُه على الحَملِ، فيَحمِلانِه بَينَهما. يُنظر: ((أعلام الحديث)) للخطابي (2/ 1392). ، أو يَرفعُ عليها مَتاعَه صَدَقةٌ، والكَلِمةُ الطَّيِّبةُ وكُلُّ خُطوةٍ يمشيها إلى الصَّلاةِ صَدَقةٌ، ودَلُّ الطَّريقِ صَدَقةٌ)) [856] أخرجه البخاري (2891) واللفظ له، ومسلم (1009). .
قال عياضٌ: (قَولُه: «ودَلُّ الطَّريقِ صَدَقةٌ» أي: دَلالةُ وهدايةُ مَن لا يَدريه عليه) [857] ((مشارق الأنوار)) (1/ 257). .
وقال العِراقيُّ: («ودَلُّ الطَّريقِ صَدَقةٌ» هو أن يَدُلَّ مَن لا يَعرِفُ الطَّريقَ عليها) [858] ((طرح التثريب)) (2/ 304). .
3- عن أبي ذَرٍّ رَضِيَ اللهُ عنه، أنَّ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((ليسَ مِن نَفسِ ابنِ آدَمَ إلَّا عليها صَدَقةٌ في كُلِّ يَومٍ طَلعَت فيه الشَّمسُ. قيل: يا رَسولَ اللهِ، ومِن أينَ لنا صَدَقةٌ نَتَصَدَّقُ بها؟ فقال: إنَّ أبوابَ الخَيرِ لكَثيرةٌ: التَّسبيحُ، والتَّحميدُ، والتَّكبيرُ، والتَّهليلُ، والأمرُ بالمَعروفِ، والنَّهيُ عنِ المُنكَرِ، وتُميطُ الأذى عنِ الطَّريقِ، وتُسمِعُ الأصَمَّ، وتَهدي الأعمى، وتَدُلُّ المُستَدِلَّ على حاجَتِه، وتَسعى بشِدَّةِ ساقَيك مَعَ اللَّهفانِ المُستَغيثِ، وتَحمِلُ بشِدَّةِ ذِراعَيك مَعَ الضَّعيفِ؛ فهذا كُلُّه صَدَقةٌ مِنك على نَفسِك)) [859] أخرجه ابن حبان (3377). صحَّحه ابنُ حبان، وصحَّح إسنادَه على شَرطِ مسلم الألباني في ((سلسلة الأحاديث الصحيحة)) (575)، وشعيب الأرناؤوط في تخريج ((صحيح ابن حبان)) (3377). .
وفي رِوايةٍ أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال لأبي ذَرٍّ رَضِيَ اللهُ عنه: ((على كُلِّ نَفسٍ في كُلِّ يَومٍ طَلعَت فيه الشَّمسُ صَدَقةٌ مِنه على نَفسِه. قال أبو ذَرٍّ: يا رَسولَ اللهِ، مِن أينَ أتَصَدَّقُ وليسَ لنا أموالٌ؟ قال: لأنَّ مِن أبوابِ الصَّدَقةِ التَّكبيرَ، وسُبحانَ اللَّهِ، والحَمدُ للَّهِ، ولا إلهَ إلَّا اللَّهُ، وأستَغفِرُ اللَّهَ، وتَأمُرُ بالمَعروفِ، وتَنهى عنِ المُنكَرِ، وتَعزِلُ الشَّوكةَ عن طَريقِ النَّاسِ والعَظمَ والحَجَرَ، وتَهدي الأعمى، وتُسمِعُ الأصَمَّ والأبكَمَ حتَّى يَفقَهَ، وتَدُلُّ المُستَدِلَّ على حاجةٍ له قد عَلِمتَ مَكانَها، وتَسعى بشِدَّةِ ساقَيك إلى اللَّهفانِ المُستَغيثِ، وتَرفعُ بشِدَّة ذِراعَيك مَعَ الضَّعيفِ، كُلُّ ذلك مِن أبوابِ الصَّدَقةِ مِنك على نَفسِك، ولك في جِماعِك زَوجَتَك أجرٌ. قال أبو ذَرٍّ: كَيف يَكونُ لي أجرٌ في شَهوتي؟! فقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: أرَأيتَ لو كان لك ولدٌ فأدرَكَ ورَجَوتَ خَيرَه فماتَ، أكُنتَ تحتَسِبُ به؟ قال: نَعَم. قال: فأنتَ خَلَقتَه؟ قال: بَل اللَّهُ خَلقَه. قال: فأنتَ هَدَيتَه؟ قال: بَل اللَّهُ هداه. قال: فأنتَ تَرزُقُه؟ قال: بَل اللَّهُ كان يَرزُقُه. قال: كذلك فضَعْه في حَلالِه وجَنِّبْه حَرامَه، فإن شاءَ اللهُ أحياه، وإن شاءَ أماتَه، ولك أجرٌ)) [860] أخرجها أحمد (21484) واللفظ له، والنسائي في ((السنن الكبرى)) (8978)، وابن حبان (4192). صحَّحها ابن حبان، والألباني في ((صحيح الجامع)) (4038)، وصحَّح إسنادَها شعيب الأرناؤوط في تخريج ((مسند أحمد)) (21484). .
4- عنِ البَراءِ بنِ عازِبٍ رَضِيَ اللهُ عنهما، قال: سَمِعتُ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يَقولُ: ((مَن مَنَح مَنيحةَ لَبَنٍ أو وَرِقٍ، أو هَدى زُقاقًا، كان له مِثلُ عِتقِ رَقَبةٍ)) [861] أخرجه الترمذي (1957) واللفظ له، وأحمد (18665). صحَّحه العقيلي في ((الضعفاء الكبير)) (4/86)، وابن حبان في ((صحيحه)) (5096)، وابن العربي في ((عارضة الأحوذي)) (4/336)، وقال الترمذيُّ: حَسَنٌ صحيحٌ غَريبٌ. .
وفي رِوايةٍ: ((مَن مَنَح مَنيحةً أو هَدى زُقاقًا -أو قال: طَريقًا- كان له عَدلُ عِتاقِ نَسَمةٍ)) [862] أخرجها البخاري في ((الأدب المفرد)) (890) واللفظ له، وابن حبان (5096). صحَّحها العقيلي في ((الضعفاء الكبير)) (4/86)، وابن حبان، والألباني في ((صحيح الأدب المفرد)) (683). .
وفي أُخرى: ((مَن مَنَح مَنيحةَ وَرِقٍ أو مَنيحةَ لَبَنٍ أو هَدى زُقاقًا، فهو كعِتاقِ نَسَمةٍ، ومَن قال: لا إلهَ إلَّا اللَّهُ وَحدَه لا شَريكَ له، له المُلكُ وله الحَمدُ وهو على كُلِّ شَيءٍ قديرٌ عَشرَ مَرَّاتٍ، فهو كعِتاقِ نَسَمةٍ.
قال: وكان يَأتي ناحيةَ الصَّفِّ يُسَوِّي بَينَ صُدورِهم ومَناكِبِهم، يَقولُ: لا تَختَلِفوا فتَختَلِفَ قُلوبُكُم.
وكان يَقولُ: إنَّ اللَّهَ ومَلائِكَتَه يُصلُّونَ على الصُّفوفِ الأُوَلِ.
وكان يَقولُ: زَيِّنوا القُرآنَ بأصواتِكُم))
[863] أخرجها أحمد (18516)، وابن خزيمة (1556)، والعقيلي في ((الضعفاء الكبير)) (4/86) واللفظ له. صحَّحها ابنُ خزيمة، والعقيلي، والألباني في ((صحيح الترغيب)) (1535)، والوادعي في ((الصحيح المسند مما ليس في الصحيحين)) (133)، وشعيب الأرناؤوط في تخريج ((مسند أحمد)) (18516). وقَوله: مَن قال: ((لا إلهَ إلَّا اللهُ وَحدَه لا شَريكَ له، له المُلكُ وله الحَمدُ وهو على كُلِّ شَيءٍ قديرٌ، عَشرَ مَرَّاتٍ، فهو كعِتاقِ نَسَمةٍ)). أخرجه النسائي في ((السنن الكبرى)) (9876)، وابن حبان (850)، والحاكِم (1845) باختلافٍ يسيرٍ، ولفظُ الحاكِمِ: مَن قال: لا إلهَ إلَّا اللهُ وَحدَه لا شَريكَ له، له المُلكُ، وله الحَمدُ، وهو على كُلِّ شَيءٍ قديرٌ، عَشرَ مِرارٍ؛ فهو كعِتاقِ نَسَمةٍ. صحَّحه ابنُ حبان، والحاكِم على شَرطِ الشَّيخَينِ، والوادِعي في ((الصحيح المسند مما ليس في الصحيحين)) (135). وقَوله: قال: ((وكان يَأتي ناحيةَ الصَّفِّ يُسَوِّي بَينَ صُدورِهم ومَناكِبِهم، يَقولُ: لا تَختَلِفوا فتَختَلِفَ قُلوبُكُم، وكان يَقولُ: إنَّ اللَّهَ ومَلائِكَتَه يُصَلُّونَ على الصُّفوفِ الأُوَلِ)). أخرجه أبو داود (664)، والنسائي (811) باختلافٍ يسيرٍ، ولفظُ أبي داودَ: ((كان رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يَتَخَلَّلُ الصَّفَّ مِن ناحيةٍ إلى ناحيةٍ يَمسَحُ صُدورَنا ومَناكِبَنا، ويَقولُ: لا تَختَلِفوا فتَختَلِفَ قُلوبُكُم، وكان يَقولُ: إنَّ اللَّهَ ومَلائِكَتَه يُصَلُّونَ على الصُّفوفِ الأُوَلِ)). صحَّحه ابنُ خزيمة في ((الصحيح)) (3/73)، والعقيلي في ((الضعفاء الكبير)) (4/86)، وابن حبان في ((صحيحه)) (2157)، والألباني في ((صحيح سنن أبي داود)) (664)، والوادعي في ((الصحيح المسند مما ليس في الصحيحين)) (1/117). وقَولُه: وكان يَقولُ: ((زَيِّنوا القُرآنَ بأصواتِكُم)). أخرجه البخاري معلَّقًا قبل حديث (7544)، وأخرجه موصولًا أبو داود (1468)، والنسائي (1015). صحَّحه ابن خزيمة في ((الصحيح)) (3/72)، والعقيلي في ((الضعفاء الكبير)) (4/86)، وابن حبان في ((صحيحه)) (749)، والألباني في ((صحيح سنن أبي داود)) (1468)، والوادعي في ((الصحيح المسند مما ليس في الصحيحين)) (130). .
قال التِّرمِذيُّ: (مَعنى قَولِه: «مَن مَنَح مَنيحةَ وَرِقٍ» إنَّما يَعني به: قَرضَ الدَّراهِمِ. قَولُه: «أو هَدى زُقاقًا»: يَعني به هدايةَ الطَّريقِ، وهو إرشادُ السَّبيلِ) [864] ((سنن الترمذي)) (4/ 341). وقال الخَطَّابيُّ: (مَنيحةُ الوَرِقِ هيَ القَرضُ، قاله أحمَدُ بنُ حَنبَلٍ. ومَعنى المَنيحةِ إباحةُ المَنفَعةِ مَعَ استيفاءِ الرَّقَبةِ. ومِنه مَنيحةُ الغَنَمِ، وهو أن تَمنَحَه شاةً حَلوبًا يُشرَبُ لبَنُها فإذا لُجِبَت [أي: قَلَّ لبَنُها] رَدَّها إلى صاحِبِها. وقَولُه: «هَدى زُقاقًا» مَعناه تَصدَّقَ بزُقاقٍ مِنَ النَّخلِ فجَعَله هَديًا. والزُّقاقُ: الطَّريقةُ المُستَويةُ المُصطَفَّةُ مِنَ النَّخلِ، وهو السِّكَّةُ أيضًا، إلَّا أنَّ السِّكَّةَ أوسَعُ مِنَ الزُّقاقِ. ويُحتَمَلُ أن يَكونَ مَعنى قَولِه: «هَدى زُقاقًا» مِن هدايةِ الطَّريقِ والدَّلالةِ عليه). ((غريب الحديث)) (1/ 729). .

انظر أيضا: