موسوعة الآداب الشرعية

حادي عشرَ: عَدَمُ لُبسِ المَلابِسِ المُشتَمِلةِ على صُوَرِ ذَواتِ الأرواحِ


يَحرُمُ لُبسُ الثِّيابِ التي عليها تصاويرُ ذَواتِ الأرواحِ [971] وهو مذهَبُ الشَّافعيَّةِ، والحَنابِلةِ، وقولٌ عندَ الحَنَفيَّةِ. يُنظر: ((منهاج الطالبين)) للنووي (ص: 223)، ((الإنصاف)) للمرداوي (1/333)، ((البحر الرائق)) لابنِ نُجَيم (2/29). وهذا القولُ هو اختيارُ ابنِ تيميَّةَ، والشَّوكانيِّ، وابنِ بازٍ، وابنِ عُثَيمين. قال ابنُ تَيميَّةَ: (لا يجوزُ لُبسُ ما فيه صُوَرُ الحيوانِ مِن الدوابِّ والطيرِ وغيرِ ذلك، ولا يلبَسُه الرَّجلُ ولا المرأةُ). ((شرح عمدة الفقه- كتاب الصلاة)) (ص: 387). وقال الشَّوكانيُّ في تعليقِه على حديثِ عائشةَ رَضِيَ اللهُ عنها: ((أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم لم يكُنْ يَترُكُ في بيتِه شيئًا فيه تصاليبُ إلَّا نقَضَه))، قال: (والحديثُ يدلُّ على عَدَمِ جوازِ اتِّخاذِ الثِّيابِ والسُّتورِ والبُسُطِ وغيرِها، التي فيها تصاويرُ). ((نيل الأوطار)) (2/119). وقال ابنُ بازٍ: (لا يجوزُ لُبسُ ما فيه صورةُ حيوانٍ؛ لأنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم لعَن المصَوِّرينَ، وأخبَرَ أنَّهم يُعَذَّبونَ يومَ القيامةِ، ويقالُ لهم: أحيُوا ما خَلَقتُم، وأمَرَ بطَمسِ الصُّوَرِ، ولَمَّا رأى عندَ عائشةَ رَضِيَ اللهُ عنها سِترًا فيه صورةٌ، غضِبَ وهتَكَه). ((مجموع فتاوى ابن باز)) (10/416). وقال: (وأمَّا اتِّخاذُ المُصَوَّرِ فيه صورةُ حيوانٍ، فإن كان مُعَلَّقًا على حائطٍ، أو ثوبًا ملبوسًا، أو عمامةً ونحوَ ذلك ممَّا لا يُعَدُّ مُمتَهَنًا؛ فهو حرامٌ). ((مجموع فتاوى ابن باز)) (4/216). وقال ابنُ عُثَيمين: (لا يجوزُ للإنسانِ أن يلبَسَ ثيابًا فيها صورةُ حيوانٍ أو إنسانٍ، ولا يجوزُ أيضًا أن يَلبَسَ غُترةً أو شِماغًا أو ما أشبَهَ ذلك، وفيه صورةُ إنسانٍ أو حيوانٍ). ((مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)) (2/274). .
الدَّليلُ على ذلك مِن السُّنَّةِ:
1- عن زَيدِ بنِ خالدٍ الجُهَنيِّ رَضِيَ اللهُ عنه، قال: ((إنَّ أبا طلحةَ حَدَّثَه أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: لا تدخُلُ الملائِكةُ بيتًا فيه صورةٌ)) [972] أخرجه البخاري (3226) واللفظ له، ومسلم (2106). .
2- عن عائِشةَ أمِّ المُؤمِنينَ رَضِيَ اللهُ عنها: ((أنَّها اشتَرَت نُمرُقةً [973] النُّمْرُقُ والنُّمْرُقةُ: وِسادةٌ صَغيرةٌ. يُنظر: ((الصحاح)) للجوهري (4/1561)، ((القاموس المحيط)) للفيروزابادي (ص: 926). فيها تصاويرُ، فلمَّا رآها رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قام على البابِ، فلم يَدخُلْه، فعَرَفْتُ في وَجْهِه الكراهيَةَ، فقلتُ: يا رسولَ اللهِ، أتوبُ إلى اللهِ وإلى رَسولِه، ماذا أذنَبْتُ؟! فقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ما بالُ هذه النُّمرُقةِ؟ قلتُ: اشتَرَيتُها لك لتَقعُدَ عليها وتَوَسَّدَها، فقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: إنَّ أصحابَ هذه الصُّوَرِ يُعَذَّبونَ يومَ القيامةِ، ويُقالُ لهم: أحيُوا ما خَلَقْتُم، وقال: إنَّ البيتَ الذي فيه الصُّوَرُ لا تَدخُلُه الملائِكةُ)) [974] أخرجه البخاري (5181) واللفظ له، ومسلم (2107). .
وهذا يَشمَلُ ما كان في ثَوبٍ وغَيرِه.
قال النَّوويُّ: (قال أصحابُنا وغَيرُهم مِنَ العُلماءِ: تَصويرُ صورةِ الحَيَوانِ حَرامٌ شَديدُ التَّحريمِ، وهو مِنَ الكَبائِرِ؛ لأنَّه مُتَوعَّدٌ عليه بهذا الوعيدِ الشَّديدِ المَذكورِ في الأحاديثِ، وسَواءٌ صَنَعه بما يُمتَهَنُ أو بغَيرِه، فصَنعَتُه حَرامٌ بكُلِّ حالٍ؛ لأنَّ فيه مُضاهاةً لخَلقِ اللهِ تعالى، وسَواءٌ ما كان في ثَوبٍ أو بِساطٍ أو دِرهَمٍ أو دينارٍ أو فَلسٍ أو إناءٍ أو حائِطٍ أو غَيرِها، وأمَّا تَصويرُ صورةِ الشَّجَرِ ورِحالِ الإبِلِ وغَيرِ ذلك مِمَّا ليسَ فيه صورةُ حَيَوانٍ، فليسَ بحَرامٍ.
هذا حُكمُ نَفسِ التَّصويرِ، وأمَّا اتِّخاذُ المُصَوَّرِ فيه صورةُ حَيَوانٍ، فإن كان مُعَلَّقًا على حائِطٍ أو ثَوبًا مَلبوسًا أو عِمامةً ونحوَ ذلك مِمَّا لا يُعَدُّ مُمتَهنًا، فهو حَرامٌ، وإن كان في بساطٍ يُداسُ ومِخَدَّةٍ ووِسادةٍ ونَحوِها مِمَّا يُمتَهَنُ، فليسَ بحَرامٍ) [975] ((شرح مسلم)) (14/ 81). .
فائِدةٌ في حُكمِ صُوَرِ ذواتِ الأرواحِ مقطوعةِ الرَّأسِ:
يجوزُ لُبسُ الثِّيابِ التي عليها صُوَرُ ذواتِ الأرواحِ إذا كانت مقطوعةَ الرَّأسِ [976] وذلك باتِّفاقِ المَذاهِبِ الفِقهيَّةِ الأربَعةِ: الحَنَفيَّةِ، والمالِكيَّةِ، والشَّافعيَّةِ، والحَنابِلةِ. يُنظر: ((شرح مختصر الطحاوي)) للجصاص (8/529)، ((حاشية العدوي على كفاية الطالب الرباني)) (2/460)، ((منهاج الطالبين)) للنووي (ص: 223)، ((شرح منتهى الإرادات)) للبهوتي (1/158). .
الدَّليلُ على ذلك مِنَ السُّنَّة:
عن أبي هُريرةَ رَضِيَ اللهُ عنه، قال: ((استأذنَ جِبريلُ عليه السَّلامُ على النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فقال: ادخُلْ، فقال: كيف أدخُلُ وفي بيتِك سِترٌ فيه تصاويرُ، فإمَّا أن تُقطَعَ رُؤوسُها، أو تُجعَلَ بِساطًا يُوطَأُ؛ فإنَّا -مَعشَرَ الملائِكةِ- لا نَدخُلُ بَيتًا فيه تَصاويرُ)) [977] أخرجه النسائي (5365). صحَّحه الألباني في ((صحيح سنن النسائي)) (5365)، وجوَّد إسنادَه ابنُ باز في ((مجموع الفتاوى)) (4/214). .

انظر أيضا: