موسوعة الآداب الشرعية

رابعَ عَشَرَ: تَطهيرُ الثِّيابِ مِنَ الوَسَخِ


مِن أدَبِ اللِّباسِ: تَنظيفُ الثِّيابِ مِنَ الأوساخِ، وتَطهيرُها مِنَ الأنجاسِ
الدَّليلُ على ذلك مِنَ الكِتابِ:
قال تعالى: وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ [المدثر: 4] .
قال ابنُ القَيِّمِ: (لا رَيبَ أنَّ تَطهيرَ الثِّيابِ مِنَ النَّجاساتِ وتَقصيرَها مِن جُملةِ التَّطهيرِ المَأمورِ به؛ إذ به تَمامُ إصلاحِ الأعمالِ والأخلاقِ؛ لأنَّ نَجاسةَ الظَّاهِرِ تورِثُ نَجاسةَ الباطِنِ؛ ولذلك أُمِرَ القائِمُ بَينَ يَدَيِ اللهِ عَزَّ وجَلَّ بإزالتِها والبُعدِ عنها.
والمَقصودُ أنَّ الورَعَ يُطَهِّرُ دَنَسَ القَلبِ ونَجاسَتَه، كَما يُطَهِّرُ الماءُ دَنَسَ الثَّوبِ ونَجاسَتَه.
وبَينَ الثِّيابِ والقُلوبِ مُناسَبةٌ ظاهِرةٌ وباطِنةٌ؛ ولذلك تَدُلُّ ثيابُ المَرءِ في المَنامِ على قَلبِه وحالِه، ويُؤَثِّرُ كُلٌّ مِنهما في الآخَرِ؛ ولهذا نُهيَ عن لِباسِ الحَريرِ والذَّهَبِ، وجُلودِ السِّباعِ [991] لفظُه: عن خالِدٍ، قال: ((وفَدَ المِقدامُ بنُ مَعْدِي كَرِبَ وعَمرُو بنُ الأَسْودِ، ورجُلٌ من بني أَسَدٍ من أهلِ قِنَّسْرِينَ إلى مُعاويةَ بنِ أبي سُفْيانَ... فقال المِقْدامُ: ... يا مُعاويةُ، إنْ أنا صدَقتُ فصَدِّقْني، وإنْ أنا كذَبتُ فكذِّبْني، قال: أفعَلُ، قال: فأنشُدُك باللهِ، هل سمِعتَ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ ينهى عن لُبْسِ الذَّهَبِ؟ قال: نعَمْ. قال: فأنشُدُك باللهِ، هل تعلَمُ أنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ نهى عن لُبْسِ الحريرِ؟ قال: نعَمْ. قال: فأنشُدُك باللهِ، هل تعلَمُ أنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ نهى عن لُبْسِ جُلودِ السِّباعِ والرُّكوبِ عليها؟ قال: نعَمْ...)). أخرجه أبو داود (4131) واللفظ له، وابن عساكر في ((تاريخ دمشق)) (68/93). صحَّحه الألباني في ((صحيح سنن أبي داود)) (4131)، وقوَّى إسنادَه الذهبي في ((سير أعلام النبلاء)) (3/158). ، لِما تُؤَثِّرُ في القَلبِ مِنَ الهَيئةِ المُنافيةِ للعُبوديَّةِ والخُشوعِ. وتَأثيرُ القَلبِ والنَّفسِ في الثِّيابِ أمرٌ خَفيٌّ يَعرِفُه أهلُ البَصائِرِ مِن نَظافتِها ودَنَسِها ورائِحَتِها، وبَهجَتِها وكِسفتِها، حتَّى إنَّ ثَوبَ البَرِّ ليُعرَفُ مِن ثَوبِ الفاجِرِ، وليسا عليهما) [992] ((زاد المعاد)) (1/ 141). وقال أبو حَيَّانَ: (وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ الظَّاهِرُ أنَّه أمرٌ بتَطهيرِ الثِّيابِ مِنَ النَّجاساتِ؛ لأنَّ طَهارةَ الثِّيابِ شَرطٌ في صِحَّةِ الصَّلاةِ، ويَقبُحُ أن تَكونَ ثيابُ المُؤمِنِ نَجِسةً). ((البحر المحيط)) (10/ 325). .
فائِدةٌ:
(الإسلامُ نظيفٌ بُنيَ على النَّظافةِ) [993] ((التيسير)) للمناوي (1/ 178). ، (وتنظيفُ الثَّوبِ والبَدَنِ مَطلوبٌ عقلًا وشرعًا وعُرفًا، ونظافة الظاهر تعين على نظافة الباطن) [994] يُنظر: ((فيض القدير)) للمناوي (2/ 225). ، و(الوَسَخُ في الثِّيابِ ليسَ مِمَّا يُتَقَرَّبُ به إلى اللهِ تعالى) [995] ((المنهاج في شعب الإيمان)) للحليمي (3/ 77). ، وقد قالتِ الحُكَماءُ: (مَن نَظَّف ثَوبَه قَلَّ هَمُّه، ومَن طابَ ريحُه زاد عَقلُه) [996] يُنظر: ((حلية الأولياء)) لأبي نعيم (5/ 184)، ((محاضرات الأدباء)) للراغب (2/ 385)، ((إحياء علوم الدين)) للغزالي (1/ 181)، ((صيد الخاطر)) لابن الجوزي (ص: 105، 193). .

انظر أيضا: