موسوعة الآداب الشرعية

أولًا: قَصُّ الشَّارِبِ


يُسَنُّ قَصُّ الشَّاربِ [1141] ومذهَبُ الجُمهورِ من الحَنَفيَّةِ، والمالِكيَّةِ، والشَّافعيَّةِ: أنَّ قَصَّ الشَّاربِ يكونُ بقصِّ طرَفِ الشَّعرِ المستديرِ على الشَّفةِ؛ حتَّى يبدوَ طرَفُ الشَّفةِ. يُنظر: ((فتح القدير)) لابن الهُمام (3/34)، ((حاشية ابن عابدين)) (2/550)، ((البيان والتحصيل)) لابن رشد (9/373)، ((حاشية العدوي على كفاية الطالب الرباني)) (2/443)، ((المجموع)) للنووي (1/287). وذهب الحنابلةُ إلى التَّخييرِ بين القَصِّ وبينَ الحفِّ، وهو المبالَغةُ في القَصِّ. يُنظر: ((الإنصاف)) للمرداوي (1/96)، ((كشاف القناع)) للبُهُوتي (1/198). أمَّا الحَلقُ فهو خِلافُ السُّنَّةِ. يُنظر: ((المجموع)) للنووي (1/287)، ((الإنصاف)) للمرداوي (1/75)، ((شرح رياض الصالحين)) لابن عُثيمين (5/231). . وحُكِيَ الإجماعُ على ذلك [1142] قال العِراقيُّ: (فيه استحبابُ قصِّ الشَّارِبِ، وهو مُجمَعٌ على استحبابِه، وذهب بعضُ الظَّاهريَّةِ إلى وجوبِه). ((طرح التثريب)) (2/72). قال الشَّوكانيُّ: (قولُه: ((وقصُّ الشَّاربِ)) هو سُنَّةٌ بالاتِّفاقِ). ((نيل الأوطار)) (1/109). وقال ابنُ حَجَرٍ: (ذهب ابنُ العَرَبيِّ إلى القَولِ بوُجوبِ جَميعِ خِصالِ الفِطرةِ، وفي ذلك يقولُ: والذي عندي أنَّ الخِصالَ الخَمسَ المذكورةَ في هذا الحديثِ كلُّها واجبةٌ؛ فإنَّ المرءَ لو ترَكها لم تبقَ صُورَتُه على صورةِ الآدميِّين؛ فكيف مِن جملةِ المُسلِمين؟! كذا قال في شرح الموطَّأ، وتعقَّبه أبو شامةَ بأنَّ الأشياءَ التي مقصودُها مطلوبٌ لتحسينِ الخَلقِ -وهي النَّظافةُ- لا تحتاجُ إلى ورودِ أمرِ إيجابٍ للشَّارِعِ فيها؛ اكتفاءً بدواعي الأنفُسِ، فمجرَّدُ النَّدبِ إليها كافٍ، ونقل ابنُ دقيقِ العيدِ عن بعضِ العُلَماءِ أنَّه قال: دلَّ الخَبَرُ على أنَّ الفِطرةَ بمعنى الدِّينِ، والأصلُ فيما أُضيفَ إلى الشَّيءِ أنَّه منه أن يكونَ مِن أركانِه لا مِن زَوائِدِه، حتى يقومَ دليلٌ على خلافِه، وقد ورد الأمرُ باتِّباعِ إبراهيمَ عليه السَّلامُ، وثبَت أنَّ هذه الخصالَ أُمِرَ بها إبراهيمُ عليه السَّلام، وكلُّ شيءٍ أمَر اللهُ باتِّباعِه فهو على الوجوبِ لِمَن أُمِرَ به، وتُعقِّبَ بأنَّ وجوبَ الاتِّباعِ لا يقتضي وجوبَ كلِّ متبوعٍ فيه، بل يتمُّ الاتِّباعُ بالامتثالِ؛ فإن كان واجبًا على المَتبوعِ كان واجبًا على التَّابعِ، أو ندبًا فنَدبٌ، فيتوقَّفُ ثُبوتُ وُجوبِ هذه الخِصالِ على الأمَّةِ على ثُبوتِ كَونِها كانت واجبةً على الخَليلِ عليه السَّلامُ). ((فتح الباري)) (10/340). .
الدَّليلُ على ذلك مِن السُّنَّةِ:
1- عن أبي هُرَيرةَ رَضِيَ اللهُ عنه، عن النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أنَّه قال: ((الفِطرةُ خَمسٌ: الخِتانُ، والاستِحدادُ [1143] الاستِحدادُ: مُشتَقٌّ مِنَ الحَديدِ، ومَعناه الاحتِلاقُ بالموسى، يُقالُ: استَحَدَّ الرَّجُلُ: إذا احتَلقَ بالحَديدِ، واستَعانَ بمَعناه إذا حَلقَ عانَتَه. يُنظر: ((غريب الحديث)) للقاسم بن سلام (3/ 398، 399)، ((معالم السنن)) للخطابي (2/ 339). ، وقصُّ الشَّاربِ، وتقليمُ الأظفارِ، ونَتْفُ الآباطِ)) [1144] أخرجه البخاري (5891) واللفظ له، ومسلم (257). .
2- عن عائشةَ رَضِيَ اللهُ عنها، قالت: قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((عشرٌ مِن الفِطرةِ: قصُّ الشَّاربِ، وإعفاءُ اللِّحيةِ، والسِّواكُ، واستِنشاقُ الماءِ، وقصُّ الأظفارِ، وغَسلُ البَراجِمِ [1145] غَسلُ البَراجِمِ، أي: تَنظيفُ المَواضِعِ التي تَتَشَنَّجُ ويَجتَمِعُ فيها الوَسَخُ، وأصلُ البَراجِمِ العُقَدُ التي تَكونُ في ظُهورِ الأصابعِ، والرَّواجِبُ ما بَين البَراجِمِ، فبَين كُلِّ بُرجُمَتَينِ راجِبةٌ، وواحِدةُ البَراجِمِ بُرْجُمةٌ. يُنظر: ((معالم السنن)) للخطابي (1/ 31، 32)، ((كشف المشكل)) لابن الجوزي (3/ 105) و(4/ 397). ، ونَتْفُ الإبْطِ، وحلْقُ العانةِ، وانتقاصُ الماءِ [1146] انتِقاصُ الماءِ: يَعني الاستِنجاءَ؛ وذلك أنَّه إذا غُسِل الذَّكَرُ بالماءِ ارتَدَّ البَولُ ولم يَنزِلْ، وإن لم يُغسَلْ نَزَل مِنه الشَّيءُ حتَّى يَستبرئَ. وليسَ مَعنى الحَديثِ أنَّه سَمَّى البَولَ ماءً، ولكِنَّه أرادَ انتِقاصَ البَولِ بالماءِ إذا غُسِل به. يُنظر: ((غريب الحديث)) للقاسم بن سلام (3/ 400)، ((صحيح مسلم)) (261). ). قال زكريَّا: قال مُصعَبٌ: ونَسِيتُ العاشِرةَ إلَّا أن تكونَ المَضمَضةَ [1147] أخرجه مسلم (261). .
3- عن أبي هُرَيرةَ رَضِيَ اللهُ عنه، قال: قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((جُزُّوا الشَّوارِبَ، وأرْخوا اللِّحى؛ خالِفوا المَجوسَ)) [1148] أخرجه مسلم (260). .

انظر أيضا: