موسوعة الآداب الشرعية

ثالثًا: التَّسمِيةُ قَبلَ الأكلِ


تُستَحَبُّ التَّسميةُ قَبلَ الأكلِ [1369] قال النَّوويُّ: (... استِحبابُ التَّسميةِ في ابتِداءِ الطَّعامِ، وهذا مُجمَعٌ عليه... وكذا تُستَحَبُّ التَّسميةُ في أوَّلِ الشَّرابِ، بَل في أوَّلِ كُلِّ أمرٍ ذي بالٍ... قال العُلَماءُ: ويُستَحَبُّ أن يَجهَرَ بالتَّسميةِ ليُسمِعَ غَيرَه ويُنَبِّهَه عليها). ((شرح مسلم)) (13/ 188). وقال أيضًا: (أجمَعَ العُلماءُ على استِحبابِ التَّسميةِ على الطَّعامِ في أوَّلِه... والتَّسميةُ في شُربِ الماءِ واللَّبَنِ والعَسَلِ والمَرَقِ وسائِرِ المَشروباتِ كالتَّسميةِ في الطَّعامِ في جَميعِ ما ذَكَرناه. قال العُلَماءُ مِن أصحابِنا وغَيرِهم: ويُستَحَبُّ أن يَجهَرَ بالتَّسميةِ ليكونَ فيه تَنبيهٌ لغَيرِه على التَّسميةِ وليُقتَدى به في ذلك، واللَّهُ أعلَمُ). ((الأذكار)) (ص: 230). لكِن قال ابنُ حَجَرٍ: (في نَقلِ الإجماعِ على الاستِحبابِ نَظَرٌ، إلَّا إن أُريدَ بالاستِحبابِ أنَّه راجِحُ الفِعلِ، وإلَّا فقد ذَهَبَ جَماعةٌ إلى وُجوبِ ذلك، وهو قَضيَّةُ القَولِ بإيجابِ الأكلِ باليَمينِ؛ لأنَّ صيغةَ الأمرِ بالجَميعِ واحِدةٌ). ((فتح الباري)) (9/ 522). .
الدَّليلُ على ذلك مِنَ السُّنَّةِ:
1- عن عُمَرَ بنِ أبي سَلَمةَ رضيَ اللهُ عنه، قال: كُنتُ غُلامًا في حَجرِ [1370] أي: في تربيتِه وتحتَ نَظَرِه، وأنَّه يربِّيه في حِضنِه تربيةَ الوَلَدِ. يُنظر: ((فتح الباري)) لابن حجر (9/ 521). ويُنظر أيضًا: ((إكمال المعلم)) لعياض (6/ 487). رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وكانت يدي تَطيشُ [1371] تَطيشُ، أي: تَتَحَرَّكُ وتَمتَدُّ إلى نواحي الصَّحفةِ، ولا تَقتَصِرُ على مَوضِعٍ واحِدٍ. يُنظر: ((شرح مسلم)) للنووي (13/ 193). في الصَّحفةِ [1372] الصَّحفةُ دونَ القَصعةِ، وهيَ ما تَسَعُ ما يُشبعُ خَمسةً، فالقَصعةُ تُشبعُ عَشَرةً، وقيل: الصَّحفةُ كالقَصعةِ، وجَمعُها صِحافٌ. يُنظر: ((شرح مسلم)) للنووي (13/ 193). ويُنظر أيضًا: ((الصحاح)) للجوهري (4/ 1384). ، فقال لي رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((يا غُلامُ، سَمِّ اللهَ، وكُلْ بيمينِك، وكُلْ ممَّا يَليك)) [1373] أخرجه البخاري (5376) واللفظ له، ومسلم (2022). .
2- عن عائِشةَ رَضِيَ اللهُ عنها، قالت: قال رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: ((إذا أكَل أحَدُكم طعامًا فلْيَقُلْ: باسمِ اللهِ، فإنْ نَسِيَ في أوَّلِه فليَقُلْ: باسمِ اللهِ في أوَّلِه وآخِرِه)) [1374] أخرجه أبو داود (3767) باختلاف يسير، والترمذي (1858)، وأحمد (25733) واللفظ لهما. صحَّحه ابن حبان في ((صحيحه)) (5214)، وابن القيم في ((زاد المعاد)) (2/362)، والألباني في ((صحيح سنن الترمذي)) (1858)، وصححه لغيره شعيب الأرناؤوط في تخريج ((سنن أبي داود)) (3767)، وقال الترمذي: حسن صحيح.
3- عن عَبد الرَّحمنِ بنِ جُبَيرٍ، أنَّه حَدَّثَه رَجُلٌ خَدَم رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ثَمانِ سِنينَ ((أنَّه سَمِعَ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم إذا قُرِّبَ إليه طَعامُه يَقولُ: باسمِ اللهِ...)) [1375] أخرجه أحمد (16595) واللَّفظُ له، والنسائي في ((السنن الكبرى)) (6871)، وابن السني في ((عمل اليوم والليلة)) (465). حسن إسناده النووي في ((الأذكار)) (299)، والعيني في ((العلم المهيب)) (464). وقد ذهب إلى تصحيحه ابنُ حَجَرٍ كما في ((الفتوحات الربانية)) لابن علان (5/236)، والألباني في ((صحيح الجامع)) (4768)، وصحَّح إسنادَه ابنُ القيم في ((صيغ الحمد)) (1/36)، والعراقي في ((تخريج الإحياء)) (2/454). .
4- عن عائِشةَ رَضِيَ اللهُ عنها، قالت: ((كان النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يَأكُلُ طَعامًا في سِتَّةٍ مِن أصحابه، فجاءَ أعرابيٌّ فأكَله بلُقمَتَينِ، فقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: أمَا إنَّه لو سَمَّى لكَفاكُم)) [1376] أخرجه من طرق: الترمذي بعد حديث (1858) واللفظ له، وابن ماجه (3264)، وأحمد (26089) مطوَّلًا. صحَّحه ابن حبان في ((صحيحه)) (5214)، وابن العربي في ((عارضة الأحوذي)) (4/269)، والألباني في ((صحيح سنن الترمذي)) (1858)، وشعيب الأرناؤوط في تخريج ((صحيح ابن حبان)) (5214)، وقال الترمذي: حسن صحيح. .
5- عن أنَسِ بنِ مالكٍ رَضِيَ اللهُ عنه، قال: ((أمَرَ أبو طَلحةَ أمَّ سُلَيمٍ أن تَصنَعَ للنَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم طَعامًا لنَفسِه خاصَّةً، ثُمَّ أرسَلني إليه...)) وساقَ الحَديثَ، وقال فيه: ((فوضع النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يَدَه وسَمَّى عليه، ثُمَّ قال: ائذَنْ لعَشَرةٍ، فأذِنَ لهم فدَخَلوا، فقال: كُلوا وسَمُّوا اللهَ...) [1377] أخرجه البخاري (3578) بنحوه، ومسلم (2040) واللَّفظُ له. .
وفي حَديثٍ آخَرَ قال أَنسٌ رَضِيَ اللهُ عنه: ((... ثُمَّ جَعَل يَدعو عَشَرةً عَشَرةً يَأكُلونَ مِنه، ويَقولُ لهم: اذكُروا اسمَ اللهِ، وليَأكُلْ كُلُّ رَجُلٍ مِمَّا يَليه...)) الحَديثَ [1378] أخرجه البخاري مُعَلَّقًا بصيغةِ الجَزم (5163) واللَّفظُ له، وأخرجه مَوصولًا مسلم (1428). .
6- عن حُذَيفةَ بنِ اليَمانِ رَضِيَ اللهُ عنهما، قال: ((كُنَّا إذا حَضَرْنا مع النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم طعامًا لم نضَعْ أيديَنا حتَّى يبدَأَ رسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فيَضَعَ يَدَه، وإنَّا حضَرْنا معه مَرَّةً طعامًا، فجاءت جاريةٌ كأنَّها تُدفَعُ، فذَهَبَت لتَضَعَ يَدَها في الطَّعامِ، فأخذَ رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بيَدِها، ثمَّ جاء أعرابيٌّ كأنَّما يُدفَعُ فأخَذَ بيَدِه، فقال رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: إنَّ الشَّيطانَ يَستَحِلُّ [1379] أي: يَجعَلُه حَلالًا؛ لأنَّه مَمنوعٌ مِنه بفِعلِ الشَّرعِ، فإذا تَرَكَ الأكلَ الشَّرعيَّ بعَدَمِ التَّسميةِ جَعَل الشَّيطانُ ذلك ذَريعةً لاستِحلالِ طَعامِه. يُنظر: ((تحفة الذاكرين)) (ص: 225). الطَّعامَ ألَّا يُذكَرَ اسمُ اللهِ عليه، وإنَّه جاءَ بهذه الجارِيةِ ليَستَحِلَّ بها فأخَذْتُ بِيَدِها، فجاءَ بهذا الأعرابيِّ ليَستَحِلَّ به فأخَذْتُ بيَدِه، والذي نَفسي بِيَدِه، إنَّ يَدَه في يَدي معَ يَدِها)) [1380] أخرجه مسلم (2017). .
وزادَ في رِوايةٍ في آخِرِ الحَديثِ: ((ثُمَّ ذَكَرَ اسمَ اللهِ وأكَل)) [1381] أخرجها مسلم (2017). .
7- عن جابِرِ بنِ عَبدِ اللهِ رَضِيَ اللهُ عنهما، أنَّه سَمِعَ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يقولُ: ((إذا دَخَلَ الرَّجُلُ بَيتَه فذَكَرَ اللهَ عندَ دُخولِه وعندَ طَعامِه، قال الشَّيْطانُ: لا مَبيتَ لكم ولا عَشاءَ، وإذا دَخَلَ فلم يَذكُرِ اللهَ عندَ دُخولِه، قال الشَّيْطانُ: أدرَكْتُم المَبيتَ، وإذا لم يَذكُرِ اللهَ عندَ طَعامِه، قال: أدرَكْتُم المَبيتَ والعَشاءَ)) [1382] أخرجه مسلم (2018). .

انظر أيضا: