موسوعة الآداب الشرعية

ثانيًا: تَحَرِّي الحَلالِ مِنَ الطَّعامِ والشَّرابِ


مِن آدابِ الطَّعامِ: تَحَرِّي الحَلالِ، والبُعدِ عنِ الحَرامِ وما فيه شُبهةٌ.
الدَّليلُ على ذلك مِنَ الكِتابِ والسُّنَّةِ والآثار:
أ- مِنَ الكِتابِ:
1- قال تعالى: يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ حَلَالًا طَيِّبًا وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ * إِنَّمَا يَأْمُرُكُمْ بِالسُّوءِ وَالْفَحْشَاءِ وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ [البقرة: 168-169] .
2- قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ * وَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ حَلَالًا طَيِّبًا وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي أَنْتُمْ بِهِ مُؤْمِنُونَ [المائدة: 87-88] .
3- قال تعالى: فَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ حَلَالًا طَيِّبًا وَاشْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ * إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ [النحل: 114-115] .
ب- مِنَ السُّنَّةِ:
1- عن أبي هرَيرةَ رَضِيَ اللهُ عنه، قال: قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((أيُّها النَّاسُ، إنَّ اللَّهَ طَيِّبٌ لا يَقبَلُ إلَّا طَيِّبًا، وإنَّ اللَّهَ أمَر المُؤمِنينَ بما أمَر به المُرسَلينَ، فقال: يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ [المؤمنون: 51] ، وقال: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ [البقرة: 172] ، ثُمَّ ذَكَرَ الرَّجُلَ يُطيلُ السَّفرَ أشعَثَ أغبَرَ، يَمُدُّ يَدَيه إلى السَّماءِ، يا رَبِّ، يا رَبِّ، ومَطعَمُه حَرامٌ، ومَشرَبُه حَرامٌ، ومَلبَسُه حَرامٌ، وغُذِيَ [1351] غُذِيَ بالحَرامِ -بغَينٍ مُعجَمةٍ مَضمومةٍ، وذالٍ مُعجَمةٍ مَكسورةٍ مُخَفَّفةٍ- أي: كان غِذاؤُه الحَرامَ. يُنظر: ((التعيين في شرح الأربعين)) للصرصري (1/ 114). بالحَرامِ، فأنَّى يُستَجابُ لذلك ؟!)) [1352] أخرجه مسلم (1015). .
2- عن جابِرِ بنِ عبدِ اللهِ رَضِيَ اللهُ عنهما: ((أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال لكَعبِ بنِ عُجرةَ:... يا كَعبُ بنَ عُجرةَ، إنَّه لا يَدخُلُ الجَنَّةَ لحمٌ نَبَتَ مِن سُحتٍ، النَّارُ أَولى به)) [1353] أخرجه أحمد (14441) واللفظ له، والدارمي (2818) مختصرًا، وابن حبان (4514) باختلاف يسير. صححه ابن حبان، والذهبي على شرط الشيخين في ((الكبائر)) (223)، وابن حجر في ((الأمالي المطلقة)) (213)، وصححه لغيره الألباني في ((صحيح الترغيب)) (2242). .
وفي رِوايةٍ عن كَعبِ بنِ عُجرةَ رَضِيَ اللهُ عنه، قال: قال لي رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((... يا كَعبُ بنَ عُجرةَ، إنَّه لا يَربو [1354] رَبا الشَّيءُ يَربو: إذا زادَ ونَما. يُنظر: ((جامع الأصول)) لابن الأثير (4/ 76). لحمٌ نَبَتَ مِن سُحتٍ [1355] السُّحتُ: الحَرامُ الخَبيثُ مِنَ المَكسَبِ والمَطعَمِ والمَشرَبِ. يُنظر: ((جامع الأصول)) لابن الأثير (4/ 77). إلَّا كانت النَّارُ أَولى به)) [1356] أخرجها من طرق الترمذي (614) واللفظ له، والنسائي (4207) بنحوه. صححه ابن حبان في ((صحيحه)) (279)، وابن حجر في ((الأمالي المطلقة)) (215)، وأحمد شاكر في ((شرح سنن الترمذي)) (2/513)، والألباني في ((صحيح سنن الترمذي)) (614). .
3- عن أبي هرَيرةَ رَضِيَ اللهُ عنه، عنِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، قال: ((ليَأتيَنَّ على النَّاسِ زَمانٌ لا يُبالي المَرءُ بما أخَذَ المالَ، أمِن حَلالٍ أم مِن حَرامٍ)) [1357] أخرجه البخاري (2083). .
4- عن جابِرِ بنِ عبدِ اللهِ رَضِيَ اللهُ عنهما، قال: قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((أيُّها النَّاسُ، اتَّقوا اللَّهَ وأجمِلوا [1358] أجمِلوا في الطَّلَبِ: أي: أحسِنوا في طَلَبِ الرِّزقِ، أي: اطلُبوه مِنَ الحَلالِ بالطُّرُقِ الجَميلةِ. يُنظر: ((المفاتيح)) للمظهري (5/ 311)، ((التيسير)) للمناوي (1/ 319)، ((فيض القدير)) للمناوي (2/ 450). في الطَّلَبِ، فإنَّ نَفسًا لن تَموتَ حتَّى تَستَوفيَ رِزقَها وإن أبطَأَ عنها، فاتَّقوا اللَّهَ وأجمِلوا في الطَّلَبِ، خُذوا ما حَلَّ، ودَعُوا ما حَرُمَ)) [1359] أخرجه من طرق ابن ماجه (2144) واللفظ له، وابن الجارود في ((المنتقى)) (556)، وابن حبان (3239). صححه ابن حبان، والحاكم على شرط مسلم في ((المستدرك)) (8137)، والألباني في ((صحيح سنن ابن ماجه)) (2144). .
وفي رِوايةٍ: ((أيُّها النَّاسُ، إنَّ أحَدَكُم لن يَموتَ حتَّى يَستَكمِلَ رِزقَه، فلا تَستَبطِئوا الرِّزقَ واتَّقوا اللَّهَ أيُّها النَّاسُ، وأجمِلوا في الطَّلَبِ، خُذوا ما حَلَّ ودَعُوا ما حَرُمَ)) [1360] أخرجها ابن أبي عاصم في ((السنة)) (420)، والحاكم (2167) واللفظ له، والبيهقي في ((الآداب)) (777). صححها الألباني على شرط مسلم في ((سلسلة الأحاديث الصحيحة)) (6/209)، وصحح إسنادها الحاكم .
وفي أُخرى: ((لا تَستَبطِئوا الرِّزقَ؛ فإنَّه لم يَكُنْ عَبدٌ ليَموتَ حتَّى يَبلُغَ آخِرَ رِزقٍ هو له، فأجمِلوا في الطَّلَبِ؛ أخْذِ الحَلالِ، وتَركِ الحَرامِ)) [1361] أخرجها الحاكم (2166) واللفظ له، والبيهقي (10502)، وأبو نعيم في ((حلية الأولياء)) (7/158). صححها على شرط الشيخين الحاكم، والألباني في ((سلسلة الأحاديث الصحيحة)) (2607). .
5- عن النَّعمانِ بنِ بشيرٍ رَضِيَ اللهُ عنهما قال: سَمِعتُ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يقولُ: ((الحلالُ بَيِّنٌ والحرامُ بَيِّنٌ، وبَيْنَهما مُشَبَّهاتٌ لا يعلَمُها كثيرٌ من النَّاسِ، فمن اتَّقى المشَبَّهاتِ استبرأ لدينِه وعرضِه، ومن وقَع في الشُّبُهاتِ كراعٍ يرعى حولَ الِحمى، يوشِكُ أن يواقِعَه، ألا وإنَّ لكُلِّ مَلِكٍ حِمًى، ألا إنَّ حِمى اللهِ في أرضِه محارِمُه، ألا وإنَّ في الجسَدِ مُضغةً إذا صلَحَت صلَحَ الجسَدُ كُلُّه، وإذا فسَدَت فسَد الجَسَدُ كُلُّه، ألا وهي القَلبُ)) [1362] أخرجه البخاري (52) واللفظ له، ومسلم (1599). .
وفي رِوايةٍ: ((الحَلالُ بَيِّنٌ، والحَرامُ بَيِّنٌ، وبَينَهما أُمورٌ مُشتَبِهةٌ، فمَن تَرَكَ ما شُبِّهَ عليه مِنَ الإثمِ كان لِما استَبانَ أترَكَ، ومَنِ اجتَرَأ على ما يَشُكُّ فيه مِنَ الإثمِ أوشَكَ أن يواقِعَ ما استَبانَ، والمَعاصي حِمى اللَّهِ، مَن يَرتَعْ حَولَ الحِمى يوشِكْ أن يواقِعَه)) [1363] أخرجه البخاري (2051). .
6- عن أبي الحَوراءِ السَّعديِّ قال: قُلتُ للحَسَنِ بنِ عَليٍّ: ما حَفِظتَ من رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم؟ قال: حَفِظتُ من رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((دَعْ ما يَريبُك إلى ما لا يَريبُك؛ فإنَّ الصِّدقَ طُمَأنينةٌ، وإنَّ الكَذِبَ ريبةٌ)) [1364] أخرجه الترمذي (2518)، وأحمد (1723) واللفظ لهما، والنسائي (5711) مختصرًا. صححه ابن حبان في ((صحيحه)) (722)، والنووي في ((بستان العارفين)) (32)، وابن الملقن في ((شرح البخاري)) (14/42)، وقال الترمذي: حسن صحيح. .
7- عن أبي ثَعلَبةَ الخُشَنيِّ رَضِيَ اللهُ عنه، قال: ((قُلتُ: يا رَسولَ اللهِ، أخبِرْني بما يَحِلُّ لي ويَحرُمُ عَلَيَّ، قال: فصَعَّدَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وصَوَّب فيَّ النَّظَرَ [1365] أي: نَظَر إلى أعلاي وأسفَلي يتأمَّلُني. يُنظر: ((النهاية)) لابن الأثير (3/ 30). ، فقال: البِرُّ ما سَكَنَت إليه النَّفسُ، واطمَأنَّ إليه القَلبُ، والإثمُ ما لم تَسكُنْ إليه النَّفسُ، ولم يَطمَئِنَّ إليه القَلبُ، وإن أفتاك المُفتونَ. وقال: لا تَقرَبْ لَحمَ الحِمارِ الأهليِّ، ولا ذا نابٍ مِنَ السِّباعِ)) [1366] أخرجه أحمد (17742) واللفظ له، والطبراني (22/219) (585)، وأبو نعيم في ((حلية الأولياء)) (2/30). صححه الألباني في ((صحيح الجامع)) (2881)، والوادعي في ((الصحيح المسند مما ليس في الصحيحين)) (1212)، وصحح إسناده شعيب الأرناؤوط في تخريج ((مسند أحمد)) (17742)، وجوده المنذري في ((الترغيب والترهيب)) (3/23)، وابن رجب في ((جامع العلوم والحكم)) (2/95). .
ج- مِن الآثارِ:
عن عائشةَ رَضِيَ اللهُ عنها قالت: (كان لأبي بَكرٍ غلامٌ يخرِجُ له الخَراجَ، وكان أبو بكرٍ يأكُلُ من خراجِه، فجاء يومًا بشيءٍ، فأكَل منه أبو بكرٍ، فقال له الغلامُ: تدري ما هذا؟ فقال أبو بكرٍ: وما هو؟ قال: كنتُ تكَهَّنْتُ [1367] تَكَهَّنتُ مِنَ الكِهانةِ، وهو إخبارٌ عَمَّا سَيَكونُ مِن غَيرِ دَليلٍ شَرعيٍّ. يُنظر: ((عمدة القاري)) للعيني (16/ 295). لإنسانٍ في الجاهليَّةِ، وما أُحسِنُ الكِهانةَ إلَّا أني خدَعْتُه، فلَقِيَني فأعطاني بذلك، فهذا الذي أكَلْتَ منه! فأدخل أبو بكرٍ يَدَه، فقاء كُلَّ شيءٍ في بطنِه) [1368] أخرجه البخاري (3842). .

انظر أيضا: