موسوعة الآداب الشرعية

سادسًا: الأكلُ باليَمينِ


مِن آدابِ الأكلِ: الأكلُ باليَمينِ، وعَدَمُ الأكلِ بالشِّمالِ مِن غَيرِ عُذرٍ.
الدَّليلُ على ذلك مِنَ السُّنَّةِ:
1- عن عُمَرَ بنِ أبي سَلَمةَ رضي الله عنه، قال: ((كُنْتُ غُلامًا في حَجْرِ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، وكانت يَدي تَطيشُ في الصَّحفةِ، فقال لي رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: يا غُلامُ، سَمِّ اللهَ، وكُلْ بيَمينِك، وكُلْ مِمَّا يَليك)) [1402] أخرجه البُخارِيُّ (5376) واللَّفْظُ له، ومسلم (2022). .
2- عن عَبدِ اللهِ بنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عنهما، أنَّ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ قال: ((إذا أَكَلَ أحَدُكم فلْيَأكُلْ بيَمينِه، وإذا شَرِبَ فلْيَشرَبْ بيَمينِه؛ فإنَّ الشَّيْطانَ يَأكُلُ بشِمالِه، ويَشرَبُ بشِمالِه [1403] قال ابنُ الجَوزيِّ: (لمَّا جُعِلَتِ الشِّمالُ للاستِنجاءِ ومُباشَرةِ الأنجاسِ، واليُمنى لتَناوُلِ الغِذاءِ، لم يَصلُحِ استِعمالُ إحَداهما في شُغلِ الأُخرى؛ لأنَّه حَطٌّ لرُتبةِ ذي الرُّتبةِ، ورَفعٌ للمَحطوطِ. فمَن خالف ما اقتَضَته الحِكمةُ وافقَ الشَّيطانَ. وقد دَلَّ هذا الحَديثُ على أنَّ الشَّيطانَ يَأكُلُ ويَشرَبُ. وفي مُسنَدِ ابنِ مَسعودٍ أنَّ الجِنَّ سَألوا رَسولَ اللهِ الزَّادَ، فقال: «لكُم كُلُّ عَظمٍ ذُكِرَ اسمُ اللهِ عَليه يَقَعُ فيه أيديكُم أوفَرَ ما يَكونُ لحمًا»). ((كشف المشكل)) (2/ 595). ) [1404] أخرجه مسلم (2020). .
وفي روايةٍ: ((لا يَأكُلَنَّ أحَدٌ مِنكم بشِمالِه، ولا يَشرَبَنَّ بها؛ فإنَّ الشَّيطانَ يَأكُلُ بشِمالِه ويَشرَبُ بها)) [1405] أخرجه مسلم (2020). .
3- عن جابِرِ بنِ عَبدِ اللهِ رَضِيَ اللهُ عنهما، عن رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ قال: ((لا تَأكُلوا بالشِّمالِ؛ فإنَّ الشَّيطانَ يَأكُلُ بالشِّمالِ)) [1406] أخرجه مسلم (2019). .
4- عن إياسِ بنِ سَلَمةَ بنِ الأَكوَعِ أنَّ أباه حَدَّثَه ((أنَّ رَجُلًا أكَلَ عندَ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بشِمالِه، فقال: كُلْ بيَمينِك، قال: لا أستَطيعُ، قال: لا استَطَعْتَ! ما مَنَعَه إلَّا الكِبرُ [1407] قال ابنُ الجَوزيِّ: (المَعنى أنَّه كان لا يَحتَفِلُ للطَّعامِ ولا يُبالي، فيَتَناولُه باليُسرى. ويَنبَغي للعاقِل أن يَعرِفَ قَدرَ ما جُعِل قِوامًا له). ((كشف المشكل)) (2/ 311). وقال أبو العَبَّاسِ القُرطُبيُّ: (قَولُه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم للذي قال له: «كُلْ بيَمينِك، فقال: لا أستَطيعُ، فقال: لا استَطَعتَ» دُعاءً مِنه عليه؛ لأنَّه لم يَكُنْ له في تَركِ الأكلِ باليَمينِ عُذرٌ، وإنَّما قَصَد المُخالَفةَ، وكَأنَّه كان مُنافِقًا. واللهُ تعالى أعلمُ؛ ولذلك قال الرَّاوي: «وما مَنَعَه إلَّا الكِبرُ». وقد أجابَ اللهُ تعالى دُعاءَ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم في هذا الرَّجُلِ، حتَّى شَلَّت يَمينُه، فلم يَرفَعْها لفيه بَعدَ ذلك اليَومِ). ((المفهم)) (5/ 297). وسَبَقَه إلى هذا عياضٌ، فقال: (فيه إجابةُ دُعاءِ النَّبيِّ عليه السَّلامُ، وتَعجيلُ مُعاقَبةِ مَن خالف أمرَه في الدُّنيا، وهذا يَدُلُّ على أنَّ الرَّجُلَ كان مُنافِقًا. واللَّهُ أعلمُ؛ لقَولِه: «ما مَنَعَه إلَّا الكِبرُ»). ((إكمال المعلم)) (6/ 487). لكِن رَدَّ النَّوَويُّ القَولَ بنِفاقِ الرَّجُلِ، وقال: (هذا الرَّجُلُ هو بُسرُ بن راعي العيرِ الأشجَعيُّ، كَذا ذَكَرَه ابنُ مَندَه، وأبو نُعَيمٍ الأصبهانيُّ وابنُ ماكولا وآخَرونَ، وهو صَحابيٌّ مَشهورٌ عَدَّه هَؤُلاءِ وغَيرُهم مِنَ الصَّحابةِ رَضِيَ اللهُ عنهم، وأمَّا قَولُ القاضي عياضٍ رَضِيَ اللهُ عنه: إنَّ قَولَه: «ما مَنَعَه إلَّا الكِبرُ» يَدُلُّ على أنَّه كان مُنافِقًا، فليسَ بصحيحٍ؛ فإنَّ مُجَرَّدَ الكِبرِ والمُخالَفةِ لا يَقتَضي النِّفاقَ والكُفرَ، لكِنَّه مَعصيةٌ إن كان الأمرُ أمرَ إيجابٍ، وفي هذا الحَديثِ جَوازُ الدُّعاءِ على مَن خالف الحُكمَ الشَّرعيَّ بلا عُذرٍ، وفيه الأمرُ بالمَعروفِ والنَّهيُ عنِ المُنكَرِ في كُلِّ حالٍ، حتَّى في حالِ الأكلِ، واستِحبابُ تَعليمِ الآكِلِ آدابَ الأكلِ إذا خالفه). ((شرح مسلم)) (13/ 192). ، قال: فما رَفَعَها إلى فيه)) [1408] أخرجه مسلم (1021). .

انظر أيضا: