موسوعة الآداب الشرعية

ثالثَ عشرَ: لَعْقُ الأصابِعِ مِن أثَرِ الطَّعامِ قَبلَ مَسحِها أو غَسلِها


يُستَحَبُّ لعقُ الأصابعِ مِن أثَرِ الطَّعامِ قَبلَ مَسحِها أو غَسلِها.
الدَّليلُ على ذلك مِنَ السُّنَّةِ:
1- عن عَبدِ اللهِ بنِ عبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهما، قال: قال رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: ((إذا أكَلَ أحَدُكم طَعامًا، فلا يَمسَحْ يَدَه حتَّى يَلعَقَها أو يُلعِقَها [1451] قال أبو العَبَّاسِ القُرطُبيُّ: (قَولُه: «يَلعَقُها» ثُلاثيًّا، أي: يَلعَقُها بنَفسِه. والثَّاني رُباعيًّا، أي: يجعَلُ غَيرَه يَلعَقُها. وهذا كُلُّه يَدُلُّ على استِحبابِ لَعقِ الأصابعِ إذا تَعَلَّقَ بها شَيءٌ مِنَ الطَّعامِ، لكِنَّه في آخِرِ الطَّعامِ، كما نصَّ عَليه، لا في أثنائِه؛ لأنَّه يَمَسُّ بأصابعِه بُزاقَه في فيه إذا لعِقَ أصابِعَه، ثُمَّ يُعيدُها، فيَصيرُ كَأنَّه يَبصُقُ في الطَّعامِ، وذلك مُستَقذَرٌ مُستَقبَحٌ). ((المفهم)) (5/ 300، 301). وقال النَّوويُّ: (قَولُه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: «يَلعَقَها أو يُلعِقَها» مَعناه -واللَّهُ أعلمُ- لا يَمسَحْ يَدَه حتَّى يَلعَقَها، فإن لم يَفعَلْ فحتَّى يُلعِقَها غَيرَه مِمَّن لا يَتَقَذَّرُ ذلك، كَزَوجةٍ وجاريةٍ وولدٍ وخادِمٍ يُحِبُّونَه ويلتَذُّون بذلك ولا يتقَذَّرون... وكَذا لو ألعَقَها شاةً ونَحوَها. واللَّهُ أعلمُ). ((شرح مسلم)) (13/ 206). ) [1452] أخرجه البُخارِيُّ (5456)، ومسلم (2031) واللَّفْظُ له. .
2- عن جابِرِ بنِ عَبدِ اللهِ رَضِيَ اللهُ عنهما: ((أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أَمَرَ بلَعْقِ الأصابِعِ والصَّحْفةِ، وقال: إنَّكم لا تَدرونَ في أيِّهِ البَرَكةُ [1453] قال النَّوويُّ: (قَولُه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: «لا تَدرونَ في أيِّهِ البَرَكةُ» مَعناه -واللَّهُ أعلمُ- أنَّ الطَّعامَ الذي يَحضُرُه الإنسانُ فيه بَرَكةٌ، ولا يَدري أنَّ تلك البَرَكةَ فيما أكَله أو فيما بَقيَ على أصابعِه، أو فيما بَقيَ في أسفَلِ القَصعةِ أو في اللُّقمةِ السَّاقِطةِ؛ فيَنبَغي أن يُحافِظَ على هذا كُلِّه لتَحصُلَ البَرَكةُ، وأصلُ البَرَكةِ الزِّيادةُ وثُبوتُ الخَيرِ والإمتاعُ به، والمُرادُ هنا -واللهُ أعلَمُ- ما يَحصُلُ به التَّغذيةُ، وتَسلَمُ عاقِبَتُه مِن أذًى، ويُقَوِّي على طاعةِ اللهِ تعالى وغَيرِ ذلك). ((شرح مسلم)) (13/ 206). ) [1454] أخرجه مسلم (2033). .
وفي رِوايةٍ عن جابِرٍ رَضِيَ اللهُ عنه، قال: قال رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: ((إذا وقَعَت لُقمةُ أحَدِكُم فليَأخُذْها، فليُمِطْ ما كان بها مِن أذًى وليَأكُلْها، ولا يَدعْها للشَّيطانِ، ولا يَمسَحْ يَدَه بالمِنديلِ حتَّى يَلعَقَ أصابعَه؛ فإنَّه لا يَدري في أيِّ طَعامِه البَرَكةُ)) [1455] أخرجه مسلم (2033). .
3- عن كَعبِ بنِ مالِكٍ رَضِيَ اللهُ عنه، قال: ((رَأيتُ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يَلعَقُ أصابِعَه الثَّلاثَ مِن الطَّعامِ)) [1456] أخرجه مسلم (2032). .
وفي رِوايةٍ: ((كانَ رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يَأكُلُ بثَلاثِ أصابِعَ، ويَلعَقُ يَدَه قَبْلَ أن يَمسَحَها)) [1457] أخرجه مسلم (2032). .
4- عن أبي هُرَيرةَ، عن النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، قال: ((إذا أكَلَ أحَدُكُمْ فَلْيَلْعَقْ أصابِعَه؛ فإنَّه لا يَدْرِي في أيَّتِهِنَّ البَرَكَةُ)). وفي روايةٍ: بهذا الإسنادِ. غيرَ أنَّه قال: ((ولْيَسْلُتْ أحَدُكُمُ الصَّحْفَةَ، وقال: في أيِّ طَعامِكُمُ البَرَكَةُ، أوْ يُبارَكُ لكم)) [1458] أخرجه مسلم (2035). .
قال الخَطَّابيُّ: (سَلتُ الصَّحفةِ: تَتبُّعُ ما يَبقى فيها مِنَ الطَّعامِ ومَسحُها بالإصبَعِ ونَحوِه، ويُقالُ: سَلتَ الرَّجُلُ الدَّمَ عن وَجهِه: إذا مَسَحَه بإصبَعِه.
وقد بَيَّنَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم العِلَّةَ في لَعقِ الأصابِعِ وسَلتِ الصَّحيفةِ، وهو قَولُه: «فإنَّه لا يَدري في أيِّ طَعامِه يُبارَكُ له»، يَقولُ: لعَلَّ البَرَكةَ فيما لُعِقَ بالأصابعِ والصَّحفةِ مِن لَطخِ ذلك الطَّعامِ.
وقد عابَه قَومٌ أفسَدَ عُقولَهمُ التَّرَفُّهُ، وغَيَّرَ طِباعَهمُ الشِّبَعُ والتُّخَمةُ، وزَعَموا أنَّ لَعقَ الأصابعِ مُستَقبَحٌ أو مُستَقذَرٌ، كَأنَّهم لم يَعلَموا أنَّ الذي عَلِقَ بالإصبَعِ أوِ الصَّحفةِ جُزءٌ مِن أجزاءِ الطَّعامِ الذي أكَلوه وازدَرَدوه، فإذا لم يَكُنْ سائِرُ أجزائِه المَأكولةِ مُستَقذَرةً لم يَكُنْ هذا الجُزءُ اليَسيرُ مِنه الباقي في الصَّحفةِ واللَّاصِقُ بالأصابعِ مُستَقذَرًا كذلك. وإذا ثَبَتَ هذا فليسَ بَعدَه شَيءٌ أكثَرُ مِن مَسِّه أصابِعَه بباطِنِ شَفَتَيه، وهو ما لا يَعلَمُ عاقِلٌ به بَأسًا إذا كان الماسُّ والمَمسوسُ جَميعًا طاهرَينِ نَظيفينِ. وقد يَتَمَضمَضُ الإنسانُ فيُدخِلُ إصبَعَه في فيه فيَدلُكُ أسنانَه وباطِنَ فَمِه، فلم يَرَ أحَدٌ مِمَّن يَعقِلُ أنَّه قَذارةٌ أو سوءُ أدبٍ؛ فكذلك هذا، لا فرقَ بَينَهما في مَنظَرِ حِسٍّ ولا مَخبَرِ عَقلٍ) [1459] ((معالم السنن)) (4/ 260). .

انظر أيضا: