موسوعة الآداب الشرعية

خامسَ عشرَ: عَدَمُ عَيبِ الطَّعامِ


يُكرَهُ عَيبُ الطَّعامِ.
الدَّليلُ على ذلك مِنَ السُّنَّةِ:
عن أبي هُرَيرةَ رَضِيَ اللهُ عنه، قال: ((ما عابَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ طَعامًا قَطُّ؛ إن اشتَهاه أكَلَه، وإن كَرِهَه تَرَكَه)) [1465] أخرجه البُخارِيُّ (5409) واللَّفْظُ له، ومسلم (2064). .
وفي رِوايةٍ: ((ما رَأيتُ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم عابَ طَعامًا قَطُّ، كان إذا اشتَهاه أكَلَه، وإن لم يَشتَهِه سَكَت)) [1466] أخرجها مسلم (2064). .
قال النَّوويُّ: (ما عابَ رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم طَعامًا قَطُّ؛ كان إذا اشتَهى شَيئًا أكَله، وإن كَرِهَه تَرَكَه. هذا مِن آدابِ الطَّعامِ المُتَأكِّدةِ) [1467] ((شرح مسلم)) (14/ 26). .
فائِدةٌ:
يَجوزُ أن يَقولَ: لا أشتَهي هذا الطَّعامَ، أو ما اعتَدتُ أكلَه، ونَحوَ ذلك، إذا دَعَت إليه حاجةٌ [1468] يُنظر: ((الأذكار)) للنووي (ص: 232). .
فعن أبي أمامة بن سَهل بن حَنيف الأنصاري، أنَّ ابن عبَّاسٍ أخبَرَه أنَّ خالد بن الوليد، الذي يُقالُ له: سَيف اللهِ، أخبَرَه ((أنَّه دَخَل مَعَ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم على مَيمونةَ رَضِيَ اللهُ عنها -وهيَ خالتُه وخالةُ ابنِ عبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهم- فوَجَدَ عِندَها ضَبًّا مَحنوذًا [1469] المَحنوذُ: المَشويُّ. ((جامع الأصول)) لابن الأثير (7/ 420). ، قد قدِمَت به أُختُها حُفيدةُ بنتُ الحارِثِ رَضِيَ اللهُ عنها مِن نَجدٍ، فقدَّمَتِ الضَّبَّ لرَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، وكان قَلَّما يُقدِّمُ يَدَه لطَعامٍ حتَّى يُحَدَّثَ به ويُسَمَّى له، فأهوى رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يَدَه إلى الضَّبِّ، فقالت امرَأةٌ مِن النِّسوةِ الحُضورِ: أخبِرْنَ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ما قدَّمتُنَّ له، قُلنَ: هو الضَّبُّ، فرَفعَ رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يَدَه عن الضَّبِّ! فقال خالِدُ بنُ الوليدِ رَضِيَ اللهُ عنه: أحرامٌ الضَّبُّ يا رَسولَ اللهِ؟! قال: "لا، ولكِنْ لم يَكُنْ بأرضِ قَومي فأجِدُني أعافُه [1470] قال ابنُ هُبَيرةَ: (أعافُه: أكرَهُه. وفيه دَليلٌ على جَوازِ أكلِ الضَّبِّ، ودَليلٌ على أنَّ تَركَ ما تَعافُه النَّفسُ مَندوبٌ إليه ولا يُنسَبُ ذلك إلى التَّرَفُّهِ. وفيه استِحبابُ ألَّا يَسبِقُ الإنسانُ إلى أكلِ شَيءٍ حتَّى يَعرِفَه ويُسَمَّى له). ((الإفصاح عن معاني الصحاح)) (3/ 69). . قال خالِدٌ: فاجتَرَرتُه فأكَلتُه، ورَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يَنظُرُ إليَّ)) [1471] أخرجه البخاري (5391) واللَّفظُ له، ومسلم (1946). .
وفي رِوايةٍ عن ابنِ عبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهما، قال: ((إنَّ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بَينَما هو عِندَ مَيمونةَ، وعِندَه الفَضلُ بنُ عبَّاسٍ، وخالِدُ بنُ الوليدِ، وامرَأةٌ أُخرى، إذ قُرِّبَ إليهم خِوانٌ [1472] الخِوانُ: ما يُجعَلُ عليه الطَّعامُ، يُقالُ بكَسرِ الخاءِ وضَمِّها، وجَمعُه: أخوِنةٌ وخُونٌ. ويُسَمَّى بذلك إذا لم يَكُنْ عليه طَعامٌ، وإذا وُضِعَ عليه الطَّعام يُسَمَّى مائِدةً. يُنظر: ((مطالع الأنوار)) لابن قرقول (2/ 482)، ((المفهم)) لأبي العباس القرطبي (5/ 233). عليه لحمٌ، فلمَّا أرادَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أن يَأكُلَ قالت له مَيمونةُ: إنَّه لحمُ ضَبٍّ، فكَفَّ يَدَه، وقال: هذا لحمٌ لم آكُلْه قَطُّ، وقال لهم: كُلوا، فأكَل مِنه الفَضلُ، وخالِدُ بنُ الوليدِ، والمَرأةُ، وقالت مَيمونةُ: لا آكُلُ مِن شَيءٍ إلَّا شَيءٌ يَأكُلُ مِنه رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم)) [1473] أخرجها مسلم (1948). .
قال النَّوويُّ: (عَيبُ الطَّعامِ كقَولِه: مالِحٌ، قَليلُ المِلحِ، حامِضٌ، رَقيقٌ، غَليظٌ، غَيرُ ناضِجٍ، ونَحوُ ذلك. وأمَّا حَديثُ تَركِ أكلِ الضَّبِّ فليسَ هو مِن عَيبِ الطَّعامِ، إنَّما هو إخبارٌ بأنَّ هذا الطَّعامَ الخاصَّ لا أشتَهيه) [1474] ((شرح مسلم)) (14/ 26). .

انظر أيضا: