موسوعة الآداب الشرعية

رابعًا: الحَمدُ بَعدَ الشُّربِ


يُستَحَبُّ حَمدُ اللهِ تعالى بَعدَ الفَراغِ مِنَ الشُّربِ.
الدَّليلُ على ذلك مِنَ السُّنَّةِ:
1- عن أنَسِ بنِ مالكٍ رَضِيَ اللهُ عنه، قال: قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((إنَّ اللَّهَ لَيَرضى عنِ العَبدِ أن يَأكُلَ الأَكلةَ [1680] الأَكلةُ هنا هيَ المَرَّةُ الواحِدةُ مِنَ الأكلِ، كالغَداءِ والعَشاءِ. يُنظر: ((شرح مسلم)) للنووي (17/ 51). فيَحمَدَه عليها، أو يَشرَبَ الشَّربةَ فيَحمَدَه عليها)) [1681] أخرجه مسلم (2734). .
قال النَّوويُّ: (فيه استِحبابُ حَمدِ اللهِ تعالى عَقِبَ الأكلِ والشُّربِ، وقد جاءَ في البخاريِّ صِفةُ التَّحميدِ: «الحَمدُ للهِ حَمدًا كَثيرًا طَيِّبًا مُبارَكًا فيه، غَيرَ مَكفيٍّ ولا مودَّعٍ ولا مُستَغنًى عنه رَبَّنا»، وجاءَ غَيرُ ذلك، ولوِ اقتَصَرَ على "الحَمدُ للهِ" حَصَّل أصلَ السُّنَّةِ) [1682] ((شرح مسلم)) (17/ 51). .
2- عن أبي أيُّوبَ الأنصاريِّ رَضِيَ اللهُ عنه، قال: ((كان رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم إذا أكَل أو شَرِبَ قال: الحَمدُ للهِ الذي أطعَمَ وسَقى وسَوَّغَه [1683] سَوَّغَه: أي: سَهَّل دُخولَ اللُّقمةِ والشَّربةِ في الحَلقِ، فإنَّه خَلَقَ في الفَمِ الأسنانَ ليَمضُغَ بها الطَّعامَ، وخَلق ماءَ الفَمِ ليُلينَ به اللُّقمةَ، وخَلق فيه اللِّسانَ ليَدورَ فوقَ الطَّعامِ ليَسهُلَ مَضغُه، وجَعَل في الفمِ الذَّوقَ لتَكمُلَ النِّعَمُ، ووسَّع الحَلقَ بحَيثُ يَسهُلُ فيه دُخولُ الطَّعامِ والشَّرابِ. يُنظر: ((المفاتيح)) للمظهري (4/ 513). وجَعَل له مَخرَجًا)) [1684] أخرجه أبو داود (3851) واللَّفظُ له، والنسائي في ((السُّنَن الكُبرى)) (6867)، وابن حبان (5220). صححه ابن حبان، وابن حجر كما في ((الفتوحات الربانية)) لابن علان (5/229)، والألباني في ((صحيح سنن أبي داود)) (3851)، والوادعي على شرط البخاري في ((الصحيح المسند مما ليس في الصحيحين)) (318). .
3- عن عَبد الرَّحمنِ بنِ جُبَيرٍ، أنَّه حَدَّثَه رَجُلٌ خَدَم رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ثَمانِ سِنينَ ((أنَّه سَمِعَ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم إذا قُرِّبَ إليه طَعامُه يَقولُ: باسمِ اللهِ، وإذا فرَغَ مِن طَعامِه قال: اللَّهُمَّ أطعَمتَ وأسقَيتَ، وأغنَيتَ وأقنَيتَ [1685] أقَنَيتَ: جَعَلتَ للعَبدِ قُنيةً يَقتَنيها مِن مَتاعِ الدُّنيا. يُنظر: ((التنوير)) للصنعاني (8/ 439). ، وهَدَيتَ وأحيَيتَ؛ فلك الحَمدُ على ما أعطَيتَ)) [1686] أخرجه أحمد (16595) واللَّفظُ له، والنسائي في ((السنن الكبرى)) (6871)، وابن السني في ((عمل اليوم والليلة)) (465). حسن إسناده النووي في ((الأذكار)) (299)، والعيني في ((العلم المهيب)) (464). وقد ذهب إلى تصحيحه ابنُ حَجَرٍ كما في ((الفتوحات الربانية)) لابن علان (5/236)، والألباني في ((صحيح الجامع)) (4768)، وصحَّح إسنادَه ابنُ القيم في ((صيغ الحمد)) (1/36)، والعراقي في ((تخريج الإحياء)) (2/454). .
4- عن أبي هرَيرةَ رَضِيَ اللهُ عنه، قال: ((دَعا رَجُلٌ مِنَ الأنصارِ مِن أهلِ قُباءٍ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فانطَلقنا مَعَه، فلمَّا طَعِمَ وغَسَل يَدَه أو يَدَيه قال: الحَمدُ للهِ الذي يُطعِمُ ولا يُطعَمُ، مَنَّ علينا فهَدانا، وأطعَمَنا وسَقانا، وكُلَّ بَلاءٍ حَسَنٍ أبلانا [1687] أبلَانا: أي: أنعَمَ به علينا. والابتِلاءُ يُطلقُ على الخَيرِ والشَّرِّ، والمُرادُ هنا النِّعمةُ، وأصلُه الاختِبارُ، قال تعالى: وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً [الأنبياء: 35] ، وأكثَرُ ما يَأتي مُطلقًا في الشَّرِّ، فإذا جاءَ في الخَيرِ جاءَ مُقَيَّدًا كما هنا. يُنظر: ((أدب الكاتب)) لابن قتيبة (ص: 337)، ((كتاب الأفعال)) لابن القطاع (1/ 103)، ((إكمال المعلم)) لعياض (8/ 283). ، الحَمدُ للهِ غَيرَ مُوَدَّعٍ ولا مُكافَأٍ ولا مَكفورٍ ولا مُستَغنًى عنه، الحَمدُ للهِ الذي أطعَم مِنَ الطَّعامِ، وسَقى مِنَ الشَّرابِ، وكَسا مِنَ العُرْيِ، وهَدى مِنَ الضَّلالةِ، وبَصَّرَ مِنَ العَمى، وفضَّل على كَثيرٍ مِن خَلقِه تَفضيلًا، الحَمدُ للهِ رَبِّ العالَمينَ)) [1688] أخرجه النسائي في ((السنن الكبرى)) (10060) واللفظ له، وابن حبان (5219)، والحاكم (2029). حسنه على شرط مسلم الوادعي في ((الصحيح المسند مما ليس في الصحيحين)) (1310)، وصحح إسناده على شرط مسلم شعيب الأرناؤوط في تخريج ((صحيح ابن حبان)) (5219). وقد ذهب إلى تصحيحه ابنُ حبان، والحاكم على شرط مسلم، وأحمد شاكر في ((عمدة التفسير)) (1/765). .

انظر أيضا: