موسوعة الآداب الشرعية

خامسًا: الشُّربُ بثَلاثةِ أنفاسٍ


مِن آدابِ الشُّربِ: الشُّربُ بثَلاثةِ أنفاسٍ.
الدَّليلُ على ذلك مِن السُّنَّةِ:
1- عن أنَسِ بنِ مالِكٍ رَضِيَ اللهُ عنه: ((أنَّ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ كان يَتَنَفَّسُ في الإناءِ [1689] قال البَغَويُّ: (المُرادُ مِنَ الحَديثِ: أن يَشرَبَ ثَلاثًا، كُلَّ ذلك يُبِينُ الإناءَ عن فيه، فيَتَنَفَّسُ، ثُمَّ يَعودُ، والخَبَرُ الذي رُوِّينا أنَّه نَهى عنِ التَّنَفُّسِ في الإناءِ مِن غَيرِ أن يُبينَه مِن فيه). ((شرح السنة)) (11/ 374). فالمُستَحَبُّ هو التَّنَفُّسُ ثَلاثًا خارِجَ الإناءِ، والمَكروهُ هو التَّنَفُّسُ في نَفسِ الإناءِ. يُنظر: ((شرح مسلم)) للنووي (13/ 198، 199). ثَلاثًا)) [1690] أخرجه البُخارِيُّ (5631)، ومسلم (2028) واللَّفْظُ له. .
وفي رِوايةٍ: ((كان رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يَتَنَفَّسُ في الشَّرابِ ثَلاثًا، ويَقولُ: إنَّه أروَى وأبرَأُ وأمرَأُ)). قال أنَسٌ: فأنا أتَنَفَّسُ في الشَّرابِ ثَلاثًا [1691] أخرجها مسلم (2028). .
قال عياضٌ: (مَعنى: «أرَوى» مِنَ الرِّيِّ، أي: أكثَرُ رِيًّا. «وأبرَأُ وأمرَأُ» بمَعنى: أحسَنِ شُربًا وأهناه وأقَلِّه ضَرَرًا؛ قال اللهُ تعالى: هَنِيئًا مَرِيئًا [النساء: 4] ، أي: سائِغًا غَيرَ مُنغَّضٍ.
ومَعنى قَولِه هنا في الحَديثِ: «في الإناءِ» يُفسِّرُه قَولُه في الحَديثِ الآخَرِ: «في الشَّرابِ» يَعني: أن يَتَنَفَّسَ حينَ شُربِه ويقطعَه، لا أنَّه يَتَنَفَّسُ داخِلَ الإناءِ. وقيل: «في الإناءِ» هنا بمعنى: عنِ الإناءِ، بمَعنى قَولِه: «أبِنِ القَدحَ عن فيك» [1692] لفظُه: عن أبي المُثَنَّى، يَقولُ: سَمِعتُ مَروانَ يَسألُ أبا سَعيدٍ الخُدريَّ: أسَمِعتَ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يَنهى عنِ النَّفخِ في الشَّرابِ؟ فقال: نَعَم. قال: فقال رَجُلٌ: فإنِّي لا أروى يا رَسولَ اللهِ مِن نَفَسٍ واحِدٍ! قال: فأبِنِ القَدَحَ عن فيكَ، ثُمَّ تَنَفَّسْ، قال: إنِّي أرى القَذى فيه؟ قال: فأهرِقْه. أخرجه الترمذي (1887)، وأحمد (11541) واللَّفظُ له. صحَّحه ابن حبان في ((صحيحه)) (5327)، وابن العربي في ((عارضة الأحوذي)) (4/296)، وابن القيم في ((أعلام الموقعين)) (4/317)، وابن الملقن في ((شرح البخاري)) (27/227)، وقال الترمذي: حسن صحيح. .
وقد جاءَتِ الأحاديثُ الصَّحيحةُ في النَّهيِ عن التَّنَفُّسِ فيه) [1693] ((إكمال المعلم)) (6/ 494، 495). .
2- عن أبي قتادةَ رَضِيَ اللهُ عنه، قال: قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((إذا بال أحَدُكُم فلا يَمَسَّ ذَكَرَه بيَمينِه، وإذا أتى الخَلاءَ فلا يَتَمَسَّحْ بيَمينِه، وإذا شَرِبَ فلا يَشرَبْ نَفَسًا واحِدًا)) [1694] أخرجه أبو داود (31). صحَّحه الألبانيُّ في ((صحيح سنن أبي داود)) (31)، وصحَّح إسناده شعيب الأرناؤوط في تخريج ((سنن أبي داود)) (31). .
قال الخَطَّابيُّ: (... أمَّا نَهيُه عنِ الشُّربِ نَفَسًا واحِدًا فنَهيُ تَأديبٍ؛ وذلك أنَّه إذا جَرَعَه جَرعًا واستَوفى رِيَّه نَفَسًا واحِدًا، تكابَسَ الماءُ في مَوارِدِ حَلقِه وأثقَلَ مَعِدَتَه... وهو إذا قَطعَ شُربَه في أنفاسٍ ثَلاثةٍ كان أنفَعَ لرِيِّه، وأخَفَّ لمَعِدَتِه، وأحسَنَ في الأدَبِ، وأبعَدَ مِن فِعلِ ذَوي الشَّرَهِ) [1695] ((معالم السنن)) (1/ 24). وقال أبو العَبَّاس القُرطُبيُّ: («إنَّه أرَوى وأبرَأُ وأمرَأُ» هذه الثَّلاثةُ الأُمورِ إنَّما تَحصُلُ بأن يَشرَبَ في ثَلاثةِ أنفاسٍ خارِجَ القَدَحِ، فأمَّا إذا تَنَفَّسَ في الماءِ وهو يَشرَبُ فلا يَأمَنُ الشَّرَقَ، ويَحصُلُ تَقذيرُ الماءِ، وقد لا يَروى إذا سَقَطَ مِن بُزاقِه شَيءٌ، أو خالطَه مِن رائِحةِ نَفَسِه إن كانت هنالكَ رائِحةٌ كَريهةٌ). ((المفهم)) (5/ 289). .

انظر أيضا: