موسوعة الآداب الشرعية

سادسًا: عَدَمُ التَّنفُّسِ في الإناءِ والنَّفخِ فيه


مِن آدابِ الشُّربِ: عَدَمُ التَّنفُّسِ في الإناءِ والنَّفخِ فيه.
الدَّليلُ على ذلك مِن السُّنَّةِ:
1- عن أبي هُرَيرةَ رَضِيَ اللهُ عنه، قال: قال رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: ((إذا شَرِبَ أحَدُكم فلا يَتَنَفَّسْ في الإناءِ، فإذا أرادَ أن يَعودَ فليُنَحِّ الإناءَ، ثُمَّ لِيَعُدْ إن كانَ يُريدُ)) [1696] أخرجه من طرقٍ: ابن ماجه (3427) واللفظ له، وأبو يعلى (6677)، والحاكم (7411) بنحوه. حسنه الألباني في ((صحيح الجامع)) (624)، وصحَّح إسناده الحاكم، والبوصيري في ((مصباح الزجاجة)) (4/47). .
2- عن أبي قَتادةَ رَضِيَ اللهُ عنه، قال: قال رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: ((إذا شَرِبَ أحَدُكم فلا يَتَنَفَّسْ في الإناءِ، وإذا أتى الخَلاءَ فلا يَمَسَّ ذَكَرَه بيَمينِه، ولا يَتَمَسَّحْ بيَمينِه)) [1697] أخرجه البخاري (153) واللفظ له، ومسلم (267). .
3- عن ابنِ عبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهما ((أنَّ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم نَهى أن يَشرَبَ الرَّجُلُ مِن في السِّقاءِ، وأن يَتَنَفَّسَ في الإناءِ)) [1698] أخرجه ابنُ حبان (5316) واللفظ له، والطبراني (11/349) (11978)، والحاكم (7206). صحَّحه ابنُ حبان، والحاكم على شرط البخاري، والألباني في ((صحيح الترغيب)) (2117)، وصحح إسناده على شرط الصحيح شعيب الأرناؤوط في تخريج ((صحيح ابن حبان)) (5316). والحديث أخرجه البخاري (5629) مُختَصَرًا بلفظ: ((نَهى النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم عنِ الشُّربِ مِن في السِّقاءِ)). .
وفي رِوايةٍ: ((نَهى رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أن يُنفَخَ في الإناءِ)) [1699] أخرجه أبو داود (3728)، والترمذي (1888) مُطوَّلًا، وابنُ ماجه (3429) واللَّفظُ له. صحَّحه الألبانيُّ في ((صحيح سنن ابن ماجه)) (3429)، والوادعي على شَرطِ البخاري في ((الصحيح المسند مما ليس في الصحيحين)) (586)، وقال الترمذي: حسن صحيح، وصحَّح إسنادَه أحمد شاكر في تخريج ((مسند أحمد)) (3/277)، وشعيب الأرناؤوط في تخريج ((سنن أبي داود)) (3728)، وجوَّده ابن باز في ((حاشية بلوغ المرام)) (604) وذَكَرَ أنَّه ورَدَ بسَنَدٍ قَويٍّ. .
4- عن أبي سَعيدٍ الخُدريِّ رَضِيَ اللهُ عنه ((أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم نَهى عنِ النَّفخِ في الشُّربِ. فقال رَجُلٌ: القَذاةُ أراها في الإناءِ؟ قال: أهرِقْها. قال: فإنِّي لا أروَى مِن نَفَسٍ واحِدٍ؟ قال: فأبِنِ القَدحَ إذَنْ عن فيك)) [1700] أخرجه الترمذي (1887) واللَّفظُ له، وأحمد (11541). صحَّحه ابن حبان في ((صحيحه)) (5327)، وابن العربي في ((عارضة الأحوذي)) (4/296)، وابن القيم في ((أعلام الموقعين)) (4/317)، وابن الملقن في ((شرح البخاري)) (27/227)، وقال الترمذي: حسن صحيح .
وفي رِوايةٍ: ((نَهى رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم عنِ الشُّربِ مِن ثُلمةِ [1701] الثُّلمةُ: المَوضِعُ المُنكَسِرُ مِن طَرَفِ الإناءِ. ((المفاتيح)) للمظهري (4/ 536). القَدحِ، وأن يُنفَخَ في الشَّرابِ)) [1702] أخرجها أبو داود (3722)، وأحمد (11760). صحَّحها لغَيرِها شعيب الأرناؤوط في تخريج ((سنن أبي داود)) (3722). وقد ذهب إلى تصحيحها ابنُ حبان في ((صحيحه)) (5315)، والألباني في ((صحيح سنن أبي داود)) (3722). .
قال ابنُ القَيِّمِ: (أمَّا النَّفخُ في الشَّرابِ فإنَّه يَكسِبُه مِن فَمِ النَّافِخِ رائِحةً كَريهةً يعافُ لأجلِها، ولا سيَّما إن كان مُتَغَيِّرَ الفَمِ. وبالجُملةِ، فأنفاسُ النَّافِخِ تُخالِطُه؛ ولهذا جَمَع رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بَينَ النَّهيِ عنِ التَّنَفُّسِ في الإناءِ والنَّفخِ فيه في الحَديثِ الذي رَواه التِّرمِذيُّ وصَحَّحه، عن ابنِ عبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنه، قال: «نَهى رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أن يُتَنَفَّسَ في الإناءِ، أو يُنفَخَ فيه» [1703] أخرجه أبو داود (3728) واللَّفظُ له، والترمذي (1888)، وابنُ ماجه (3429). صحَّحه الألبانيُّ في ((صحيح سنن ابن ماجه)) (3429)، والوادعي على شَرطِ البخاري في ((الصحيح المسند مما ليس في الصحيحين)) (586)، وقال الترمذي: حسن صحيح، وصحَّح إسنادَه أحمد شاكر في تخريج ((مسند أحمد)) (3/277)، وشعيب الأرناؤوط في تخريج ((سنن أبي داود)) (3728)، وجوَّده ابن باز في ((حاشية بلوغ المرام)) (604) وذَكَرَ أنَّه ورَدَ بسَنَدٍ قَويٍّ. .
فإن قيل: فما تَصنَعونَ بما في "الصَّحيحينِ" من حديثِ أنَسٍ «أنَّ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم كان يَتَنَفَّسُ في الإناءِ ثَلاثًا» [1704] أخرجه البخاري (5631)، ومسلم (2028) واللَّفظُ له. ؟ قيل: نُقابلُه بالقَبولِ والتَّسليمِ، ولا مُعارَضةَ بَينَه وبَينَ الأوَّلِ؛ فإنَّ مَعناه أنَّه كان يَتَنَفَّسُ في شُربِه ثَلاثًا، وذُكِر الإناءُ لأنَّه آلةُ الشُّربِ، وهذا كَما جاءَ في الحَديثِ الصَّحيحِ: أنَّ إبراهيمَ ابنَ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ماتَ في الثَّديِ [1705] عن أنَسِ بنِ مالكٍ، قال: ما رَأيتُ أحَدًا كان أرحَمَ بالعيالِ مِن رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، قال: كان إبراهيمُ مُستَرضِعًا له في عَوالي المَدينةِ، فكان يَنطَلِقُ ونَحنُ مَعَه، فيَدخُلُ البَيتَ وإنَّه ليُدَّخَنُ، وكان ظِئرُه قَينًا، فيَأخُذُه فيُقَبِّلُه، ثُمَّ يَرجِعُ. قال عَمرٌو: فلمَّا توُفِّيَ إبراهيمُ قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: إنَّ إبراهيمَ ابني، وإنَّه ماتَ في الثَّديِ، وإنَّ له لظِئرَينِ تُكَمِّلانِ رَضاعَه في الجَنَّةِ. أخرجه مسلم (2316). ، أي: في مُدَّة الرَّضاعِ) [1706] ((زاد المعاد)) (4/ 215، 216). .
وقال عياض: (وقد جاءَتِ الأحاديثُ الصَّحيحةُ في النَّهيِ عن التَّنَفُّسِ فيه، وعنِ النَّفخِ في الطَّعامِ والشَّرابِ... وعِلَّةُ ذلك إمَّا للتَّقَزُّزِ أوِ التَّقَذُّرِ مِمَّا لعَلَّه يَخرُجُ عِندَ التَّنَفُّسِ والنَّفخِ من أنفِه أو فيه مِن ماءٍ أو غَيرِه، أو لِما يَكتَسِبُ الإناءَ مَن بَخَرٍ ورائِحةٍ قَبيحةٍ بالنَّفَسِ، أو لِما لعَلَّه يَكونُ مُتَغَيِّرَ النَّكهةِ فيَتَعَلَّقُ ذلك بالإناءِ وبفيه) [1707] ((إكمال المعلم)) (6/ 494، 495). .

انظر أيضا: