موسوعة الآداب الشرعية

ثالِثَ عَشَرَ: اجتِنابُ كُلِّ شَرابٍ مُحَرَّمٍ كالمُسكِراتِ


يَجِبُ اجتِنابُ كُلِّ شَرابٍ مُحَرَّمٍ، كالخَمرِ وغَيرِها مِنَ المُسكِراتِ.
الدَّليلُ على ذلك مِنَ الكِتابِ والسُّنَّةِ والآثارِ:
أ- مِنَ الكِتابِ:
قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ * إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ [المائدة: 90-91] .
ب- مِنَ السُّنَّةِ:
1- عن عائِشةَ رَضِيَ اللهُ عنها، عنِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، قال: ((كُلُّ شَرابٍ أسكَرَ فهو حَرامٌ)) [1742] أخرجه البخاري (242)، ومسلم (2001). .
2- عن أنَسِ بنِ مالكٍ رَضِيَ اللهُ عنه، قال: ((لعنَ رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم في الخَمرِ عَشرةً: عاصِرَها، ومُعتَصِرَها، وشارِبَها، وحامِلَها، والمَحمولةَ إليه، وساقَيَها، وبائِعَها، وآكِلَ ثَمَنِها، والمُشتَريَ لها، والمُشتَراةَ له)) [1743] أخرجه الترمذي (1295) واللفظ له، وابن ماجه (3381). صححه لغيره الألباني في ((هداية الرواة)) (2707)، وحسنه الوادعي في ((الصحيح المسند مما ليس في الصحيحين)) (61)، وذكر ثبوته ابن تيمية في ((مجموع الفتاوى)) (4/474). .
3- عن أبي هرَيرةَ رَضِيَ اللهُ عنه، أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((لا يَزني الزَّاني حينَ يَزني وهو مُؤمِنٌ، ولا يَشرَبُ الخَمرَ حينَ يَشرَبُها وهو مُؤمِنٌ، ولا يَسرِقُ السَّارِقُ حينَ يَسرِقُ وهو مُؤمِنٌ)) [1744] أخرجه البخاري (2475) واللفظ له، ومسلم (57). .
4- عن عبدِ اللهِ بنِ عُمَرَ رضِيَ اللهُ عنهما: أنَّ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((مَن شَرِبَ الخَمرَ في الدُّنيا، ثُمَّ لم يَتُبْ مِنها، حُرِمَها في الآخِرةِ)) [1745] أخرجه البخاري (5575) .
وفي رِوايةٍ: ((كُلُّ مُسكِرٍ خَمرٌ، وكُلُّ مُسكِرٍ حَرامٌ، ومَن شَرِب الخَمرَ في الدُّنيا فماتَ وهو يُدمِنُها لم يَتُبْ، لم يَشرَبْها في الآخِرةِ)) [1746] أخرجه مسلم (2003). .
5- عن جابرٍ رَضِيَ اللهُ عنه: ((أنَّ رَجُلًا قدِمَ مِن جَيشانَ -وجَيشانُ مِنَ اليَمَنِ- فسَأل النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم عن شَرابٍ يَشرَبونَه بأرضِهم مِنَ الذُّرةِ، يُقالُ له: المِزْرُ، فقال النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: أوَ مُسكِرٌ هو؟ قال: نَعَم، قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: كُلُّ مُسكِرٍ حَرامٌ، إنَّ على اللهِ عَزَّ وجَلَّ عَهدًا لمَن يَشرَبُ المُسكِرَ أن يَسقيَه مِن طينةِ الخَبالِ. قالوا: يا رَسولَ اللهِ، وما طينةُ الخَبالِ؟ قال: عَرَقُ أهلِ النَّارِ أو عُصارةُ أهلِ النَّارِ)) [1747] أخرجه مسلم (2002). .
ج- من الآثارِ:
عن ابنِ عُمَرَ رضِيَ اللهُ عنهما، قال: سَمِعتُ عُمَرَ رضِيَ اللهُ عنه على مِنبَرِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، يَقولُ: (أمَّا بَعدُ، أيُّها النَّاسُ إنَّه نَزَل تَحريمُ الخَمرِ، وهيَ مِن خَمسةٍ؛ مِن: العِنَبُ، والتَّمرِ، والعَسَلِ، والحِنطةِ، والشَّعيرِ، والخَمرُ ما خامَرَ العَقلَ) [1748] أخرجه البخاري (4619) واللفظ له، ومسلم (3032). .
فوائِدُ ومَسائِلُ:
حُكمُ تَناوُلِ المُخَدِّراتِ:
يَحرُمُ تَناوُلُ المُخَدِّراتِ المُخَدِّراتُ: هيَ كُلُّ مادَّةٍ نَباتيَّةٍ أو مُصَنَّعةٍ تَحتَوي على عناصِرَ مُنَوِّمةٍ أو مُسَكِّنةٍ أو مُفتِّرةٍ، إذا استُخدِمَت في غَيرِ الأغراضِ الطِّبِّيَّةِ المُعَدَّةِ لها فإنَّها تُصيبُ الجسمَ بالفُتورِ والخُمولِ، وتَشَلُّ نَشاطَه، كَما تُصيبُ الجِهازَ العَصَبيَّ المَركَزيَّ، والجِهازَ التَّنَفُّسيَّ، والجِهازَ الدَّوريَّ بالأمراضِ المُزمِنةِ، كَما تُؤَدِّي إلى حالةٍ مِنَ التَّعَوُّدِ أو ما يُسَمَّى «الإدمان»، مُسَبِّبةً أضرارًا بالغةً بالصِّحَّةِ النَّفسيَّةِ والبَدَنيَّةِ والاجتِماعيَّةِ. ((الموقع الرسمي لوزارة الصحة السعودية)). بجَميعِ أنواعِها؛ القَليلِ مِنها والكَثيرِ وهو مَذهَبُ الحَنابلةِ، وبَعضِ الشَّافِعيَّةِ، وهو قَولُ ابنِ تيميَّةَ، والصَّنعانيِّ، والشَّوكانيِّ، وابنِ باز، وابنِ عُثيمين، وبه أفتَتِ اللَّجنةُ الدَّائِمةُ. يُنظر: ((كشاف القناع)) للبهوتي (5/235) و(6/189)، ((المجموع)) للنووي (3/8)، ((فتح الباري)) لابن حجر (10/45)، ((مجموع الفتاوى)) لابن تيمية (34/213)، ((سبل السلام)) للصنعاني (1/36)، ((الفتح الرباني من فتاوى الإمام الشوكاني)) (8/4202)، ((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (14/303)، ((فتاوى اللجنة الدائمة- المجموعة الأولى)) (22/138). وحُكيَ الإجماعُ على حُرمةِ الكَثيرِ المُسكِرِ: قال ابنُ تَيميَّةَ: (أكلُ هذه الحَشيشةِ الصُّلبةِ حَرامٌ، وهيَ مِن أخبَثِ الخَبائِثِ المُحَرَّمةِ، وسَواءٌ أكَل مِنها قَليلًا أو كَثيرًا، لكِنَّ الكَثيرَ المُسكِرَ مِنها حَرامٌ باتِّفاقِ المسلمينَ). ((مجموع الفتاوى)) (34/213). وقال أيضًا: (وكُلُّ ما يُغَيِّبُ العَقلَ فإنَّه حَرامٌ وإن لم تَحصُلْ به نَشوةٌ ولا طَرَبٌ؛ فإنَّ تَغييبَ العَقلِ حَرامٌ بإجماعِ المُسلِمينَ). ((مجموع الفتاوى)) (34/211). وقال العَينيُّ: (وقَعَ إجماعُ المُتَأخِّرينَ -رَحِمَهمُ اللهُ- على تَحريمِ أكلِه [أي: الحَشيشِ]). ((البناية)) (12/370). .
الدَّليلُ على ذلك مِنَ السُّنَّةِ:
عن ابنِ عُمَرَ رضي الله عنهما، قال: قال رسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((كُلُّ مُسكِرٍ خَمرٌ، وكُلُّ خَمرٍ حَرامٌ)) أخرجه مسلم (2003) .
وجهُ الدَّلالةِ:
أنَّ قَولَه: (كُلُّ) لعُمومِ التَّحريمِ في كُلِّ مُسكِرٍ، ومنه الحَشيشةُ ((كشاف القناع)) للبهوتي (6/189). .
وأمَّا التَّعليلُ فللآتي:
1-لأنَّها تُغَيِّبُ العَقلَ، وكُلُّ ما يُغَيِّبُ العَقلَ فإنَّه حرامٌ، وإن لم تحصُلْ به نَشوةٌ ولا طَرَبٌ؛ فإنَّ تَغييبَ العَقلِ حرامٌ بإجماعِ المُسلِمينَ ((مجموع الفتاوى)) لابن تيمية (34/211). .
2- لأنَّها مُسكِرةٌ، وإنَّما يتناوَلُها الفُجَّارُ لِما فيها من النَّشوةِ والطَّرَبِ، فهي تجامِعُ الشَّرابَ المُسكِرَ في ذلك، وتُوجِبُ الفُتورَ والذِّلَّةَ، وفيها مع ذلك مِن فَسادِ المِزاجِ والعَقلِ، وفَتحِ بابِ الشَّهوةِ، وما توجِبُه مِنَ الدِّياثةِ مِمَّا هي مِن شَرِّ الشَّرابِ المُسكِرِ ((مجموع الفتاوى)) لابن تيمية (34/211). .
حُكمُ شُربِ الدُّخانِ وتَناوُلِ الشَّمةِ والقاتِ:
أوَّلًا: حُكمُ شُربِ التَّبغِ (الدُّخانِ)
يَحرُمُ شُربُ التَّبغِ التَّبغُ ويُسَمَّى (التنباك): نَباتٌ حَوليٌّ مُرُّ الطَّعمِ مِنَ الفصيلةِ الباذِنجانيَّةِ، يُجَفَّفُ ثُمَّ يُتَعاطى تَدخينًا وسَعوطًا ومَضغًا، ويَكثُرُ استِعمالُه في صِناعةِ السِّيجارِ والسِّيجارةِ، ويُسَمَّى (التتن) بالتُّركيَّةِ. يُنظر: ((معجم اللغة العربية المعاصرة)) لأحمد مختار عمر وفريقه (1/283)، ((التعريفات الفقهية)) للبركتي (ص: 51). ويُستَعمَلُ أيضًا في الشِّيشةِ والنَّرجيلةِ، وكُلُّ ذلك يَحرُمُ استِخدامُه، وكذلك تَحرُمُ السَّجائِرُ الإلكتِرونيَّةُ؛ لأنَّها تَحتَوي على النِّيكوتينِ السَّامِّ. ((فقه الأطعمة والأشربة)) بإشراف علوي السقاف (ص: 174). (الدُّخانِ) وهذا قَولُ بَعضِ الحَنَفيَّةِ، وبَعضِ المالكيَّةِ، وبَعضِ الشَّافِعيَّةِ، وبَعضِ الحَنابلةِ، واختارَه ابنُ باز، وابنُ عُثَيمين، وبه أفتَتِ اللَّجنةُ الدَّائِمةُ. يُنظر: ((الدر المختار وحاشية ابن عابدين)) (6/459، 460)، ((فتح العلي المالك)) لعليش (1/189،118)، ((إعانة الطالبين)) للدمياطي (2/260)، ((مطالب أولي النهى)) للرحيباني (6/219)، ((مجموع فتاوى ابن باز)) (23/50)، ((فتاوى نور على الدرب)) لابن عثيمين (11/350)، ((فتاوى اللجنة الدائمة)) (5/309). .
الدَّليلُ على ذلك مِنَ الكِتابِ والسُّنَّةِ:
أ- مِنَ الكتاب
1- قَولُه تعالى: وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ [الأعراف: 157] .
وجهُ الدَّلالةِ:
أنَّ الدُّخَانَ (التَّبغَ) يدخُلُ في قِسمِ الخبائِثِ؛ لِما فيه من الضَّرَرِ يُنظر: ((مجموع فتاوى ابن باز)) (3/369)، ((فتاوى اللجنة الدائمة- المجموعة الأولى)) (22/213). .
2- قَولُه تعالى: وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ [النساء: 29] .
وجهُ الدَّلالةِ:
أنَّ تَكرارَ شُربِ الدُّخَانِ يُؤدِّي إلى أمراضٍ مُزمِنةٍ مُهلِكةٍ، وقد ثَبَت ضَرَرُه بيَقينٍ في البُحوثِ الطِّبِّيَّةِ المُعاصِرةِ أثبتَت المراجِعُ الطبيَّةُ الحديثةُ ضَرَرَ التدخينِ بيَقينٍ، وأنَّه مصدَرُ خَطَرٍ على الصحَّةِ، ويؤدِّي إلى مَرَضِ السَّرطانِ، وأنَّ نسبةَ المتوَفَّينَ من المدخِّنينَ أعلى منها بين غيرِ المدخِّنينَ. ((فقه الأطعمة والأشربة)) بإشراف علوي السقاف (ص: 175). .
ب- مِنَ السُّنَّة
عن عُبادةَ بنِ الصَّامِتِ رَضِيَ اللهُ عنه، قال: قال رسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((لا ضَرَرَ ولا ضِرارَ)) أخرجه ابن ماجه (2340)، وعبد الله بن أحمد في ((زوائد المسند)) (22778) صحَّحه ابنُ رجب في ((جامع العلوم والحكم)) (2/211)، والألباني في ((صحيح سنن ابن ماجه)) (2340)، وحَسَّنه النووي في ((الأذكار)) (502). .
وجهُ الدَّلالةِ:
أنَّ اللهَ حَرَّم على العبادِ ما يضُرُّهم، والتَّدخينُ فيه من المضارِّ العَظيمةِ التي يَعرِفُها المدَخِّنُ نَفسُه، ويَعرِفُها الأطبَّاءُ، ويَعرِفُها كُلُّ مَن خالط المُدَخِّنينَ ((مجموع فتاوى ابن باز)) (6/24)، ((الموقع الرسمي للشيخ ابن باز)). ، والأصلُ في المضارِّ التَّحريمُ والمَنعُ ((الفروق)) للقرافي (1/220). .
ثانيًا: حُكمُ تَناوُلِ الشَّمَّةِ الشَّمَّةُ تُعتبرُ نوعًا من أنواع التَّبغِ غيرِ المدخَّنِ، ويأتي التبغُ في عدة أشكال، ليس فقط السجائر، هنالك عدَّةُ أنواع تدخُلُ تحت مسمى (التبغِ غيرِ المدَخَّن) ومن مُسَمَّياتِ التبغِ غير المدخَّن: (الشَّمَّة، السويكة، البردقان، الحقة، القرحة، التمباك، السفَّة، السَّعوط، قوتكا…)، ولا يُعدُّ بديلًا آمنًا عن تدخين السجائر، ويؤثِّرُ تعاطيه سلبًا على صحةِ المُدمِن، ابتداءً بالإضرارِ بصحَّةِ الأسنان، وانتهاء بالسرطان. يُنظر: ((موقع برنامج مكافحة التدخين التابع لوزارة الصحة السعودية)). 
يَحرُمُ تَناوُلُ الشَّمَّةِ وهذا قَولُ ابنِ باز، وبه أفتَتِ اللَّجنةُ الدَّائِمةُ. ينظر: ((الموقع الرسمي للشيخ ابن باز))، ((فتاوى اللجنة الدائمة- المجموعة الأولى)) (22/140، 142). .
الدَّليلُ على ذلك مِنَ الكِتابِ:
قَولُه تعالى: وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ [الأعراف: 157] .
وجهُ الدَّلالةِ:
أنَّ ما يُسمَّى الشَّمَّةَ مِن الخبائِثِ، فيكونُ حَرامًا؛ للآيةِ ((فتاوى إسلامية)) جمع وترتيب محمد المسند (1/394). .
ثالثًا: حُكمُ تَناوُلِ القاتِ القات: نَباتٌ يُزرَعُ مِن أجلِ أوراقِه التي تُمضَغُ خَضراءَ نِيئةً، قَليلُه مُنَبِّهٌ، وكَثيرُه مُخَدِّرٌ، يُزرَعُ في الحَبَشةِ واليَمَنِ. يُنظر: ((المعجم الوسيط)) (2/765)، ((معجم لغة الفقهاء)) (ص: 354).
يَحرُمُ ألَّف في التَّحذيرِ مِنَ القات عَدَدٌ مِنَ العُلماءِ، ومِنهم: الشَّيخُ حَمزة النَّاشِري اليَمَنيُّ (ت 926هـ) فقد أفتى بحُرمَتِه، وكَتَبَ في ذلك مَنظومةً ضَمَّنَها أضرارَ القات ومَساوِئَه، وكَتَب الفقيهُ أبو بَكرِ بنُ إبراهيمَ المقري الحرازي اليَمَنيّ -(ت 965هـ)- رِسالةً في تَحريمِ القات، وكَتَب ابنُ حَجَرٍ الهيتميُّ رِسالةً طَويلةً سَمَّاها: ((تَحذير الثِّقات مِن أكل الكُفتةِ والقات)) وهو ضِمن ((الفتاوى الفقهية الكبرى)) (4/223)، وكَتَب الشَّيخُ حافِظٌ الحَكَمي -(ت 1377هـ)- مَنظومةً بعُنوان: ((نَصيحة الإخوان عن تَعاطي القات والشمَّةِ والدُّخان))، وكَتَب سَماحةُ الشَّيخِ مُحَمَّدُ بنُ إبراهيم آل الشَّيخ -(ت 1389هـ)- رِسالةً في تَحريم القات. قال ابنُ حَجَرٍ الهيتميُّ: (حَدَّثَني عَبدُ اللَّهِ بنُ يوسُفَ المقري عنِ العَلامةِ يوسُفَ بنِ يونُسَ المقري أنَّه كان يَقولُ: ظَهَرَ القات في زَمَنِ فُقَهاءَ لا يَجسُرون على تَحريمٍ ولا تَحليلٍ، ولو ظَهَرَ في زَمَنِ الفُقَهاءِ المُتَقدِّمينَ لحَرَّموه، ودَخلَ عِراقيٌّ اليَمَنَ، وكان يُسَمَّى الفقيهَ إبراهيمَ، وكان يَجهَرُ بتَحريمِ القات ويُنكِرُ على آكِليه... وهذا الرَّجُلُ العِراقيُّ الذي أشارَ إليه ونَقَل عنه حُرمةَ القات أخبَرَني بَعضُ طَلبةِ العِلمِ أنَّه جاءَ إلى مَكَّةَ المُشَرَّفةِ ودَرَسَ بها كَثيرًا، وأنَّه قَرَأ عليه وزادَ في مَدحِه والثَّناءِ عليه. ويوافِقُ هَؤُلاءِ القائِلينَ بحُرمةِ القات قَولُ الفقيهِ العَلَّامةِ حَمزة النَّاشِري مِمَّن يُعتَمَدُ عليه نَقلًا وإفتاءً، كَما يَدُلُّ عليه تَرجَمَتُه المَذكورةُ في تاريخِ خاتِمةِ الحُفَّاظِ والمُحَدِّثين الشَّمسِ السَّخاويِّ في مَنظومَتِه المَشهورةِ، وقد أخبَرَني مُحدِّثُ مَكَّةَ شَرَّفها اللهُ تعالى أنَّه قَرَأها على مُؤَلِّفِها حَمزةَ المَذكورِ وأجازَه بها: ولا تَأكُلنَّ القات رَطبًا ويابسًا... فذاكَ مُضِرٌّ داؤُه فيه أعضَلا. فقد قال أعلامٌ مِنَ العُلماءِ... إنَّ هذا حَرامٌ للتَّضَرُّرِ مَأكَلًا). ((الفتاوى الفقهية الكبرى)) (4/226). مَضغُ القاتِ وهذا ما ذَهَبَ إليه ابنُ باز، وبه أفتَتِ اللَّجنةُ الدَّائِمةُ، وهو قَرارُ المُؤتَمَرِ الإسلاميِّ العالميِّ لمُكافحةِ المُسكِراتِ والمُخَدِّراتِ. يُنظر: ((مجموع فتاوى ابن باز)) (10/163)، ((فتاوى اللجنة الدائمة- المجموعة الأولى)) (22/175)، ((مجلة الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة)) العدد السابع والخمسون (1403هـ) (ص:319). .
الدَّليلُ على ذلك مِنَ الكتابِ والسُّنَّةِ:
أ- مِنَ الكتابِ
قَولُه تعالى: وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ [الأعراف: 157] .
وَجهُ الدَّلالةِ:
أنَّ القاتَ مِن الخبائِثِ يُنظر: ((مجموع فتاوى ابن باز)) (10/163). .
ب- مِنَ السُّنَّة
عن عُبادةَ بنِ الصَّامِتِ رَضِيَ اللهُ عنه، قال: قال رسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((لا ضَرَرَ ولا ضِرارَ)) أخرجه ابن ماجه (2340)، وعبد الله بن أحمد في ((زوائد المسند)) (22778) صحَّحه ابنُ رجب في ((جامع العلوم والحكم)) (2/211)، والألباني في ((صحيح سنن ابن ماجه)) (2340)، وحَسَّنه النووي في ((الأذكار)) (502). .
وجهُ الدَّلالةِ:
أنَّ قَولَه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((لا ضَرَرَ ولا ضِرارَ)) نهيٌ عن كُلِّ أنواعِ الضَّرَرِ، ومنه الضَّرَرُ البَدَنيُّ والماليُّ، وقد تحقَّقا في القات بالإضافةِ إلى الأضرارِ النفسيَّةِ والخُلُقيَّة، والاجتماعيَّة والاقتصاديَّة يُنظر: ((مجلة الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة)) العدد السابع والخمسون (1403هـ) (ص: 319). .
أمَّا التَّعليلُ فللآتي:
1- لِما فيه مِن لَذَّةٍ وطَرَبٍ يُشبِهُ لَذَّةَ وطَرَبَ المُسكِرِ يُنظر: ((الفتاوى الفقهية الكبرى)) لابن حجر الهيتمي (4/226). .
2- أنَّه يترتَّبُ عليه تَعطيلُ الأوقاتِ، وضَياعُ الصَّلَواتِ يُنظر: ((مجموع فتاوى ابن باز)) (10/163). .

انظر أيضا: