موسوعة الآداب الشرعية

ثالثًا: استِحضارُ النِّيَّةِ


يَنبَغي استِحضارُ النِّيَّةِ الصَّالحةِ قَبلَ السَّفَرِ، ولتَكُنْ نيَّتُه الآخِرةَ في جَميعِ أسفارِه [1891] قال الغَزاليُّ: (السَّفَرُ يَنقَسِمُ إلى مَذمومٍ وإلى مَحمودٍ وإلى مُباحٍ، والمَذمومُ يَنقَسِمُ إلى حَرامٍ، كإباقِ العَبدِ وسَفرِ العاقِّ، وإلى مَكروهٍ، كالخُروجِ مِن بَلَدِ الطَّاعونِ. والمَحمودُ يَنقَسِمُ إلى واجِبٍ، كالحَجِّ وطَلَبِ العِلمِ الذي هو فريضةٌ على كُلِّ مُسلمٍ، وإلى مَندوبٍ إليه، كزيارةِ العُلماءِ... ومِن هذه الأسبابِ تَتَبَيَّنُ النِّيَّةُ في السَّفَرِ؛ فإنَّ مَعنى النِّيَّةِ الانبعاثُ للسَّبَبِ الباعِثِ، والانتهاضُ لإجابةِ الدَّاعيةِ. ولتَكُنْ نيَّتُه الآخِرةَ في جَميعِ أسفارِه، وذلك ظاهِرٌ في الواجِبِ والمَندوبِ، ومُحالٌ في المَكروهِ والمَحظورِ، وأمَّا المُباحُ فمَرجِعُه إلى النِّيَّةِ، فمَهما كان قَصدُه بطَلَبِ المالِ مَثَلًا التَّعَفُّفَ عنِ السُّؤالِ، ورِعايةَ سَترِ المُروءةِ على الأهلِ والعيالِ، والتَّصَدُّقَ بما يَفضُلُ عن مَبلغِ الحاجةِ؛ صارَ هذا المُباحُ بهذه النِّيَّةِ مِن أعمالِ الآخِرةِ، ولو خَرَجَ إلى الحَجِّ وباعِثُه الرِّياءُ والسُّمعةُ لخَرَج عن كَونِه مِن أعمالِ الآخِرةِ؛ لقَولِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: «إنَّما الأعمالُ بالنِّيَّاتِ». فقَولُه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: «الأعمالُ بالنِّيَّاتِ» عامٌّ في الواجِباتِ والمَندوباتِ والمُباحاتِ دونَ المَحظوراتِ؛ فإنَّ النِّيَّةَ لا تُؤَثِّرُ في إخراجِها عن كَونِها مِنَ المَحظوراتِ). ((إحياء علوم الدين)) (2/ 249). وقال النَّوويُّ: (يُستَحَبُّ لمَن سافرَ سَفَرَ حَجٍّ أو غَزوٍ أن تَكونَ يَدُه فارِغةً مِن مالِ التِّجارةِ ذاهبًا وراجِعًا؛ لأنَّ ذلك يَشغَلُ القَلبَ ويُفوِّتُ بَعضَ المَطلوباتِ، ويَجِبُ عَليه تَصحيحُ النِّيَّةِ في حَجِّه وغَزوِه ونَحوِهما، وهو أن يُريدَ به وجهَ اللهِ تعالى؛ قال اللهُ تعالى: وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ [البينة: 5] ، وقال النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: «إنَّما الأعمالُ بالنِّيَّاتِ»). ((المجموع)) (4/ 387). .
الدَّليلُ على ذلك مِنَ السُّنَّةِ:
عن عُمَرَ رضِيَ اللهُ عنه، أنَّ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((الأعمالُ بالنِّيَّةِ، ولكُلِّ امرِئٍ ما نَوى، فمَن كانت هِجرتُه إلى اللهِ ورَسولِه فهِجرتُه إلى اللهِ ورَسولِه، ومَن كانت هِجرتُه لدُنيا يُصيبُها، أوِ امرَأةٍ يَتَزَوَّجُها، فهِجرتُه إلى ما هاجَرَ إليه)) [1892] أخرجه البخاري (54) واللَّفظُ له، ومسلم (1907). .

انظر أيضا: