موسوعة الآداب الشرعية

خامسًا: التَّبَسُّمُ والبَشاشةُ


مِنَ الآدابِ الحَسَنةِ: التَّبَسُّمُ في وُجوهِ الإخوانِ، وحُسنُ البَشاشةِ عِندَ اللِّقاءِ.
الدَّليلُ على ذلك مِن السُّنَّةِ:
1- عن جَريرِ بنِ عبدِ اللهِ البَجَليِّ رَضِيَ اللهُ عنه، قال: ((ما حَجَبَني رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم مُنذُ أسلَمتُ، ولا رَآني إلَّا تَبَسَّمَ في وجهي)) [1699] أخرجه البخاري (3035)، ومسلم (2475) واللفظ له. .
قال ابنُ بَطَّالٍ: (فيه أنَّ لقاءَ النَّاسِ بالتَّبَسُّمِ وطَلاقةِ الوَجهِ مِن أخلاقِ النُّبوَّةِ، وهو مُنافٍ للتَّكبُّرِ وجالبٌ للمَودَّةِ) [1700] ((شرح صحيح البخاري)) (5/ 193). وقال العِزُّ بنُ عَبدِ السَّلامِ: (لا بَأسَ بالضَّحِكِ والتَّبَسُّمِ عِندَ قيامِ أسبابِهما، وقد يَكونُ التَّبَسُّمُ مَندوبًا إليه؛ لِما فيه مِن تَبَسُّطِ الصَّاحِبِ، كما فعَل صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بجَريرٍ؛ فإنَّه لم يَرَه قَطُّ إلَّا تَبَسَّمَ في وَجهِه). ((شجرة المعارف والأحوال)) (ص: 276). .
2- عن أبي ذَرٍّ رَضِيَ اللهُ عنه، قال: قال لي النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((لا تَحقِرنَّ مِنَ المَعروفِ شيئًا، ولو أن تَلقى أخاك بوَجهٍ طَلقٍ [1701] طَلقٍ: مُنبَسِطٍ سَهلٍ، والطَّلاقةُ: البَشاشةُ والبِشرُ. يُنظر: ((إكمال المعلم)) لعياض (8/ 106)، ((جامع الأصول)) لابن الأثير (1/ 427). ) [1702] أخرجه مسلم (2626). .
وفي رِوايةٍ: ((لا يَحقِرنَّ أحَدُكُم شيئًا مِنَ المَعروفِ، وإن لم يَجِدْ فليَلقَ أخاه بوَجهٍ طَلقٍ، وإنِ اشتَريتَ لحمًا أو طَبَختَ قِدرًا فأكثِرْ مَرقَتَه واغرِفْ لجارِك مِنه)) [1703] أخرجها الترمذي (1833). صححها الألباني في ((صحيح سنن الترمذي)) (1833)، وقال الترمذي: حسن صحيح والحديث أخرجه مسلم (2625) مُختَصَرًا بلفظٍ مُقارِبٍ، عن أبي ذَرٍّ، قال: إنَّ خَليلي صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أوصاني: ((إذا طَبَختَ مَرَقًا فأكثِرْ ماءَه، ثُمَّ انظُرْ أهلَ بيتٍ مِن جيرانِك، فأصِبْهم مِنها بمَعروفٍ)). .
قَولُه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((بوَجهٍ طَلْقٍ)) أي: بوَجهٍ ضاحِكٍ مُستبشِرٍ؛ وذلك لِما فيه مِن إيناسِ الأخِ المُؤمِنِ، ودَفعِ الإيحاشِ عنه، وجَبرِ خاطِرِه، وبذلك يحصُلُ التَّأليفُ المطلوبُ بَينَ المُؤمِنينَ [1704] يُنظر: ((مرقاة المفاتيح)) للقاري (4/ 1341)، ((دليل الفالحين)) لابن علان (2/ 356). .
3- عن جابِرِ بنِ عَبدِ اللهِ رَضِيَ اللهُ عنهما، قال: قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((كُلُّ مَعروفٍ صَدَقةٌ، وإنَّ مِنَ المَعروفِ أن تَلقى أخاك بوَجهٍ طَلْقٍ، وأن تُفرِغَ مِن دَلوِك في إناءِ أخيك)) [1705] أخرجه الترمذي (1970)، وأحمد (14877). صححه شعيب الأرناؤوط بطرقه وشواهده في تخريج ((مسند أحمد)) (14877)، وحَسَّنه الترمذي، والألباني في ((صحيح الجامع)) (4557). .
4- عن أبي جُرَيٍّ جابِرِ بنِ سُلَيمٍ رَضِيَ اللهُ عنه، قال: ((رَأيتُ رَجُلًا يَصدُرُ النَّاسُ عن رأيِه لا يقولُ شَيئًا إلَّا صَدَروا عنه، قُلْنا: مَن هذا؟ قالوا: رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، قُلتُ: عليك السَّلامُ يا رَسولَ اللهِ، مَرَّتَينِ، قال: "لا تَقُلْ: عليك السَّلامُ؛ فإنَّ عليك السَّلامُ تَحيَّةُ المَيِّتِ، قُل: السَّلامُ عليكم"، قال: قُلتُ: أنت رَسولُ اللهِ؟ قال: "أنا رَسولُ اللهِ الذي إذا أصابَك ضُرٌّ فدَعَوتَه كَشَفَه عنك، وإذا أصَابَك عامُ سَنةٍ [1706] السَّنةُ: هيَ العامُ المُقحِطُ الذي لم تُنبِتْ فيه الأرضُ، سَواءٌ نَزَل غَيثٌ أو لم يَنزِلْ. يُنظر: ((الترغيب والترهيب)) للمنذري (3/ 468). فدَعَوتَه أنبَتَها لك، وإذا كنتَ بأرضٍ قَفرٍ وفَلاةٍ فضَلَّت راحِلتُك فدَعَوتَه رَدَّها عليك"، قال: قُلتُ: اعهَدْ إليَّ، قال: لا تَسُبَّنَّ أحَدًا"؛ فما سَبَبتُ بَعدَه حُرًّا ولا عَبدًا، ولا بَعيرًا ولا شاةً، قال: "ولا تَحقِرَنَّ شَيئًا مِن المَعروفِ، وأن تُكلِّمَ أخاك وأنت مُنبسِطٌ إليه وَجهُك، إنَّ ذلك مِن المَعروفِ، وارفَعْ إزارَك إلى نِصفِ السَّاقِ، فإن أبَيتَ فإلى الكَعبَينِ، وإيَّاك وإسبالَ الإزارِ؛ فإنَّها مِن المَخِيلةِ [1707] المَخِيلةُ والخُيَلاءُ والخالُ: كُلُّه مِنَ الاختيالِ، وهو التَّكَبُّرُ واستِحقارُ النَّاسِ، يُقالُ: رَجُلٌ مُختالٌ وخائِلٌ وخال. يُنظر: ((مشارق الأنوار)) لعياض (1/ 249)، ((مطالع الأنوار)) لابن قرقول (2/ 490). ، وإنَّ اللهَ لا يُحِبُّ المَخِيلةَ، وإنِ امرُؤٌ شَتَمَك أو عَيَّرَك بما يَعلَمُ فيك فلا تُعَيِّرْه بما تَعلَمُ فيه؛ فإنَّما وَبالُ ذلك عليه)) [1708] أخرجه أبو داود (4084) واللفظ له، والترمذي (2722). وأخرجه أحمد (20636) مختصرًا ولم يسم الصحابي وقال: عَن رَجُلٍ مَن بَلْهُجَيمِ. صححه لغيره الألباني في ((سلسلة الأحاديث الصحيحة)) (770)، وقال الوادعي في ((الصحيح المسند مما ليس في الصحيحين)) (196): يرتقي إلى الصحة، وقال الترمذي: حسن صحيح، وجود إسناده العراقي في ((تخريج الإحياء)) (3/151)، وحسنه الذهبي في ((المهذب)) (8/4253). .
فوائِدُ:
1- عَنِ الأصمَعيِّ، قال: سَمِعتُ ابنَ المُبارَكِ يَقولُ: (إنَّه ليُعجِبُني مِنَ القُرَّاءِ كُلُّ طَلقٍ مِضحاكٍ، فأمَّا مَن تَلقاه بالبِشرِ ويَلقاك بالعُبوسِ، كأنَّه يَمُنُّ عليك بعَمَلِه، فلا أكثَرَ اللَّهُ في القُرَّاءِ مِثلَه) [1709] رواه البيهقي في ((شعب الإيمان)) (10/ 408، 409) رقم (7710). .
2- عن حَبيبِ بنِ أبي ثابتٍ، قال: (مِن حُسنِ خُلُقِ الرَّجُلِ أن يُحدِّثَ صاحِبَه وهو يَبتَسِمُ) [1710] رواه ابن حبان في ((روضة العقلاء)) (ص: 77). .
3- قال أبو الطَّيِّبِ الوَشَّاءُ: (اعلَمْ أنَّ أحسَنَ ما تألَّف به النَّاسُ قُلوبَ أخلَّائِهم، ونفَوا به الضِّغنَ عن قُلوبِ أعدائِهم: البِشرُ بهم عندَ حُضورِهم، والتَّفقُّدُ لأمورِهم، وحُسنُ البَشاشةِ؛ فذلك يُثبِتُ المحبَّةَ والإخاءَ) [1711] ((الموشى)) (ص: 28). .

انظر أيضا: