موسوعة الآداب الشرعية

سادسًا: الرِّضا برُبوبيَّةِ اللهِ عَزَّ وجَلَّ وإلهيَّتِه


مِن الأدبِ معَ الله أن يرضَى العبدُ بربوبيَّتِه وألوهيَّتِه [84] قال ابنُ القيمِ: (... الرِّضا بإلهيَّتِه يَتَضَمَّنُ الرِّضا بمَحَبَّتِه وَحدَه، وخَوفَه ورَجاءَه، والإنابةَ إليه والتَّبَتُّلَ إليه، وانجِذابَ قُوى الإرادةِ والحُبِّ كُلِّها إليه، فِعلَ الرَّاضي بمَحبوبِه كُلَّ الرِّضا، وذلك يَتَضَمَّنُ عِبادَتَه والإخلاصَ له. والرِّضا برُبوبيَّتِه: يَتَضَمَّنُ الرِّضا بتَدبيرِه لعَبدِه، ويَتَضَمَّنُ إفرادَه بالتَّوكُّلِ عليه، والاستِعانةَ به، والثِّقةَ به، والاعتِمادَ عليه، وأن يَكونَ راضيًا بكُلِّ ما يَفعَلُ به فالأوَّلُ: يَتَضَمَّنُ رِضاه بما يُؤمَرُ به. والثَّاني: يَتَضَمَّنُ رِضاه بما يُقَدَّرُ عليه). ((مدارج السالكين)) (2/ 172). وقال العِزَّ بنُ عبدِ السَّلامِ: (مَن رَضيَ بقَسمِ اللَّهِ شَكَرَ فاستَوجَبَ المَزيدَ، ومَن تَسخَّط بذلك استَوجَبَ السَّخَطَ؛ فإنَّ اللَّهَ تعالى يُعامِلُ العَبيدَ بما يُعامِلونَه به؛ فيَرضى عَمَّن رَضيَ عنه، ويَسخَطُ على مَن تَسخَّط بقَضائِه، ويَستَحي مِمَّن يَستَحي مِنه، ويُعرِضُ عَمَّن أعرَضَ عنه، ويُؤوي مَن أوى إليه، ويُقبِلُ على مَن أقبَل عليه، ويُهَروِلُ إلى مَن مَشى إليه). ((شجرة المعارف)) (ص: 59). .
الدَّليلُ على ذلك مِن السُّنَّةِ:
1- عنِ العَبَّاسِ بنِ عبدِ المُطَّلِبِ رَضِيَ اللهُ عنه، أنَّه سَمِعَ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يَقولُ: ((ذاقَ طَعمَ الإيمانِ مَن رَضيَ باللهِ رَبًّا، وبالإسلامِ دينًا، وبمُحَمَّدٍ رَسولًا)) [85] أخرجه مسلم (34). .
2- عن سَعدِ بنِ أبي وقَّاصٍ رَضِيَ اللهُ عنه، عن رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أنَّه قال: ((مَن قال حينَ يَسمَعُ المُؤَذِّنَ: أشهَدُ أنْ لا إلهَ إلَّا اللَّهُ وَحدَه لا شَريكَ له، وأنَّ مُحَمَّدًا عَبدُه ورَسولُه، رَضِيتُ باللهِ رَبًّا، وبمُحَمَّدٍ رَسولًا، وبالإسلامِ دينًا؛ غُفِرَ له ذَنبُه)) [86] أخرجه مسلم (386). .
قال ابنُ القَيِّمِ: (هذان الحَديثانِ عليهما مَدارُ مَقاماتِ الدِّينِ، وإليهما يَنتَهي، وقد تَضَمَّنا الرِّضا برُبوبيَّتِه سُبحانَه وأُلوهيَّتِه، والرِّضا برَسولِه والانقيادَ له، والرِّضا بدينِه والتَّسليمَ له، ومَنِ اجتَمَعَت له هذه الأربَعةُ فهو الصِّدِّيقُ حَقًّا، وهيَ سَهلةٌ بالدَّعوى واللِّسانِ، وهيَ مِن أصعَبِ الأُمورِ عِندَ الحَقيقةِ والامتِحانِ، ولا سيَّما إذا جاءَ ما يُخالِفُ هَوى النَّفسِ ومُرادَها) [87] ((مدارج السالكين)) (2/ 171). .

انظر أيضا: