موسوعة الآداب الشرعية

ثالثَ عشرَ: تبشيرُهم بما يَسُرُّهم وتهنئتُهم


مِن حَقِّ الأخِ والصَّاحِبِ ومِن الأدبِ معه: الفَرَحُ لفرَحِه، وتَبشيرُه بما يَسُرُّه وتهنئتُه.
الدَّليلُ على ذلك مِنَ السُّنَّةِ:
1- عن أنَسِ بنِ مالكٍ رَضِيَ اللهُ عنه، عَنِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((لا يُؤمِنُ أحَدُكُم حتَّى يُحِبَّ لأخيه ما يُحِبُّ لنَفسِه)) [1781] أخرجه البخاري (13) واللفظ له، ومسلم (45). .
وفي رِوايةٍ: ((والذي نَفسُ مُحَمَّدٍ بيَدِه، لا يُؤمِنُ أحَدُكُم حتَّى يُحِبَّ لأخيه ما يُحِبُّ لنَفسِه مِنَ الخيرِ)) [1782] أخرجها النسائي (5017) واللفظ له، وأحمد (14082). صححها ابن حبان في ((صحيحه)) (235)، والألباني في ((صحيح سنن النسائي)) (5017). .
2- وفي حَديثِ الثَّلاثةِ الذينَ خُلِّفوا، قال كَعبُ بنُ مالِكٍ رَضِيَ اللهُ عنه: ((... فبَينا أنا جالسٌ على الحالِ التي ذَكَرَ اللهُ، قد ضاقَت عليَّ نَفسي، وضاقَت عليَّ الأرضُ بما رَحُبَت، سمعتُ صَوتَ صارِخٍ، أوفى على جَبَلِ سَلْعٍ بأعلى صَوتِه: يا كَعبُ بنَ مالكٍ أبشِر! قال: فخَرَرتُ ساجِدًا، وعَرَفتُ أن قد جاءَ فرَجٌ، وآذَنَ رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بتَوبةِ اللهِ علينا حينَ صَلَّى صَلاةَ الفجرِ، فذَهبَ النَّاسُ يُبَشِّرونَنا، وذَهبَ قِبَلَ صاحِبَيَّ مُبَشِّرونَ، ورَكَضَ إليَّ رَجُلٌ فرَسًا، وسعى ساعٍ مِن أسلمَ، فأوفى على الجَبَل، وكانَ الصَّوتُ أسرَعَ مِنَ الفرَسِ، فلمَّا جاءَني الَّذي سمعتُ صَوتَه يُبَشِّرُني، نَزَعتُ له ثَوبَيَّ، فكَسوتُه إيَّاهما ببُشراه، واللهِ ما أملكُ غَيرَهما يومَئِذٍ! واستَعَرتُ ثَوبَينِ فلَبِستُهما، وانطَلقتُ إلى رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فيتَلقَّاني النَّاسُ فوجًا فوجًا [1783] فَوْجًا فَوْجًا: أي: زُمرةً زُمرةً، وجماعةً بعدَ جماعةٍ. يُنظر: ((المفهم)) لأبي العباس القرطبي (7/ 101). ، يُهنُّوني بالتَّوبةِ، يقولونَ: لِتَهْنِكَ [1784] لِتَهْنِكَ: أي: لتكُنْ هَنيئةً لك. يُنظر: ((مرعاة المفاتيح)) للمباركفوري (7/ 191). تَوبةُ اللهِ عليك! قال كَعبٌ: حَتَّى دَخَلتُ المَسجِدَ، فإذا رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم جالسٌ حَوله النَّاسُ، فقامَ إليَّ طَلحَةُ بنُ عُبَيدِ اللهِ يُهروِلُ حَتَّى صافحَني وهنَّاني، واللهِ ما قامَ إليَّ رَجُلٌ مِنَ المُهاجِرينَ غَيرَه، ولا أنساها لطَلحةَ! قال كَعبٌ: فلمَّا سلَّمتُ على رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، قال رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وهو يبرُقُ وجهُه مِنَ السُّرورِ: أبشِر بخَيرِ يومٍ مَرَّ عليك مُنذُ ولدَتكَ أمُّك! قال: قُلتُ: أمِن عندِكَ يا رَسولَ اللهِ، أم مِن عندِ اللهِ؟ قال: لا، بَل مِن عندِ اللهِ. وكانَ رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم إذا سُرَّ استَنارَ وجهُه، حَتَّى كأنَّه قِطعةُ قَمَرٍ، وكُنَّا نَعرِفُ ذلك منه)) [1785] أخرجه البخاري (4418) واللفظ له، ومسلم (2769). .
3- عن خَيثَمةَ، عن قيسِ بنِ مَروانَ، أنَّه أتى عُمَرَ فقال: جِئتُ يا أميرَ المُؤمِنينَ مِنَ الكوفةِ، وتَرَكتُ بها رَجُلًا يُملي المَصاحِفَ عن ظَهرِ قَلبِه، فغَضِبَ وانتَفخَ حتَّى كادَ يَملأُ ما بينَ شُعبَتي الرَّحلِ! فقال: ومَن هو وَيحَك؟! قال: عبدُ اللهِ بنُ مَسعودٍ. فما زال يُطفَأُ ويُسرَّى عَنه الغَضَبُ، حتَّى عادَ إلى حالِه التي كان عليها، ثُمَّ قال: وَيحَك! واللهِ ما أعلَمُه بَقيَ مِنَ النَّاسِ أحَدٌ هو أحَقُّ بذلك مِنه! وسَأحَدِّثُك عن ذلك: ((كان رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم لا يَزالُ يَسمُرُ عِندَ أبي بَكرٍ اللَّيلةَ كذاك في الأمرِ مِن أمرِ المُسلِمينَ، وإنَّه سَمَر عِندَه ذاتَ ليلةٍ وأنا مَعَه، فخَرَجَ رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، وخَرَجنا مَعَه، فإذا رَجُلٌ قائِمٌ يُصَلِّي في المَسجِدِ، فقامَ رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يَستَمِعُ قِراءَتَه، فلمَّا كِدْنا أن نَعرِفَه، قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: مَن سَرَّه أن يَقرَأَ القُرآنَ رَطْبًا كما أُنزِل فليَقرَأْه على قِراءةِ ابنِ أمِّ عَبدٍ. قال: ثُمَّ جَلسَ الرَّجُلُ يَدعو، فجَعَل رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يَقولُ له: سَلْ تُعطَه، سَلْ تُعطَه! قال عُمَرُ: قُلتُ: واللهِ لأغدوَنَّ إليه فلأبَشِّرَنَّه! قال: فغَدَوتُ إليه لأبَشِّرَه فوجَدتُ أبا بَكرٍ قَد سَبَقَني إليه فبشَّرَه! ولا واللَّهِ ما سابَقتُه إلى خيرٍ قَطُّ إلَّا سَبَقَني إليه)) [1786] أخرجه الترمذي (169) مختصرًا، وأحمد (175) واللفظ له. صحَّحه ابن خزيمة في ((الصحيح)) (2/328)، وابن حبان في ((صحيحه)) (2034)، والحاكم على شرط الشيخين في ((المستدرك)) (5485)، والألباني في ((صحيح سنن الترمذي)) (169)، وحسنه الترمذي، والوادعي في ((الصحيح المسند مما ليس في الصحيحين)) (852). .

انظر أيضا: