عشرونَ: التَّناصُحُ
مِن حَقِّ الأخِ والصَّاحِبِ على أخيه وصاحِبِه: أن يَنصَحَه؛ إذ هو كالمِرآةِ له في تَوقيفِه إيَّاه على عُيوبِه، ونَصيحَتِه له في المَشهَدِ والمَغيبِ، وتَعريفِه إيَّاه مِن خَطَئِه وما فيه صَلاحُه ما يَخفى عليه
[1903] يُنظر: ((التوضيح)) لابن الملقن (28/ 363). .
الدليل على ذلك من السُّنَّةِ والآثارِ:أ- مِنَ السُّنَّةِ1- عن أبي هُرَيرةَ رَضِيَ اللهُ عنه، أنَّ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال:
((حَقُّ المُسلمِ على المُسلمِ سِتٌّ. قيل: ما هنَّ يا رَسولَ اللهِ؟ قال: إذا لقيتَه فسَلِّمْ عليه، وإذا دَعاك فأجِبْه، وإذا استَنصَحَك فانصَحْ له، وإذا عَطَسَ فحَمِدَ اللَّهَ فسَمِّتْه، وإذا مَرِضَ فعُدْه، وإذا ماتَ فاتَّبِعْه)) [1904] أخرجه البخاري (1240) بنحوه، ومسلم (2162) واللفظ له. .
2- عن تَميمٍ الدَّاريِّ رَضِيَ اللهُ عنه، أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، قال:
((الدِّينُ النَّصيحةُ. قُلْنا: لِمَن؟ قال: للهِ ولكِتابِه ولرَسولِه ولأئِمَّةِ المُسلِمينَ وعامَّتِهم)) [1905] أخرجه مسلم (55). .
3- عن جَريرِ بنِ عبدِ اللهِ رَضِيَ اللهُ عنه، قال:
((بايَعتُ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم على إقامِ الصَّلاةِ، وإيتاءِ الزَّكاةِ، والنُّصحِ لكُلِّ مُسلِمٍ)) [1906] أخرجه البخاري (57)، ومسلم (56). .
4- عن أبي هُرَيرةَ رَضِيَ اللهُ عنه، عن رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، قال:
((المُؤمِنُ مِرآةُ المُؤمِنِ، والمُؤمِنُ أخو المُؤمِنِ، يَكُفُّ عليه ضيعَتَه، ويَحوطُه مِن ورائِه)) [1907] أخرجه أبو داود (4918) واللفظ له، والبزار (8109)، والبيهقي (17126). حَسَّنه الألباني في ((صحيح سنن أبي داود)) (4918)، وحَسَّن إسنادَه العراقي في ((تخريج الإحياء)) (2/227)، وابن حجر في ((بلوغ المرام)) (451)، وشعيب الأرناؤوط في تخريج ((سنن أبي دواد)) (4918). .
قال ابنُ رَسلانَ: ("المُؤمِنُ مِرآةُ المُؤمِنِ" قال الغَزاليُّ
[1908] يُنظر: ((إحياء علوم الدين)) للغزالي (2/ 182). : أي: يَرى مِنه ما لا يَرى مِن نَفسِه، فيَستَفيدُ المَرءُ بأخيه مَعرِفةَ عُيوبِ نَفسِه، ولوِ انفرَدَ لم يَستَفِدْ كما يَستَفيدُ بالمِرآةِ الوُقوفَ على عُيوبِ صورَتِه الظَّاهِرةِ؛ فيُنَبِّهُ الأخُ الأخَ على عُيوبِه، ويُقَبِّحُ القَبيحَ، ويُحسِّنُ الحَسَنَ، ويَذكُرُ له فوائِدَ تَركِ القَبيحِ، فإن لم يَنزَجِرْ يُخَوِّفُه بما يَكرَهُه في الدُّنيا والآخِرةِ؛ ليَنزَجِرَ عَنه، ولكِن يَنبَغي أن يُنَبِّهَه على ذِكرِ عُيوبِه سِرًّا؛ بحيثُ لا يَطَّلِعُ عليه أحَدٌ، فما كان على المَلأِ فهو تَوبيخٌ وفضيحةٌ، وما كان في السِّرِّ فهو شَفقةٌ ونَصيحةٌ.
قال الشَّافِعيُّ: مَن وعَظَ أخاه سِرًّا فقَد نَصَحَه وزانَه، ومَن وعَظَ عَلانيةً فقَد فضَحَه وشانَه.
وفيه الحَثُّ على صُحبةِ أخٍ في اللهِ تعالى، كما يَجعَلُ المِرآةَ ليَنظُرَ فيها وَجهَه. وفيه أن يُحتَرَصَ أن يَكونَ أخاه الذي يَصحَبُه مِرآةُ قَلبِه صَقيلةٌ ليس فيها غِشٌّ ولا دَنَسٌ، كما في المِرآةِ، ومَتى وجَدَ مِن أخيه بَعضَ كَدَرٍ يُبادِرُ إلى إزالتِه كما يُزيلُه مِنَ المِرآةِ)
[1909] ((شرح سنن أبي داود)) (18/ 677، 678). .
ب- مِنَ الآثارِعن عَليِّ بنِ أبي طالبٍ رَضِيَ اللهُ عنه، قال: (لا تَعمَلْ بالخَديعةِ؛ فإنَّها خُلُقُ اللِّئامِ، وامحَضْ أخاك النَّصيحةَ حَسَنةً كانت أو قَبيحةً، وزُلْ مَعَه حيثُ زال)
[1910] رواه ابن حبان في ((روضة العقلاء)) (ص: 73، 194). .
فَوائِدُ:1- عَنِ الحَسَنِ، قال: (المُؤمِنُ مِرآةُ أخيه؛ إن رَأى فيه ما لا يُعجِبُه سَدَّدَه وقَوَّمَه وحاطَه وحَفِظَه في السِّرِّ والعَلانيةِ، إنَّ لك مِن خَليلِك نَصيبًا، وإنَّ لك نَصيبًا مِن ذِكرِ مَن أحبَبتَ؛ فثِقوا بالأصحابِ والإخوانِ والمَجالِسِ)
[1911] رواه ابن أبي الدنيا في ((الإخوان)) (55). .
2- قال الفُضَيلُ بنُ عِياضٍ: (الغِبطةُ
[1912] الغِبطةُ: هي تمَنِّي نِعمةٍ على ألَّا تَتَحَوَّلَ عن صاحِبِها، بخِلافِ الحَسَدِ؛ فإنَّه تَمَنِّي زَوالِها عن صاحِبِها. يُنظر: ((مرقاة المفاتيح)) للقاري (8/3137). مِنَ الإيمانِ، والحَسَدُ مِنَ النِّفاقِ، والمُؤمِنُ يَغبِطُ ولا يَحسُدُ، والمُنافِقُ يَحسُدُ ولا يَغبِطُ، والمُؤمِنُ يَستُرُ ويَعِظُ ويَنصَحُ، والفاجِرُ يَهتِكُ ويُعَيِّرُ ويُفشي)
[1913] ((إحياء علوم الدين)) للغزالي (2/ 177). .
3- قال ابنُ حِبَّانَ: (خيرُ الإخوانِ أشَدُّهم مُبالغةً في النَّصيحةِ، كما أنَّ خيرَ الأعمالِ أحمَدُها عاقِبةً وأحسَنُها إخلاصًا، وضَربُ النَّاصِحِ خيرٌ مِن تَحيَّةِ الشَّانِئِ
[1914] الشَّانِئُ: المُبغِضُ. يُنظر: ((الألفاظ)) لابن السكيت (ص: 434). .
عَنِ الحَسَنِ قال: المُؤمِنُ شُعبةٌ مِنَ المُؤمِنِ، وهو مِرآةُ أخيه؛ إن رَأى مِنه ما لا يُعجِبُه سَدَّدَه وقَوَّمَه ونَصَحَه في السِّرِّ والعَلانية.
والنَّصيحةُ تَجِبُ على النَّاسِ كافَّةً، ولكِنْ إبداؤُها لا يَجِبُ إلَّا سِرًّا؛ لأنَّ مَن وعَظَ أخاه عَلانيةً فقَد شانَه، ومَن وعَظَه سِرًّا فقَد زانَه؛ فإبلاغُ المَجهودِ للمُسلمِ فيما يَزِينُ أخاه أحرى مِنَ القَصدِ فيما يَشينُه...
عن سُفيانَ قال: قُلتُ لمِسعَرٍ: تُحِبُّ أن يُخبرَك رَجُلٌ بعُيوبك؟ قال: أمَّا أن يَجيءَ إنسانٌ فيوبِّخَني بها فلا، وأمَّا أن يَجيءَ ناصِحٌ فنَعَم.
وعنِ ابنِ المُبارَكِ قال: كان الرَّجُلُ إذا رَأى مِن أخيه ما يَكرَهُ أمَرَه في سَترٍ ونَهاه في سَترٍ، فيُؤجَرُ في سَترِه ويُؤجَرُ في نَهيِه؛ فأمَّا اليَومَ فإذا رَأى أحَدٌ مِن أحَدٍ ما يَكرَهُ استَغضَبَ أخاه وهَتَك سِترَه!
وعن سُفيانَ قال: جاءَ طَلحةُ إلى عَبدِ الجَبَّارِ بنِ وائِلٍ وعِندَه قَومٌ، فسارَّه بشيءٍ ثُمَّ انصَرَف، فقال: أتَدرونَ ما قال لي؟ قال: رَأيتُك التَفَتَّ أمسِ وأنتَ تُصَلِّي!
والنَّصيحةُ إذا كانت على نَعتِ ما وصَفْنا تُقيمُ الأُلفةَ وتُؤَدِّي حَقَّ الأخوَّةِ، وعَلامةُ النَّاصِحِ إذا أرادَ زينةَ المَنصوحِ له أن يَنصَحَه سِرًّا، وعَلامةُ مَن أرادَ شَينةً أن يَنصَحَه عَلانيةً؛ فليَحذَرِ العاقِلُ نُصحَه الأعداءَ في السِّرِّ والعَلانيةِ)
[1915] يُنظر: ((روضة العقلاء ونزهة الفضلاء)) (ص: 195-197). .