موسوعة الآداب الشرعية

تَمهيدٌ في بعضِ حِكَمِ التفاوُتِ بينَ البَشرِ في المعايشِ


قَسَّمَ اللَّهُ عَزَّ وعَلا بينَ الخَلقِ مَعيشَتَهم وقَدَّرَها، ودَبَّرَ أحوالَهم تَدبيرَ العالِمِ بها، فلم يُسَوِّ بينَهم، ولكِن فاوتَ بينَهم في أسبابِ العيشِ، وغايَرَ بينَ مَنازِلِهم، فجَعَل مِنهم أقوياءَ وضُعَفاءَ، وأغنياءَ ومَحاويجَ، ومَخْدومينَ وخَدَمًا؛ ليُصَرِّفَ بَعضُهم بَعضًا في حَوائِجِهم، ويَستَخدِموهم في مِهَنِهم، حتَّى يَتَعايَشوا ويترافَدوا ويَصِلوا إلى مَنافِعِهم، ويَحصُلوا على مَرافِقِهم، ولو وكَلَهم إلى أنفُسِهم وولَّاهم تَدبيرَ أمرِهم لضاعوا وهَلَكوا [2316] يُنظر: ((الكشاف)) للزمخشري (4/ 248). ؛ قال تعالى: نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا سُخْرِيًّا [الزخرف: 32] ، أي: ليُسَخِّرَ بَعضُهم بَعضًا في الأعمالِ والحِرَفِ والصَّنائِعِ، فلو تَساوى النَّاسُ في الغِنى، ولم يَحتَجْ بَعضُهم إلى بَعضٍ، لتَعَطَّلت كثيرٌ مِن مَصالحِهم ومَنافِعِهم [2317] يُنظر: ((تيسير الكريم الرحمن)) للسعدي (ص: 765). ، لكِنَّ اللَّهَ قَدَّرَ لهم ما به تَتِمُّ مَصالِحُهم، ويَنتَظِمُ مَعاشُهم، ويَصِلُ كُلُّ واحِدٍ مِنهم إلى مَطلوبِه، فجَعَل بَعضَهم مَخصوصينَ بـالمالِ، وآخَرينَ مَخصوصينَ بالفَقرِ ورِقَّةِ الحالِ، حتَّى احتاجَ الفقيرُ في جَبرِ حاجَتِه إلى أن يَعمَلَ للغَنيِّ؛ كى يَرتَفِقَ مِن جِهَتِه بأجرَتِه، فيَصلُحَ بذلك أمرُ الغَنيِّ والفقيرِ جَميعًا [2318] يُنظر: ((لطائف الإشارات)) للقشيري (3/ 367). ؛ فإنَّ كُلَّ صِناعةٍ دُنيَويَّةٍ يُحسِنُها قَومٌ دونَ آخَرينَ، فجَعَل بَعضَهم مُحتاجًا إلى بَعضٍ؛ لتَحصُلَ المواساةُ بينَهم في مَتاعِ الدُّنيا، ويَحتاجَ هذا إلى هذا، ويَصنَعَ هذا لهذا، ويُعطيَ هذا هذا [2319] يُنظر: ((فتح القدير)) للشوكاني (4/ 634). ، وفي هذا إباحةُ استِخدامِ الحُرِّ برِضاه واستِئجارِه [2320] يُنظر: ((الإكليل في استنباط التنزيل)) للسيوطي (ص: 232). ، بَيْدَ أنَّ للخادِمِ حُقوقًا يَجِبُ أداؤُها، وثَمَّ آدابٌ على المَخدومِ مُراعاتُها. وفيما يلي بيانُ أهمِّ هذه الآدابِ:

انظر أيضا: