موسوعة الآداب الشرعية

ثانيًا: الرِّفقُ وحُسنُ المُعامَلةِ


يَنبَغي للمَخدومِ أن يَرفُقَ بخادِمِه ويُحسِنَ مُعامَلتَه.
الدَّليلُ على ذلك مِن الكتابِ والسُّنَّةِ:
أ- مِنَ الكِتابِ
قال اللهُ تعالى للرَّسولِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ [آل عمران: 159] .
2- قال تعالى: وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ لَا تَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا [البقرة: 83] .
3- قال تعالى: وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَنْ كَانَ مُخْتَالًا فَخُورًا [النساء: 36] .
4- قال تعالى: وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلْإِنْسَانِ عَدُوًّا مُبِينًا [الإسراء: 53] .
ب- مِنَ السُّنَّةِ
1- عن أنَسِ بنِ مالِكٍ رَضِيَ اللهُ عنه، قال: ((قَدِم النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم المَدينةَ وليس له خادِمٌ، فأخَذَ أبو طَلحةَ بيَدي، فانطَلقَ بي حتَّى أدخَلَني على النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فقال: يا نَبيَّ اللهِ، إنَّ أنسًا غُلامٌ كَيِّسٌ لبيبٌ، فليَخدُمْك. قال: فخَدَمتُه في السَّفَرِ والحَضَرِ، مَقدَمَه المَدينةَ حتَّى توُفِّيَ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، ما قال لي لشيءٍ صَنَعتُ: لمَ صَنَعتَ هذا هكذا؟ ولا قال لي لشَيءٍ لم أصنَعْه: ألَا صَنَعتَ هذا هكذا؟)) [2336] أخرجه البخاري في ((الأدب المفرد)) (164). صحَّحه الألباني في ((صحيح الأدب المفرد)) (122). والحديثُ أصلُه في صحيح البخاري (2768)، ومسلم (2309)، ولفظ البُخاريّ: ((قَدِمَ رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم المَدينةَ ليس له خادِمٌ، فأخَذَ أبو طَلحةَ بيَدي، فانطَلقَ بي إلى رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فقال: يا رَسولَ اللهِ، إنَّ أَنَسًا غُلامٌ كيِّسٌ، فليَخدُمْك. قال: فخَدَمتُه في السَّفَرِ والحَضَرِ، ما قال لي لشَيءٍ صَنعتُه: لمَ صَنَعتَ هذا هكذا؟ ولا لشيءٍ لم أصنَعْه: لمَ لم تَصنَعْ هذا هكذا؟)). .
وفي رِوايةٍ: ((خَدَمتُ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم عَشرَ سِنينَ، فما قال لي أفٍّ قَطُّ، وما قال لشيءٍ صَنعَتُه: لمَ صَنَعتَه، ولا لشيءٍ تَرَكتُه: لم تَرَكتُه، وكان رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم مِن أحسَنِ النَّاسِ خُلُقًا...) [2337] أخرجها الترمذي (2015) واللفظ له، وابن أبي عاصم في ((السنة)) (352)، ومحمد بن نصر المروزي في ((تعظيم قدر الصلاة)) (879). صحَّحها ابنُ عساكر في ((معجم الشيوخ)) (1/463)، والألباني في ((صحيح سنن الترمذي)) (2015). .
وفي حَديثٍ آخَرَ قال أنسٌ رَضِيَ اللهُ عنه: ((كان رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم مِن أحسَنِ النَّاسِ خُلقًا، فأرسَلني يومًا لحاجةٍ، فقُلتُ: واللهِ لا أذهَبُ، وفي نَفسي أن أذهَبَ لِما أمَرني به نبيُّ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وعلى آلِه وسلَّم، قال: فخرجْتُ حتَّى أُمَرَّ على صِبيانٍ وهم يلعَبونَ في السُّوقِ، فإذا رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وآلِه وسلَّم قابِضٌ بقَفاي مِن وَرائي! فنظرْتُ إليه وهو يضحَكُ، فقال: يا أُنَيسُ، اذهَبْ حيثُ أمرْتُك، قلْتُ: نعَم، أنا أذهَبُ يا رسولَ اللهِ، قال أنسٌ: واللهِ لقد خدَمْتُه سبعَ سنينَ أو تِسعَ سنينَ ما علمتُ قال لشيءٍ صنعتُ: لِمَ فعَلتَ كذا وكذا؟ ولا لشيءٍ تركتُ: هلَّا فعَلتَ كذا وكذا!)) [2338] أخرجه البخاري (6038) مختصَرًا، ومسلم (2309، 2310) واللفظ له. .
2- عن أنَسِ بنِ مالكٍ رَضِيَ اللهُ عنه، قال: ((كان رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم إذا صَلَّى الغَداةَ جاءَ خَدَمُ المَدينةِ بآنيَتِهم فيها الماءُ، فما يُؤتى بإناءٍ إلَّا غَمَسَ يَدَه فيها، فرُبَّما جاؤوه في الغَداةِ البارِدةِ فيَغمِسُ يَدَه فيها)) [2339] أخرجه مسلم (2324). .
قال عياضٌ: (كانوا يَفعَلونَ ذلك تَبَرُّكًا بما لمَسَه وأدخَل يَدَه فيه، وفيه صَبرُه عليه السَّلامُ وحُسنُ خُلُقِه، ومُشارَكتُه الجَميعَ، وإجابةُ دَعوةِ الصَّغيرِ والكبيرِ؛ قال اللهُ تعالى: وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ [القلم: 4] ) [2340] ((إكمال المعلم)) (7/ 286). .
وقال الطِّيبيُّ: (فيه تَكلُّفُ المَشاقِّ لتَطييبِ قُلوبِ النَّاسِ، لا سيَّما مَعَ الخَدَمِ والضُّعَفاءِ، وليَتَبَرَّكوا بإدخالِ يَدِه الكريمةِ في أوانيهم، وبيانُ تَواضُعِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم مَعَ الضُّعَفاءِ) [2341] ((الكاشف عن حقائق السنن)) (12/ 3704). .
3- عن عائِشةَ رَضِيَ اللهُ عنها، قالت: ((ما ضَرَبَ رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم شيئًا قَطُّ بيَدِه، ولا امرَأةً ولا خادِمًا، إلَّا أن يُجاهِدَ في سَبيلِ اللهِ، وما نِيلَ مِنه شيءٌ قَطُّ فيَنتَقِمُ مِن صاحِبِه، إلَّا أن يُنتَهَكَ شيءٌ مِن مَحارِمِ اللهِ، فيَنتَقِمَ للَّهِ عَزَّ وجَلَّ)) [2342] أخرجه مسلم (2328). .
4- عن أبي هُرَيرةَ رَضِيَ اللهُ عنه، قال: قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((أكمَلُ المُؤمِنينَ إيمانًا أحسَنُهم خُلُقًا، وخيرُكُم خيرُكُم لنِسائِهم)) [2343] أخرجه أبو داود (4682) مختصَرًا، والترمذي (1162) واللفظ له، وأحمد (7402) باختلافٍ يسيرٍ. صحَّحه ابن حبان في ((صحيحه)) (4176)، والحاكم على شرط مسلم في ((المستدرك)) (2)، وشعيب الأرناؤوط في تخريج ((مسند أحمد)) (7402)، وقال الترمذي، والألباني في ((صحيح سنن الترمذي)) (1162): حسن صحيح. .
5- عن عَبدِ اللهِ بنِ عَمرٍو رَضِيَ اللهُ عنهما، قال: ((لم يَكُنْ رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فاحِشًا ولا مُتَفحِّشًا، وإنَّه كان يَقولُ: إنَّ خيارَكُم أحاسِنُكم أخلاقًا)) [2344] أخرجه البخاري (6035) واللفظ له، ومسلم (2321). .
6- عن أبي الدَّرداءِ رَضِيَ اللهُ عنه، قال: سَمِعتُ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يَقولُ: ((ما مِن شيءٍ يوضَعُ في الميزانِ أثقَلُ مِن حُسنِ الخُلُقِ، وإنَّ صاحِبَ حُسنِ الخُلُقِ ليَبُلُغُ به دَرَجةَ صاحِبِ الصَّومِ والصَّلاةِ)) [2345] أخرجه أبو داود (4799)، والترمذي (2003) واللفظ له، وأحمد (27496). صحَّحه ابنُ حبان في ((صحيحه)) (481)، والألباني في ((صحيح سنن الترمذي)) (2003)، والوادعي في ((الصحيح المسند مما ليس في الصحيحين)) (1041)، وصحَّح إسنادَه شعيب الأرناؤوط في تخريج ((مسند أحمد)) (27496). .
وفي رِوايةٍ: ((مَن أعطِيَ حَظَّه مِنَ الرِّفقِ فقَد أُعطِيَ حَظَّه مِنَ الخيرِ، ومَن حُرِمَ حَظَّه مِنَ الرِّفقِ فقَد حُرِمَ حَظَّه مِنَ الخيرِ، أثقَلُ شيءٍ في ميزانِ المُؤمِنِ يَومَ القيامةِ حُسنُ الخُلُقِ، وإنَّ اللَّهَ ليُبغِضُ الفاحِشَ البَذيَّ)) [2346] أخرجها الترمذي (2002، 2013) مفرَّقةً، وأحمد (27553) مختصَرًا، والبخاري في ((الأدب المفرد)) (464) واللفظ له. صحَّحها الألباني في ((صحيح الأدب المفرد)) (361)، وقال الترمذي: حسن صحيح. .
وفي حَديثِ أبي أُمامةَ رَضِيَ اللهُ عنه، قال: قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((إنَّ الرَّجُلَ ليُدرِكُ بحُسنِ خُلُقِه دَرَجةَ القائِمِ باللَّيلِ، الظَّامِئِ بالهَواجِرِ)) [2347] أخرجه الطبراني (8/198) (7709). حَسَّنه الألباني في ((صحيح الجامع)) (1621). .
7- عن أبي ذَرٍّ رَضِيَ اللهُ عنه، ((أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال له: اتَّقِ اللَّهَ حيثُما كُنتَ، وأتبِعِ السَّيِّئةَ الحَسَنةَ تَمحُها، وخالقِ النَّاسَ بخُلُقٍ حَسَنٍ)) [2348] أخرجه الترمذي (1987)، وأحمد (21354). صَحَّحه الحاكم في ((المستدرك)) (179) وقال: على شرط الشيخين، وابنُ العربي في ((عارضة الأحوذي)) (4/349)، وحَسَّنه ابن حجر في ((الأمالي المطلقة)) (131)، حسنه لغيره الألباني في ((صحيح الترغيب)) (2655)، وشعيب الأرناؤوط في تخريج ((مسند أحمد)) (21354). .
8- عن أسامةَ بنِ شَريكٍ رَضِيَ اللهُ عنه، قال: ((شَهِدتُ الأعرابَ يسألون النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: أعلينا حَرَجٌ في كذا؟ أعلينا حَرَجٌ في كذا؟ فقال لهم: عبادَ اللهِ، وضَعَ اللهُ الحَرَجَ، إلَّا من اقتَرَض مِن عِرضِ أخيه شيئًا، فذاك الذي حَرِجَ. فقالوا يا رَسولَ اللهِ: هل علينا جُناحٌ أن لا نَتَداوى؟ قال: تَداوَوا عِبادَ اللهِ؛ فإنَّ اللَّهَ سُبحانَه لم يَضَعْ داءً إلَّا وضَع مَعَه شِفاءً، إلَّا الهَرَمَ. قالوا: يا رَسولَ اللهِ، ما خيرُ ما أُعطيَ العَبدُ؟ قال: خُلُقٌ حَسَنٌ)) [2349] أخرجه من طرُقٍ: أبو داود (3855)، والترمذي (2038)، وابن ماجه (3436) واللفظ له. صححه ابن حبان في ((صحيحه)) (6064)، وابن عبد البر في ((التمهيد)) (5/281)، والحاكم في ((المستدرك)) (421)، وابن دقيق العيد في ((الاقتراح)) (95)، وقال الترمذي: حسن صحيح. وقَولُه: ((فإنَّ اللَّهَ سُبحانَه لم يَضَعْ داءً إلَّا وَضَع مَعَه شِفاءً)) أخرجه البخاري (5678) مِن حَديثِ أبي هُرَيرةَ رَضِيَ اللهُ عنه، ولفظُه: ((ما أنزَل اللهُ داءً إلَّا أنزَل له شِفاءً)). .
وفي رِوايةٍ عن أسامةَ بنِ شَريكٍ رَضِيَ اللهُ عنه، قال: ((خَرَجتُ مَعَ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم حاجًّا، فكان النَّاسُ يَأتونَه، فمَن قال: يا رَسولَ اللهِ، سَعيتُ قَبلَ أن أطوفَ، أو قَدَّمتُ شيئًا أو أخَّرتُ شيئًا، فكان يَقولُ: لا حَرَجَ لا حَرَجَ، إلَّا على رَجُلٍ اقتَرَضَ عِرضَ رَجُلٍ مُسلمٍ وهو ظالِمٌ، فذلك الذي حَرِجَ وهَلَك)) [2350] أخرجها أبو داود (2015) واللفظ له، وابن خزيمة (2774)، والطبراني (1/182) (474). صحَّحها ابنُ خزيمة، والألباني في ((صحيح سنن أبي داود)) (2015)، والوادعي في ((الصحيح المسند مما ليس في الصحيحين)) (1/43). .
وقَولُه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((اقتَرَضَ عِرضَ رَجُلٍ مُسلمٍ))، أي: نال مِنه وعابَه، وقَطعَه بالغِيبةِ [2351] يُنظر: ((شرح السنة)) للبغوي (12/ 139). وقال ابنُ الأثيرِ: (الاقتِراضُ: افتِعالٌ مِنَ القَرضِ، وهو القَطعُ، كأنَّه يَقطَعُ بالمِقراضِ، والمُرادُ به: الغِيبةُ). ((جامِع الأصول)) (3/ 304). .
وقَولُه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((فذلك الذي حَرِجَ)): أي: وقَعَ مِنه حَرَجٌ، ((وهَلَك)) أي: بالإثمِ [2352] يُنظر: ((مرقاة المفاتيح)) للقاري (5/ 1834). .
9- عن عائِشةَ رَضِيَ اللهُ عنها، عَنِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، قال: ((إنَّ الرِّفقَ لا يَكونُ في شيءٍ إلَّا زانَه، ولا يُنزَعُ مِن شيءٍ إلَّا شانَه)) [2353] أخرجه مسلم (2594). .
وفي حَديثٍ آخَرَ عن عائِشةَ رَضِيَ اللهُ عنها، أنَّ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((يا عائِشةُ، إنَّ اللَّهَ رَفيقٌ يُحِبُّ الرِّفقَ، ويُعطي على الرِّفقِ ما لا يُعطي على العُنفِ، وما لا يُعطي على ما سِواه)) [2354] أخرجه مسلم (2593). .
10- عن عائِشةَ رَضِيَ اللهُ عنها، قالت: سَمِعتُ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يَقولُ في بيتي هذا: ((اللهُمَّ مَن وَليَ مِن أمرِ أمَّتي شيئًا فشَقَّ عليهم فاشقُقْ عليه، ومَن وليَ مِن أمرِ أمَّتي شيئًا فرَفَقَ بهم فارفُقْ به)) [2355] أخرجه مسلم (1828). .

انظر أيضا: