موسوعة الآداب الشرعية

ثامنًا: عَدَمُ تَكليفِه ما لا يُطيقُ


يَحرُمُ تَكليفُ الخادِمِ فَوقَ ما يُطيقُ.
الدَّليلُ على ذلك مِن السُّنَّةِ والإجماعِ:
أ- مِنَ السُّنَّةِ
1- عَنِ المَعرورِ بنِ سُوَيدٍ، قال: لَقِيتُ أبا ذَرٍّ بالرَّبَذةِ، وعليه حُلَّةٌ، وعلى غُلامِه حُلَّةٌ، فسَألتُه عن ذلك، فقال: ((إنِّي سابَبتُ رَجُلًا فعيَّرتُه بأمِّه، فقال لي النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: يا أبا ذَرٍّ، أعيَّرتَه بأمِّه؟! إنَّك امرُؤٌ فيك جاهليَّةٌ! إخوانُكُم خَوَلُكم [2408] إخوانُكُم خَوَلُكُم: يَعني: خَدَمُكُمُ الذينَ يَعمَلونَ لكُم أمرَكُم، ويُهيِّئونَ لكُم مَنافِعَكُم. والخَوَلُ: الخَدَمُ والعَبيدُ الذينَ يتخوَّلون الأمورَ، أي: يُصلِحونَها. يُنظر: ((المسالك في شرح موطأ مالك)) لابن العربي (7/ 561)، ((مطالع الأنوار)) لابن قرقول (2/ 481). ، جَعَلهمُ اللهُ تَحتَ أيديكُم، فمَن كان أخوه تَحتَ يَدِه، فليُطعِمْه مِمَّا يَأكُلُ، وليُلبِسْه مِمَّا يَلبَسُ [2409] قال أبو العَبَّاسِ القُرطُبيُّ: (أي: مِن نَوعِ ما تَأكُلونَ وما تَلبَسونَ. وهذا الأمرُ على النَّدبِ؛ لأنَّ السَّيِّدَ لو أطعَمَ عَبدَه أدنى مِمَّا يَأكُلُه، وألبَسَه أقَلَّ مِمَّا يَلبَسُه -صِفةً ومِقدارًا- لم يَذُمَّه أحَدٌ مِن أهلِ الإسلامِ؛ إذ قامَ بواجِبِه عليه، ولا خِلافَ في ذلك فيما عَلِمتُه. وإنَّما مَوضِعُ الذَّمِّ: إذا مَنَعَه ما يَقومُ به أوَدُه، ويَدفَعُ به ضَرورَتَه، كما نَصَّ عَليه النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بقَولِه: «كفى بالمَرءِ إثمًا أن يَحبسَ عَمَّن يَملِكُ قُوتَه!» [أخرجه مسلم (996) مِن حَديثِ عبدِ اللهِ بنِ عَمرٍو رَضِيَ اللهُ عنهما]. وإنَّما هذا على جِهةِ الحَضِّ على مَكارِمِ الأخلاقِ، وإرشادٌ إلى الإحسانِ، وإلى سُلوكِ طَريقِ التَّواضُعِ؛ حتَّى لا يَرى لنَفسِه مَزيَّةً على عَبدِه؛ إذِ الكُلُّ عَبيدُ اللهِ، والمالُ مالُ اللهِ، ولكِن سَخَّرَ بَعضَهم لبَعضٍ، ومَلَّك بَعضَهم بَعضًا؛ إتمامًا للنِّعمةِ، وتَقعيدًا للحِكمةِ). ((المفهم)) (4/ 352). ، ولا تُكلِّفوهم ما يَغلِبُهم، فإن كلَّفتُموهم فأعينوهم)) [2410] أخرجه البخاري (30) واللفظ له، ومسلم (1661). .
2- عن أبي هُرَيرةَ رَضِيَ اللهُ عنه، عَنِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، قال: ((للمَملوكِ طَعامُه وكِسوتُه، ولا يُكلَّفُ مِنَ العَمَلِ إلَّا ما يُطيقُ)) [2411] أخرجه مسلم (1662). .
وفي رِوايةٍ: ((للمَملوكِ طَعامُه وكِسوتُه، ولا يُكلَّفُ إلَّا ما يُطيقُ، فإن كلَّفتُموهم فأعينوهم، ولا تُعَذِّبوا عِبادَ اللهِ خَلقًا أمثالَكُم)) [2412] أخرجها ابن حبان (4313). صحَّحها ابنُ حبان، والألباني في ((صحيح الجامع)) (5192)، وحسَّن إسنادَها شعيب الأرناؤوط في تخريج ((صحيح ابن حبان)) (4313). .
3- عن أبي صِرمةَ رَضِيَ اللهُ عنه، أنَّ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((مَن ضارَّ ضارَّ اللَّهُ به، ومَن شاقَّ شَقَّ اللَّهُ عليه)) [2413] أخرجه أبو داود (3635)، والترمذي (1940) واللفظ له، وابن ماجه (2342). حَسَّنه ابنُ تيميَّة في ((بيان الدليل)) (608)، والألباني في ((صحيح سنن أبي داود)) (3635). .
ب- مِنَ الإجماعِ
نَقَل غيرُ واحدٍ الإجماعَ على أنَّه لا يَجوزُ أن يُكلَّفَ العَبدُ مِنَ العَمَلِ ما لا يُطيقُ، والخادِمُ مِثلُه [2414] ممن نقل الإجماع على ذلك النووي والعيني: قال النَّوويُّ: (أجمَع العُلماءُ على أنَّه لا يَجوزُ أن يُكلِّفَه مِنَ العَمَلِ ما لا يُطيقُه، فإن كان ذلك لزِمَه إعانَتُه بنَفسِه أو بغَيرِه). ((شَرح مسلم)) (11/ 133). وقال العينيُّ في استِنباطِ الأحكامِ مِن حَديثِ أبي ذَرٍّ رَضِيَ اللهُ عنه مَرفوعًا: «.. مَن كان أخوه تَحتَ يَدِه فليُطعِمْه مِمَّا يَأكُلُ، وليُلبِسْه مِمَّا يَلبَسُ، ولا تُكلِّفوهم ما يَغلِبُهم؛ فإن كلَّفتُموهم فأعينوهم»: (فيه مَنعُ تَكليفِه مِنَ العَمَلِ ما لا يُطيقُ أصلًا، أو لا يُطيقُ الدَّوامَ عليه؛ لأنَّ النَّهيَ للتَّحريمِ بلا خِلافٍ، فإن كَلَّفه ذلك أعانَه بنَفسِه أو بغيرِه). ((عمدة القاري)) (1/ 208). .

انظر أيضا: