موسوعة الآداب الشرعية

خامسًا: الحِكمةُ في دَعوتِه إلى اللهِ وجِدالُه بالتي هيَ أحسَنُ


يَنبَغي أن تَكونَ دَعوةُ المُسلمِ غَيرَ المُسلمِ بالحِكمةِ والمَوعِظةِ الحَسَنةِ، وإذا جادَل كان جِدالُه بالتي هيَ أحسَنُ.
الدَّليلُ على ذلك مِنَ الكتابِ:
1-قال تعالى: ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ [النحل: 125] .
فذَكَرَ سُبحانَه مَراتِبَ الدَّعوةِ وجَعَلَها ثَلاثةَ أقسامٍ بحَسَبِ حالِ المَدعوِّ؛ فإِنَّه إمَّا أن يَكونَ طالِبًا للحَقِّ راغِبًا فيه مُحِبًّا لَه مُؤثِرًا لَه على غَيرِه إذا عَرَفه، فهذا يُدعى بالحِكمةِ، ولا يحتاجُ إلى مَوعِظةٍ ولا جِدالٍ، وإمَّا أن يَكونَ مُعرِضًا مُشتَغِلًا بضِدّ الحَقِّ، ولَكِن لَو عَرَفه عَرَفه وآثَرَه واتَّبَعَه، فهذا يَحتاجُ مَعَ الحِكمةِ إلى المَوعِظةِ بالتَّرغيبِ والتَّرهيبِ، وإمَّا أن يَكونَ مُعانِدًا مُعارِضًا فهذا يُجادَلُ بالتي هيَ أحسَنُ [2512] ((الصواعق المرسلة)) لابن القيم (4/ 1276). ويُنظر: ((ضوابط المعرفة وأصول الاستدلال والمناظرة)) للميداني (ص: 362). .
قال السِّعديُّ: (أي: ليَكُنْ دُعاؤُك للخَلقِ -مُسلِمِهم وكافِرِهم- إلى سَبيلِ رَبِّك المُستَقيمِ المُشتَمِلِ على العِلمِ النَّافِعِ والعَمَلِ الصَّالِحِ بِالْحِكْمَةِ أي: كُلُّ أحَدٍ على حَسَبِ حالِه وفَهمِه وقَولِه وانقيادِه.
ومِنَ الحِكمةِ الدَّعوةُ بالعِلمِ لا بالجَهلِ، والبُداءةُ بالأهَمِّ فالأهَمِّ، وبالأقرَبِ إلى الأذهانِ والفَهمِ، وبما يَكونُ قَبولُه أتَمَّ، وبالرِّفقِ واللِّينِ.
فإنِ انقادَ بالحِكمةِ، وإلَّا فيَنتَقِلُ مَعَه بالدَّعوةِ بالمَوعِظةِ الحَسَنةِ، وهو الأمرُ والنَّهيُ المَقرونُ بالتَّرغيبِ والتَّرهيبِ، إمَّا بما تَشتَمِلُ عليه الأوامِرُ مِنَ المَصالحِ وتَعدادِها، والنَّواهي مِنَ المَضارِّ وتَعدادِها، وإمَّا بذِكرِ إكرامِ مَن قامَ بدينِ اللهِ وإهانةِ مَن لم يَقُمْ به، وإمَّا بذِكرِ ما أعَدَّ اللَّهُ للطَّائِعينَ مِنَ الثَّوابِ العاجِلِ والآجِلِ، وما أعَدَّ للعاصينَ مِنَ العِقابِ العاجِلِ والآجِلِ.
فإنْ كان المَدعوُّ يَرى أنَّ ما هو عليه حَقٌّ، أو كان داعيةً إلى الباطِلِ، فيُجادَلُ بالَّتي هيَ أحسَنُ، وهيَ الطُّرُقُ الَّتي تَكونُ أدعى لاستِجابَتِه عَقلًا ونَقلًا.
ومِن ذلك الِاحتِجاجُ عليه بالأدِلَّةِ الَّتي كان يَعتَقِدُها؛ فإِنَّه أقرَبُ إلى حُصولِ المَقصودِ، وأن لا تُؤَدِّيَ المُجادَلةُ إلى خِصامٍ أو مُشاتَمةٍ تَذهَبُ بمَقصودِها، ولا تَحصُلُ الفائِدةُ مِنها، بَل يَكونُ القَصدُ مِنها هدايةَ الخَلقِ إلى الحَقِّ، لا المُغالَبةَ ونَحوَها) [2513] ((تيسير الكريم الرحمن)) (ص: 452). .
2- قال تعالى: وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ وَقُولُوا آمَنَّا بِالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَأُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلَهُنَا وَإِلَهُكُمْ وَاحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ [العنكبوت: 46] .
في الآيةِ النَّهيُ عن مُجادَلةِ أهلِ الكتابِ إلَّا بالَّتي هي أحسَنُ؛ بحُسنِ خُلُقٍ، ولُطفٍ ولِينِ كَلامٍ، ودَعوةٍ إلى الحَقِّ وتَحسينِه، ورَدٍّ عن الباطِلِ وتهجينِه، بأقرَبِ طريقٍ مُوصِلٍ لذلك، وألَّا يكونَ القَصدُ منها مُجرَّدَ المجادَلةِ والمغالَبةِ وحُبِّ العُلُوِّ، بل يكونُ القَصدُ بيانَ الحَقِّ، وهِدايةَ الخَلقِ، إلَّا مَن ظلَمَ مِن أهلِ الكِتابِ، بأن ظهَرَ مِن قَصدِه وحالِه أنَّه لا إرادةَ له في الحَقِّ، وإنَّما يُجادِلُ على وَجهِ المُشاغَبةِ والمُغالَبةِ، فهذا لا فائِدةَ في جِدالِه؛ لأنَّ المقصودَ منها ضائِعٌ [2514] يُنظر: ((تفسير السعدي)) (ص:632). .

انظر أيضا: