موسوعة الآداب الشرعية

حاديَ عشرَ: عَدَمُ البُصاقِ في المسجِدِ


من أدَبِ المسجِدِ: عَدَمُ البُصاقِ فيه.
الدَّليلُ على ذلك مِنَ السُّنَّةِ:
1- عن أنَسِ بنِ مالكٍ رَضِيَ اللهُ عنه، قال: قال النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((البُزاقُ [426] البُزاقُ: لغةٌ في البُصاقِ، وهو معروفٌ. ((تاج العروس)) للزبيدي (25/77). في المَسجِدِ خَطيئةٌ، وكَفَّارَتُها دَفنُها)) [427] أخرجه البخاري (415)، ومسلم (552). .
وفي لفظٍ: ((التَّفلُ في المَسجِدِ خَطيئةٌ، وكَفَّارتُها دَفنُها)) [428] أخرجه مسلم (552). .
قال النَّوويُّ: (المُرادُ بدَفنِها إذا كان المَسجِدُ تُرابًا أو رَملًا ونَحوَه، فيواريها تَحتَ تُرابِه.
قال أبو المَحاسِنِ الرُّويانيُّ مِن أصحابِنا في كِتابه "البحر": وقيل: المُرادُ بدَفنِها إخراجُها مِنَ المَسجِدِ، أمَّا إذا كان المَسجِدُ مُبَلَّطًا أو مُجَصَّصًا، فدَلَكها عليه بمَداسِه أو بغَيرِه، كَما يَفعَلُه كَثيرٌ مِنَ الجُهَّالِ، فليسَ ذلك بدَفنٍ، بَل زيادةٌ في الخَطيئةِ، وتَكثيرٌ للقَذَرِ في المَسجِدِ، وعلى مَن فعَل ذلك أن يَمسَحَه بَعدَ ذلك بثَوبِه أو بيَدِه أو غَيرِه، أو يَغسِلَه) [429] ((رياض الصالحين)) (ص: 474). .
2- عن أبي ذَرٍّ رَضِيَ اللهُ عنه، عنِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، قال: ((عُرِضَت عليَّ أعمالُ أُمَّتي حَسَنُها وسَيِّئُها، فوجَدتُ في مَحاسِنِ أعمالِها الأذى يُماطُ عنِ الطَّريقِ، ووجَدتُ في مَساوي أعمالِها النُّخاعةَ تَكونُ في المَسجِدِ لا تُدفَنُ)) [430] أخرجه مسلم (553). .
3- عن أنَسِ بنِ مالكٍ رَضِيَ اللهُ عنه، أنَّ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((إنَّ هذه المَساجِدَ لا تَصلُحُ لشَيءٍ مِن هذا البَولِ ولا القَذَرِ، إنَّما هي لذِكرِ اللهِ عَزَّ وجَلَّ، والصَّلاةِ وقِراءةِ القُرآنِ)) أو كما قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم [431] أخرجه مسلم (285). .
فائدةٌ:
يُكرَهُ البُصاقُ جِهةَ اليَمينِ أو جِهةِ القِبلةِ [432] وهذا باتِّفاقِ المذاهبِ الفقهيَّة الأربعة. يُنظر: ((مراقي الفلاح)) للشرنبلالي (ص: 127)، ((التاج والإكليل)) للمواق (6/14)، ((المجموع)) للنووي (4/100)، ((الإنصاف)) للمرداوي (2/75). قال النوويُّ: (إذا عرَض للمُصلِّي بصاقٌ؛ فإنْ كان في مسجدٍ حرُم البصاقُ فيه، بل يَبصُقُ في طرَفِ ثَوبِه مِن جانبِه الأيسرِ، ككُمِّه وغيرِه، وإنْ كان في غيرِ المسجد لم يحرُم البصاقُ في الأرضِ؛ فله أن يَبصُقَ عن يسارِه في ثوبِه، أو تحتَ قدمِه، أو بجَنبِه، وأَوْلاه في ثوبه، ويحُكُّ بعضَه ببعضٍ أو يدَعه، ويُكرهُ أن يَبصُقَ عن يمينِه أو تِلْقاءَ وجهِه، وإذا بصَق في المسجدِ فقد ارتكبَ الحرامَ، وعليه أن يدفنَه). ((المجموع)) (4/100). وقال ابنُ عُثيمين: (إنْ كان في المسجدِ؛ قال العلماءُ: فإنَّه يجعلُ البصاقَ في خِرقةٍ أو مِنديلٍ أو ثوبِه، ويحُكُّ بعضَه ببعضٍ حتَّى تزولَ صورةُ البصاقِ، وإذا كان الإنسانُ في المسجدِ عندَ الجدارِ، والجدارُ قصيرٌ عن يسارِه، فإنَّه يمكنُ أن يبصقَ عن يسارِه إذا لم يؤذِ أحدًا مِن المارَّةِ). ((مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)) (8/424). .
الدَّليلُ على ذلك مِنَ السُّنَّةِ:
1- عن حُمَيدِ بنِ عبدِ الرَّحمنِ، عن أبي هُرَيرةَ وأبي سعيدٍ رَضِيَ اللهُ عنهما حدَّثاه ((أنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم رأَى نُخامةً في جدارِ المسجدِ، فتناول حصاة فحكَّها، فقال: إذا تَنخَّمَ أحدُكم فلا يَتنخَّمَنَّ قِبَلَ وجهِه، ولا عن يمينِه، ولْيَبْصُقْ عن يَسارِه، أو تحتَ قدمِه اليُسرَى)) [433] أخرجه البخاريُّ (408، 409) واللفظ له، ومسلم (548) .
2- عن أبي هُرَيرةَ رَضِيَ اللهُ عنه، عن النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، قال: ((إذا قام أحدُكم إلى الصَّلاةِ، فلا يَبْصُقْ أمامَه؛ فإنَّما يُناجي اللهَ ما دام في مُصَّلاهُ، ولا عن يمينِه؛ فإنَّ عن يمينِه مَلَكًا، ولْيَبْصُقْ عن يسارِه، أو تحتَ قدمِه، فيدفِنُها)) [434] أخرجه البخاريُّ (416). .
قال النَّوويُّ: (فيه نَهيُ المُصَلِّي عنِ البُصاقِ بَينَ يَدَيه وعن يَمينِه، وهذا عامٌّ في المَسجِدِ وغَيرِه، وقَولُه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: «وليَبزُقْ تَحتَ قدَمِه، وعن يَسارِه» هذا في غَيرِ المَسجِدِ، أمَّا المُصَلِّي في المَسجِدِ فلا يَبزُقْ إلَّا في ثَوبِه؛ لقَولِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: «البُزاقُ في المَسجِدِ خَطيئةٌ» فكَيف يَأذَنُ فيه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم؟ وإنَّما نَهى عنِ البُصاقِ عنِ اليَمينِ تَشريفًا لها، وفي رِوايةِ البُخاريِّ: «فلا يَبصُقْ أمامَه ولا عن يَمينِه؛ فإنَّ عن يَمينِه مَلَكًا») [435] ((شرح مسلم)) (5/ 39). .

انظر أيضا: