موسوعة الآداب الشرعية

ثامنَ عَشَرَ: عَدَمُ تَلويثِ المَسجِدِ والحِرصُ على نَظافتِه


مِنَ الأدَبِ مَعَ المَسجِدِ: تَعاهُدُ كَنسِه، والحِرصُ على نَظافتِه [484] قال الزَّركَشيُّ: (يُستَحَبُّ استِحبابًا مُتَأكِّدًا كَنسُ المَسجِدِ وتَنظيفُه). ((إعلام الساجد بأحكام المساجد)) (ص: 335). ، وعَدَمُ تَلويثِه.
الدَّليلُ على ذلك مِنَ السُّنَّةِ والإجماعِ:
أ- مِنَ السُّنَّةِ
1- عن شُعبةَ، قال: سَألتُ قتادةَ عنِ التَّفلِ في المَسجِدِ، فقال: سَمِعتُ أنَسَ بنَ مالكٍ رَضِيَ اللهُ عنه يَقولُ: سَمِعتُ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يَقولُ: ((التَّفلُ في المَسجِدِ خَطيئةٌ، وكَفَّارَتُها دَفنُها [485] قال النَّوويُّ: (المُرادُ بدَفنِها إذا كان المَسجِدُ تُرابًا أو رَملًا ونَحوَه، فيواريها تَحتَ تُرابِه. قال أبو المَحاسِنِ الرُّويانيُّ مِن أصحابِنا في كِتابِه "البَحر": وقيل: المُرادُ بدَفنِها إخراجُها مِنَ المَسجِدِ، أمَّا إذا كان المَسجِدُ مُبَلَّطًا أو مُجَصَّصًا، فدَلكَها عليه بمَداسِه أو بغَيرِه، كَما يَفعَلُه كَثيرٌ مِنَ الجُهَّالِ، فليسَ ذلك بدَفنٍ، بَل زيادةٌ في الخَطيئةِ، وتَكثيرٌ للقَذَرِ في المَسجِدِ، وعلى مَن فعَل ذلك أن يَمسَحَه بَعدَ ذلك بثَوبِه أو بيَدِه أو غَيرِه، أو يَغسِلَه). ((رياض الصالحين)) (ص: 474). ) [486] أخرجه مسلم (552). .
وفي رواية: ((البُزاقُ [487] البُزاقُ: لغةٌ في البُصاقِ، وهو معروفٌ. ((تاج العروس)) للزبيدي (25/77). في المَسجِدِ خَطيئةٌ، وكَفَّارَتُها دَفنُها)) [488] أخرجه البخاري (415)، ومسلم (552). .
2- عن أبي ذَرٍّ رَضِيَ اللهُ عنه، عنِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، قال: ((عُرِضَت عليَّ أعمالُ أُمَّتي حَسَنُها وسَيِّئُها، فوجَدتُ في مَحاسِنِ أعمالِها الأذى يُماطُ عنِ الطَّريقِ، ووجَدتُ في مَساوي أعمالِها النُّخاعةَ [489] النُّخاعةُ: البُزاقةُ التي تَخرُجُ مِن أصلِ الفَمِ، والمُرادُ بها إلقاؤُها، وقيل: المُرادُ بها البُصاقُ، والنُّخامةُ هيَ البَلغَمُ، وقيل: النُّخاعةُ مِنَ الصَّدرِ، والنُّخامةُ مِنَ الرَّأسِ. يُنظر: ((مطالع الأنوار)) لابن قرقول (4/ 134)، ((كشف المشكل)) لابن الجوزي (1/ 367)، ((مرقاة المفاتيح)) للقاري (2/ 599). تَكونُ في المَسجِدِ [490] قال النَّوويُّ: (هذا ظاهِرُه أنَّ هذا القُبحَ والذَّمَّ لا يختَصُّ بصاحِبِ النُّخاعةِ، بَل يَدخُلُ فيه هو وكُلُّ مَن رَآها ولا يُزيلُها بدَفنٍ أو حَكٍّ ونَحوِه). ((شرح مسلم)) (5/ 42). لا تُدفَنُ)) [491] أخرجه مسلم (553). .
3-عن أنَسِ بنِ مالكٍ رَضِيَ اللهُ عنه، أنَّ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((إنَّ هذه المَساجِدَ لا تَصلُحُ لشَيءٍ مِن هذا البَولِ ولا القَذَرِ، إنَّما هي لذِكرِ اللهِ عَزَّ وجَلَّ، والصَّلاةِ وقِراءةِ القُرآنِ)) أو كما قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم [492] أخرجه مسلم (285). .
4- عن أنَسِ بنِ مالكٍ رَضِيَ اللهُ عنه ((أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم رَأى نُخامةً في القِبلةِ، فشَقَّ ذلك عليه حتَّى رُئيَ في وَجهِه، فقامَ فحَكَّه بيَدِه، فقال: إنَّ أحَدَكُم إذا قامَ في صَلاتِه فإنَّه يُناجي رَبَّه، أو إنَّ رَبَّه بَينَه وبَينَ القِبلةِ، فلا يَبزُقَنَّ أحَدُكُم قِبَلَ قِبلتِه، ولكِنْ عن يَسارِه أو تَحتَ قدَمَيه، ثُمَّ أخَذَ طَرَفَ رِدائِه، فبَصَقَ فيه، ثُمَّ رَدَّ بَعضَه على بَعضٍ، فقال: أو يَفعَلُ هَكَذا)) [493] أخرجه البخاري (405) واللَّفظُ له، ومسلم (551). .
5- عن أبي سَعيدٍ الخُدريِّ رَضِيَ اللهُ عنه ((أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أبصَرَ نُخامةً في قِبلةِ المَسجِدِ فحَكَّها بحَصاةٍ، ثُمَّ نَهى أن يَبزُقَ الرَّجُلُ بَينَ يَدَيه أو عن يَمينِه، ولكِن عن يَسارِه أو تَحتَ قدَمِه اليُسرى)) [494] أخرجه البخاري (414) واللَّفظُ له، ومسلم (548). .
قال النَّوويُّ: (فيه نَهيُ المُصَلِّي عنِ البُصاقِ بَينَ يَدَيه وعن يَمينِه، وهذا عامٌّ في المَسجِدِ وغَيرِه. وقَولُه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: «وليَبزُقْ تَحتَ قدَمِه وعن يَسارِه» هذا في غَيرِ المَسجِدِ، أمَّا المُصَلِّي في المَسجِدِ فلا يَبزُقْ إلَّا في ثَوبِه؛ لقَولِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: «البُزاقُ في المَسجِدِ خَطيئةٌ»، فكَيف يَأذَنُ فيه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، وإنَّما نَهى عنِ البُصاقِ عنِ اليَمينِ تَشريفًا لها، وفي رِوايةِ البُخاريِّ: «فلا يَبصُقْ أمامَه ولا عن يَمينِه؛ فإنَّ عن يَمينِه مَلَكًا» [495] أخرجها البخاري (416) باختلافٍ يسيرٍ، ولفظُ البخاريِّ: عن هَمَّامٍ، سَمِعَ أبا هرَيرةَ، عنِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((إذا قامَ أحَدُكُم إلى الصَّلاةِ فلا يَبصُقْ أمامَه؛ فإنَّما يُناجي اللَّهَ ما دامَ في مُصَلَّاه، ولا عن يَمينِه؛ فإنَّ عن يَمينِه مَلَكًا، وليَبصُقْ عن يَسارِه، أو تَحتَ قدَمِه، فيَدفِنُها)). .
قال القاضي: والنَّهيُ عنِ البُزاقِ عن يَمينِه هو مَعَ إمكانِ غَيرِ اليَمينِ، فإن تَعَذَّر غَيرُ اليَمينِ بأن يَكونَ عن يَسارِه مُصَلٍّ، فله البُصاقُ عن يَمينِه، لكِنَّ الأَولى تَنزيهُ اليَمينِ عن ذلك ما أمكَنَ [496] يُنظر: ((إكمال المعلم)) للقاضي عياض (2/ 484). .
وقَولُه: «رَأى نُخامةً في قِبلةِ المَسجِدِ فحَكَّها» فيه إزالةُ البُزاقِ وغَيرِه مِنَ الأقذارِ ونَحوِها مِنَ المَسجِدِ) [497] ((شرح مسلم)) (5/ 39). .
6-عن أبي هرَيرةَ رَضِيَ اللهُ عنه ((أنَّ امرَأةً سَوداءَ كانت تَقُمُّ [498] تَقُمُّ المَسجِدَ، أي: تَكنُسُه وتُنَظِّفُه، والقُمامةُ: الكُناسةُ، والمِقَمَّةُ: المِكنَسةُ. يُنظر: ((المعلم)) للمازري (1/ 490)، ((كشف المشكل)) لابن الجوزي (3/ 487)، ((غريب الحديث)) لابن الجوزي (2/ 265). المَسجِدَ -أو شابًّا- ففقدَها رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فسَأل عنها -أو عنه- فقالوا: ماتَ، قال: أفلا كُنتُم آذنتُموني [499] آذَنتُموني: أي: أعلَمتُموني، والإيذانُ: الإعلامُ بالأمرِ. يُنظر: ((جامع الأصول)) لابن الأثير (6/ 237)، ((شرح مسلم)) للنووي (7/ 26). ؟ قال: فكَأنَّهم صَغَّروا أمرَها -أو أمرَه- فقال: دُلُّوني على قَبرِه، فدَلُّوه، فصَلَّى عليها، ثُمَّ قال: إنَّ هذه القُبورَ مَملوءةٌ ظَلمةً على أهلِها، وإنَّ اللَّهَ عَزَّ وجَلَّ يُنَوِّرُها لهم بصَلاتي عليهم)) [500] أخرجه البخاري (1337)، ومسلم (956) واللفظ له. .
ب-مِنَ الإجماعِ
نَقَل الإجماعَ على ذلك: النَّوَويُّ [501] قال النَّوويُّ: (يُسَنُّ كَنسُ المَسجِدِ وتَنظيفُه وإزالةُ ما يُرى فيه مِن نُخامةٍ أو بُصاقٍ أو نَحوِ ذلك. ثَبَتَ في الصَّحيحينِ عن أنَسٍ رَضِيَ اللهُ عنه «أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم رَأى بُصاقًا في المَسجِدِ فحَكَّه بيَدِه»، وفي الصَّحيحِ أحاديثُ كَثيرةٌ في هذا، وهو مُجمَعٌ عليه). ((المجموع)) (2/ 177). .

انظر أيضا: