موسوعة الآداب الشرعية

تمهيدٌ في أهميَّةِ الصَّلاةِ


الصَّلاةُ أحَدُ أركانِ الدِّينِ [540] وهيَ أعظَمُ الأركانِ بَعدَ الشَّهادَتَينِ. عن ابنِ عُمَرَ رضِيَ اللهُ عنهما، قال: قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((بُنيَ الإسلامُ على خَمسٍ: شَهادةِ أنْ لا إلهَ إلَّا اللَّهُ وأنَّ مُحَمَّدًا رَسولُ اللهِ، وإقامِ الصَّلاةِ، وإيتاءِ الزَّكاةِ، والحَجِّ، وصَومِ رَمَضانَ)). [أخرجه البخاري (8) واللَّفظُ له، ومسلم (16)]. وفي رِوايةٍ: ((بُنيَ الإسلامُ على خَمسٍ: على أن يُعبَدَ اللَّهُ، ويُكفَرَ بما دونَه، وإقامِ الصَّلاةِ، وإيتاءِ الزَّكاةِ، وحَجِّ البَيتِ، وصَومِ رَمَضانَ)) [أخرجها مُسلم (16)]، وفي رِوايةٍ أُخرى: ((بُنيَ الإسلامُ على خَمسةٍ: على أن يوحَّدَ اللَّهُ، وإقامِ الصَّلاةِ، وإيتاءِ الزَّكاةِ، وصيامِ رَمَضانَ، والحَجِّ)) [أخرجها مسلم (16)]. وعن أبي هرَيرةَ رَضِيَ اللهُ عنه، قال: ((كان النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بارِزًا يَومًا للنَّاسِ، فأتاه جِبريلُ فقال: ما الإيمانُ؟ قال: الإيمانُ أن تُؤمِنَ باللهِ ومَلائِكَتِه، وكُتُبِه، وبلقائِه، ورُسُلِه، وتُؤمِنَ بالبَعثِ. قال: ما الإسلامُ؟ قال: الإسلامُ أن تَعبُدَ اللَّهَ ولا تُشرِكَ به شَيئًا، وتُقيمَ الصَّلاةَ، وتُؤَدِّيَ الزَّكاةَ المَفروضةَ، وتَصومَ رَمَضانَ. قال: ما الإحسانُ؟ قال: أن تَعبُدَ اللَّهَ كَأنَّك تَراه، فإن لم تَكُنْ تَراه فإنَّه يَراك)). [أخرجه البخاري (50) واللَّفظُ له، ومسلم (9)]. وعن ابنِ عُمَرَ رضِيَ اللهُ عنهما، أنَّ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((أُمِرتُ أن أُقاتِلَ النَّاسَ حتَّى يَشهَدوا أنْ لا إلهَ إلَّا اللَّهُ، وأنَّ مُحَمَّدًا رَسولُ اللهِ، ويُقيموا الصَّلاةَ، ويُؤتوا الزَّكاةَ، فإذا فعَلوا ذلك عَصَموا مِنِّي دِماءَهم وأموالَهم إلَّا بحَقِّ الإسلامِ، وحِسابُهم على اللهِ)). [أخرجه البخاري (25) واللَّفظُ له، ومسلم (22)]. وعن ابنِ عبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهما أنَّ مُعاذًا رَضِيَ اللهُ عنه قال: ((بَعَثَني رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، قال: إنَّك تَأتي قَومًا مِن أهلِ الكِتابِ فادعُهم إلى شَهادةِ أنْ لا إلهَ إلَّا اللَّهُ وأنِّي رَسولُ اللهِ، فإن هم أطاعوا لذلك فأعلِمْهم أنَّ اللَّهَ افتَرَضَ عليهم خَمسَ صَلواتٍ في كُلِّ يَومٍ وليلةٍ، فإن هم أطاعوا لذلك فأعلِمْهم أنَّ اللَّهَ افتَرَضَ عليهم صَدَقةً تُؤخَذُ مِن أغنيائِهم فتُرَدُّ في فُقَرائِهم، فإن هم أطاعوا لذلك فإيَّاكَ وكَرائِمَ أموالِهم، واتَّقِ دَعوةَ المَظلومِ؛ فإنَّه ليسَ بَينَها وبَينَ اللهِ حِجابٌ)). [أخرجه البخاري (1395)، ومسلم (19) واللَّفظُ له]. ، والفارِقُ بَينَ الكُفَّارِ والمُؤمِنينَ [541] قال رَبُّنا جَلَّ ثَناؤُه: إِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ [التوبة: 11]، وقال عَزَّ وجَلَّ: فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ [التوبة: 5] . وعن جابِرِ بنِ عبدِ اللهِ رَضِيَ اللهُ عنهما، قال: سَمِعتُ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يَقولُ: ((إنَّ بَينَ الرَّجُلِ وبَينَ الشِّركِ والكُفرِ تَركَ الصَّلاةِ)). [أخرجه مسلم (82)]. وعن بُرَيدةَ رَضِيَ اللهُ عنه، قال: قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((العَهدُ الذي بَينَنا وبَينَهمُ الصَّلاةُ، فمَن تَركَها فقد كَفَرَ)). [أخرجه الترمذي (2621) واللَّفظُ له، والنسائي (463)، وابن ماجه (1079). صَحَّحه ابنُ حبان في ((صحيحه)) (1454)، وابن العربي في ((العواصم من القواصم)) (262)، وابن تيمية في ((الفتاوى الكبرى)) (2/23)، وابن باز في ((فتاوى نور على الدرب)) (20/210)، والألباني في ((صحيح سنن الترمذي)) (2621)، والوادعي على شرط مسلم في ((الصحيح المسند مما ليس في الصحيحين)) (171)]. وعن عبدِ اللهِ بنِ شَقيقٍ العقيليِّ، قال: (كان أصحابُ مُحَمَّدٍ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم لا يَرَونَ شَيئًا مِنَ الأعمالِ تَركُه كُفرٌ غَيرَ الصَّلاةِ). [أخرجه الترمذي (2622) واللَّفظُ له، ومحمد بن نصر المروزي في ((تعظيم قدر الصلاة)) (948). صَحَّحه ابنُ تيمية في ((الفتاوى الكُبرى)) (2/23)، والألباني في ((صحيح سنن الترمذي)) (2622)، وصحح إسناده النووي في ((المجموع)) (3/16)، والعراقي في ((طرح التثريب)) (2/146)، والسخاوي في ((الأجوبة المرضية)) (2/819)]. ، وهيَ شِعارُ دارِ المُسلِمينَ [542] عن أنَسِ بنِ مالكٍ رَضِيَ اللهُ عنه: ((أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم كان إذا غَزا بنا قَومًا لم يَكُنْ يَغزو بنا حتَّى يُصبِحَ ويَنظُرَ، فإن سَمِع أذانًا كَفَّ عنهم، وإن لم يَسمَعْ أذانًا أغارَ عليهم)). [أخرجه البخاري (610) واللَّفظُ له، ومسلم (1365)]. وعنه رَضِيَ اللهُ عنه، قال: قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((مَن صَلَّى صَلاتَنا واستَقبَل قِبلتَنا، وأكَلَ ذَبيحَتَنا، فذلك المُسلِمُ الذي له ذِمَّةُ اللهِ وذِمَّةُ رَسولِه، فلا تُخفِروا اللَّهَ في ذِمَّتِه)). [أخرجه البخاري (391)]. ، وسَمَّاها اللَّهُ إيمانًا في القُرآنِ المُبينِ [543] قال تعالى: وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْهَا إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ وَإِنْ كَانَتْ لَكَبِيرَةً إِلَّا عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ [البقرة: 143] . فقَولُه تعالى: وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ يَعني: صَلاتَكُم نَحوَ بَيتِ المَقدِسِ. يُنظر: ((صحيح البخاري)) (1/ 17)، ((جامع البيان)) لابن جرير الطبري (2/ 650). وعن أبي مالكٍ الأشعَريِّ رَضِيَ اللهُ عنه، قال: قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((الطُّهورُ شَطرُ الإيمانِ...)) الحَديث. [أخرجه مسلم (223)، ولفظُه: عن أبي مالكٍ الأشعَريِّ قال: قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((الطُّهورُ شَطرُ الإيمانِ، والحَمدُ للهِ تَملأُ الميزانَ، وسُبحانَ اللهِ والحَمدُ للهِ تَملآنِ -أو تَملأُ- ما بَينَ السَّمَواتِ والأرضِ، والصَّلاةُ نورٌ، والصَّدَقةُ بُرهانٌ، والصَّبرُ ضياءٌ، والقُرآنُ حُجَّةٌ لكَ أو عليكَ، كُلُّ النَّاسِ يَغدو فبايِعٌ نَفسَه فمُعتِقُها، أو موبقُها))]. قال ابنُ الجَوزيِّ: (الطُّهورُ هاهنا يُرادُ به التَّطَهُّرُ. والشَّطرُ: النِّصفُ. وكَأنَّ الإشارةَ إلى الصَّلاةِ وأنَّها لا تَصِحُّ إلَّا بالطَّهارةِ فكَأنَّها نِصفُها. وقد سَمَّى اللَّهُ عَزَّ وجَلَّ الصَّلاةَ إيمانًا بقَولِه: وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ [البقرة: 143] . ((كشف المشكل)) (4/ 155). وقال النَّوويُّ: (اختُلِف في مَعنى قَولِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: «الطُّهورُ شَطرُ الإيمانِ»... وقيل: المُرادُ بالإيمانِ هنا الصَّلاةُ، كَما قال اللهُ تعالى: وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ [البقرة: 143] ، والطَّهارةُ شَرطٌ في صِحَّةِ الصَّلاةِ، فصارَت كالشَّطرِ، وليسَ يَلزَمُ في الشَّطرِ أن يَكونَ نِصفًا حَقيقيًّا، وهذا القَولُ أقرَبُ الأقوالِ). ((شرح مسلم)) (3/ 100). وقال الحليميُّ: (وليسَ في العِباداتِ بَعدَ الإيمانِ الدَّافِعِ للكُفرِ عِبادةٌ سَمَّاها اللَّهُ عَزَّ وجَلَّ إيمانًا، وسَمَّى رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم تَركَها كُفرًا إلَّا الصَّلاةَ؛ فإنَّ اللَّهَ عَزَّ وجَلَّ لمَّا حَوَّل القِبلةَ مِن بَيتِ المَقدِسِ إلى الكَعبةِ، وأهَمَّ المُسلمينَ أمرُ الصَّلاةِ التي صَلَّوها إلى بَيتِ المَقدِسِ، أنزَل قَولَه عَزَّ وجَلَّ: وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ [البقرة: 143] ، يَعني تلك الصَّلواتِ... وقد ذَكَرَ اللهُ عَزَّ وجَلَّ الإيمانَ والصَّلاةَ، ولم يَذكُرْ مَعَهما غَيرَهما، دَلالةً بذلك على اختِصاصِ الصَّلاةِ بالإيمانِ والتِزامِها به، فقال: فَلَا صَدَّقَ وَلَا صَلَّى [القيامة: 31] ، أي: فلا هو صَدَّقَ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فآمَنَ به ولا صَلَّى؛ لأنَّه إذا لم يُصَدِّقْ بالرِّسالةِ وكانتِ الصَّلاةُ إحدى الرِّسالاتِ، لم يُصَلِّ. وقال: وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ ارْكَعُوا لَا يَرْكَعُونَ (48) وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (49) فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ [المرسلات: 48 - 50] ، فوبَّخَهم على تَركِ الصَّلاةِ كَما وبَّخَهم على تَركِ الإيمانِ. وقد ذَكَرَ عَزَّ وجَلَّ الصَّلاةَ وَحدَها بذلك؛ دَلالةً بذلك على أنَّها عِمادُ الدِّينِ، فذَكَر الأنبياءَ والمُتَّقينَ ومَدَحهم بأنَّهم كانوا: إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُ الرَّحْمَنِ خَرُّوا سُجَّدًا وَبُكِيًّا [مريم: 58] ، ثُمَّ ذَكَرَ مَن خالف هُداهم فذَمَّهم، فقال: فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ [مريم: 59] ، فقد مَدَحَهم حينَ مَدحَهم على الصَّلاةِ أو ما يجري مَجرى الصَّلاةِ مِنَ السُّجودِ، وقَصَر ذَنبَهم على تَركِ الصَّلاةِ، ثُمَّ أخبَرَ بما يؤدِّيهم إليه مِن سوءِ العاقِبةِ، فقال: فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا [مريم: 59] . ((المنهاج في شعب الإيمان)) (2/ 288، 292). ويُنظر: ((شعب الإيمان)) للبيهقي (4/ 293، 294). ، وكانت آخِرَ وصايا رَسولِ رَبِّ العالمينَ [544] لفظُه: عن عليٍّ عليه السَّلامُ قال: كان آخِرَ كَلامِ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((الصَّلاةَ الصَّلاةَ، اتَّقوا اللَّهَ فيما مَلكَت أيمانُكُم)). أخرجه أبو داود (5156)، وأحمد (585) واللَّفظُ لهما، وابن ماجه (2698) مُختَصَرًا. صَحَّحه لغيره الألباني في ((صحيح الترغيب)) (2285)، وشعيب الأرناؤوط في تخريج ((سنن أبي داود)) (5156)، وصحح إسناده الطبري في ((مسند علي)) (166)، وأحمد شاكر في تخريج ((مسند أحمد)) (2/129) وذكر ثبوته ابن كثير في ((التفسير)) (2/264). ، وهيَ أوَّلُ ما يُحاسَبُ عليه العَبدُ يَومَ الدِّينِ [545] عن أنَسِ بنِ حَكيمٍ الضَّبِّيِّ، قال: خاف مِن زيادٍ أوِ ابنِ زيادٍ، فأتى المَدينةَ فلقيَ أبا هرَيرةَ، قال: فنسبني فانتَسَبتُ له، فقال: يا فتى، ألَا أُحَدِّثُك حَديثًا؟ قال: قُلتُ: بَلى رَحِمَك اللهُ، قال يونُسُ: وأحسَبُه ذَكَرَه عنِ النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسَلَّمَ، قال: ((إنَّ أوَّلَ ما يُحاسَبُ النَّاسُ به يَومَ القيامةِ مِن أعمالهمُ الصَّلاةُ، قال: يَقولُ رَبُّنا عزَّ وجَلَّ لمَلائِكَتِه -وهو أعلمُ- انظُروا في صَلاةِ عَبدي أتَمَّها أم نَقَصَها، فإن كانت تامَّةً كُتِبَت له تامَّةً، وإن كان انتَقَصَ مِنها شَيئًا قال: انظُروا هَل لعَبدي مِن تَطَوُّعٍ؟ فإن كان له تَطَوُّعُ قال: أتِمُّوا لعَبدي فريضَتَه مِن تَطَوُّعِه، ثُمَّ تُؤخَذُ الأعمالُ على ذاكُم)). أخرجه من طرقٍ: أبو داود (864) واللَّفظُ له، وابن ماجه (1425)، وأحمد (9494). صَحَّحه بطُرُقِه وشَواهدِه شعيب الأرناؤوط في تَخريج ((مسند أحمد)) (9494)، وحَسَّنه البغوي في ((شرح السنة)) (2/529)، وصحح إسناده الحاكم في ((المستدرك)) (981). وأخرجه من طريق آخر الترمذي (413)، والنسائي (465) من حديثِ أبي هرَيرةَ رَضِيَ اللهُ عنه، ولفظُ الترمذيِّ: عن حُرَيثِ بنِ قبيصةَ، قال: قَدِمتُ المَدينةَ فقُلتُ: اللهُمَّ يَسِّرْ لي جَليسًا صالحًا، قال: فجَلستُ إلى أبي هرَيرةَ، فقُلتُ: إنِّي سَألتُ اللَّهَ أن يَرزُقَني جَليسًا صالحًا فحَدِّثْني بحَديثٍ سَمِعتَه مِن رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم؛ لعَلَّ اللَّهَ أن يَنفَعَني به، فقال: سَمِعتُ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يَقولُ: ((إنَّ أوَّلَ ما يُحاسَبُ به العَبدُ يَومَ القيامةِ مِن عَمَلِه صَلاتُه، فإن صَلَحَت فقد أفلَح وأنجَحَ، وإن فسَدَت فقد خابَ وخَسِرَ، فإنِ انتَقَصَ مِن فريضَتِه شَيءٌ، قال الرَّبُّ عَزَّ وجَلَّ: انظُروا هَل لعَبدي مِن تَطَوُّعٍ؟ فيُكمَلُ بها ما انتَقَصَ مِنَ الفريضةِ، ثُمَّ يَكونُ سائِرُ عَمَلِه على ذلك)). صَحَّحه لغَيرِه الألباني في ((هداية الرواة)) (1280)، وصححه بشواهده شعيب الأرناؤوط في تخريج ((العواصم والقواصم)) (9/132)، وذكر ثبوته ابن العراقي في ((طرح التثريب)) (3/34)، وقال النووي في ((المجموع)) (4/55): إسناده صحيح بمعناه، وقال الشوكاني في ((نيل الأوطار)) (1/374) إسنادُ النَّسائي جَيِّدٌ. ، وهيَ نورٌ وبُرهانٌ [546] عن أبي مالكٍ الأشعَريِّ رَضِيَ اللهُ عنه، قال: قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((الصَّلاةُ نورٌ)). [أخرجه مسلم (223) ولفظُه: عن أبي مالكٍ الأشعَريِّ، قال: قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((الطُّهورُ شَطرُ الإيمانِ، والحَمدُ للهِ تَملأُ الميزانَ، وسُبحانَ اللهِ والحَمدُ للهِ تَملآنِ -أو تَملأُ- ما بَينَ السَّمَواتِ والأرضِ، والصَّلاةُ نورٌ، والصَّدَقةُ بُرهانٌ، والصَّبرُ ضياءٌ، والقُرآنُ حُجَّةٌ لكَ أو عليكَ، كُلُّ النَّاسِ يَغدو فبايِعٌ نَفسَه فمُعتِقُها، أو موبقُها))]. وعن كَعبِ بنِ عُجرةَ رَضِيَ اللهُ عنه، قال: قال لي رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((يا كَعبُ بنَ عُجرةَ، الصَّلاةُ بُرهانٌ، والصَّومُ جُنَّةٌ حَصينةٌ، والصَّدَقةُ تُطفِئُ الخَطيئةَ كَما يُطفِئُ الماءُ النَّارَ)). [أخرجه الترمذي (614) واللَّفظُ له، والطبراني (19/105) (212). صَحَّحه ابنُ حَجَرٍ في ((الأمالي المطلقة)) (215)، وأحمد شاكر في ((شرح سنن الترمذي)) (2/513)، والألباني في ((صحيح سنن الترمذي)) (614)]. وعن جابِرِ بنِ عبدِ اللهِ رَضِيَ اللهُ عنهما ((أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال لكَعبِ بنِ عُجرةَ: ((الصَّلاةُ قُربانٌ، أو قال: بُرهانٌ)). [أخرجه أحمد (14441) واللفظ له، والدارمي (2818) مختصرًا، وابن حبان (4514) باختلاف يسير. صححه ابن حبان، والذهبي على شرط الشيخين في ((الكبائر)) (223)، وابن حجر في ((الأمالي المطلقة)) (213)، وصححه لغيره الألباني في ((صحيح الترغيب)) (2242)]. ونَجاةٌ لمَن كان عليها مِنَ المُحافِظينَ [547] عن عبدِ اللهِ بنِ عَمرٍو رضِيَ اللهُ عنهما، عنِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((أنَّه ذَكَرَ الصَّلاةَ يَومًا فقال: مَن حافظَ عليها كانت له نورًا وبُرهانًا، ونَجاةً يَومَ القيامةِ، ومَن لم يُحافِظْ عليها لم يَكُنْ له نورٌ، ولا بُرهانٌ، ولا نَجاةٌ، وكان يَومَ القيامةِ مَعَ قارونَ، وفِرعَونَ، وهامانَ، وأُبَيِّ بنِ خَلَفٍ)). [أخرجه أحمَد (6576) واللَّفظُ له، والدَّارِمَي (2763)، وابن حبان (1467). صَحَّحه ابنُ حبان، والعراقي في ((طرح التثريب)) (2/147)، وابن باز في ((مجموع الفتاوى)) (12/319)، وصحح إسناده أحمد شاكر في تخريج ((مسند أحمد)) (10/83)، وجوده المنذري في ((الترغيب والترهيب)) (1/264)، ومحمد ابن عبد الهادي في ((تنقيح التحقيق)) (2/614)] قال ابنُ القَيِّمِ: (فيه نُكتةٌ بَديعةٌ، وهو أنَّ تارِكَ المُحافَظةِ على الصَّلاةِ إمَّا أن يَشغَله مالُه أو مُلكُه أو رياسَتُه أو تِجارَتُه، فمَن شَغَله عنها مالُه فهو مَعَ قارونَ، ومَن شَغله عنها مُلكُه فهو مَعَ فِرعَونَ، ومَن شَغَله عنها رياسةٌ ووِزارةٌ فهو مَعَ هامانَ، ومَن شَغَله عنها تِجارَتُه فهو مَعَ أُبَيِّ بنِ خَلَفٍ). ((الصلاة وأحكام تاركها)) (ص: 51). .
قال ابنُ القَيِّمِ: (وأمَّا الصَّلاةُ فشَأنُها في تَفريحِ القَلبِ وتَقويَتِه، وشَرحِه وابتِهاجِه ولذَّتِه أكبَرُ شَأنٍ، وفيها مِنِ اتِّصالِ القَلبِ والرُّوحِ باللهِ، وقُربِه والتَّنَعُّمِ بذِكرِه، والابتِهاجِ بمُناجاتِه، والوُقوفِ بَينَ يَدَيه، واستِعمالِ جَميعِ البَدَنِ وقُواه وآلاتِه في عُبوديَّتِه، وإعطاءِ كُلِّ عُضوٍ حَظَّه مِنها، واشتِغالِه عنِ التَّعَلُّقِ بالخَلقِ ومُلابَسَتِهم ومُحاوراتِهم، وانجِذابِ قوى قَلبِه وجَوارِحِه إلى رَبِّه وفاطِرِه، وراحَتِه من عَدوِّه حالةَ الصَّلاةِ ما صارَت به من أكبَرِ الأدويةِ والمُفَرِّحاتِ والأغذيةِ التي لا تُلائِمُ إلَّا القُلوبَ الصَّحيحةَ. وأمَّا القُلوبُ العليلةُ فهيَ كالأبدانِ لا تُناسِبُها إلَّا الأغذيةُ الفاضِلةُ.
فالصَّلاةُ مِن أكبَرِ العَونِ على تَحصيلِ مَصالِحِ الدُّنيا والآخِرةِ، ودَفعِ مَفاسِدِ الدُّنيا والآخِرةِ، وهيَ مَنهاةٌ عنِ الإثمِ، ودافِعةٌ لأدواءِ القُلوبِ، ومَطرَدةٌ للدَّاءِ عنِ الجَسَدِ، ومُنَوِّرةٌ للقَلبِ، ومُبَيِّضةٌ للوَجهِ، ومُنَشِّطةٌ للجَوارِحِ والنَّفسِ، وجالبةٌ للرِّزقِ، ودافِعةٌ للظُّلمِ، وناصِرةٌ للمَظلومِ، وقامِعةٌ لأخلاطِ الشَّهَواتِ، وحافِظةٌ للنِّعمةِ، ودافِعةٌ للنِّقمةِ، ومُنزِلةٌ للرَّحمةِ، وكاشِفةٌ للغُمَّةِ [548] قال تعالى: وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِمَا يَقُولُونَ * فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ [الحجر: 97، 98]. قال الشِّنقيطيُّ: (اعلَمْ أنَّ تَرتيبَه جَلَّ وعَلا الأمرَ بالتَّسبيحِ والسُّجودِ على ضيقِ صَدرِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بسَبَبِ ما يَقولونَ له مِنَ السُّوءِ: دَليلٌ على أنَّ الصَّلاةَ والتَّسبيحَ سَبَبٌ لزَوالِ ذلك المَكروهِ؛ ولذا كان صلَّى اللهُ عليه وسلَّم إذا حَزَبه أمرٌ بادَرَ إلى الصَّلاةِ، وقال تعالى: وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ الآية [البقرة: 45]. ويُؤَيِّدُ هذا ما رَواه الإمامُ أحمَدُ وأبو داودَ والنَّسائيُّ من حديثِ نُعَيمِ بنِ هَمَّارٍ رَضِيَ اللهُ عنه، أنَّه سَمِعَ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يَقولُ: «قال اللهُ تعالى: يا ابنَ آدَمَ، لا تَعجِزْ عن أربَعِ رَكَعاتٍ مِن أوَّلِ النَّهارِ أكفِكَ آخِرَه»، فيَنبَغي للمُسلمِ إذا أصابَه مَكروهٌ أن يَفزَعَ إلى اللهِ تعالى بأنواعِ الطَّاعاتِ مِن صَلاةٍ وغَيرِها). ((أضواء البيان)) (2/ 323). [549] ((زاد المعاد في هدي خير العباد)) (4/ 192). .
وفضائِلُ الصَّلاةِ كَثيرةٌ.
وفيما يَلي بَيانُ أهَمِّ آدابِ الصَّلاةِ:

انظر أيضا: