موسوعة الآداب الشرعية

تاسِعًا: صلاةُ اللَّيلِ مَثنى مَثنى


صَلاةُ اللَّيلِ مَثنى مَثنى [774] مَثنى مثنى: أي: ثُنائيَّةٌ لا رُباعيَّةٌ، ومَثْنى: مَعدولٌ مِن: اثنَينِ اثنَينِ. يُنظر: ((النهاية)) لابن الأثير (1/225). وعند مسلم (749): قيل لابنِ عُمَرَ: ما مَثنى مَثنى؟ قال: تُسَلِّمُ في كُلِّ رَكعَتَينِ. أي: رَكعَتانِ رَكعَتانِ [775] وهذا مَذهَبُ الجُمهورِ: المالكيَّةِ، والشَّافِعيَّةِ، والحَنابلةِ، وقَولُ أبي يوسُفَ ومُحَمَّدٍ مِنَ الحَنَفيَّةِ، واختارَه ابنُ بازٍ، وابنُ عُثَيمين. يُنظر: ((مواهب الجليل)) للحطاب (2/464)، ((مغني المحتاج)) للشربيني (1/228)، ((شرح منتهى الإرادات)) للبهوتي (1/248)، ((المبسوط)) للسرخسي (1/147)، ((مجموع فتاوى ابن باز)) (11/324)، ((مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)) (20/412). .
الدَّليلُ على ذلك مِنَ السُّنَّةِ:
1-عن ابنِ عُمرَ رَضِيَ اللهُ عنهما، ((أنَّ رجلًا سألَ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم عن صلاةِ اللَّيلِ، فقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: صلاةُ الليلِ مَثْنَى مَثْنَى [776] قال النَّوويُّ: (هذا الحَديثُ مَحمولٌ على بَيانِ الأفضَلِ، وهو أن يُسَلِّمَ مِن كُلِّ رَكعَتَينِ، وسَواءٌ نَوافِلُ اللَّيلِ والنَّهارِ، يُستَحَبُّ أن يُسَلِّمَ مِن كُلِّ رَكعَتَينِ). ((شرح مسلم)) (6/30). هذا، والقَولُ بأنَّ صَلاةَ اللَّيلِ -وكَذا النَّهارُ- مثنى مثنى هو مَذهَبُ الجُمهورِ: المالكيَّةِ، والشَّافِعيَّةِ، والحَنابلةِ، وهو قَولُ داودَ الظَّاهريِّ. يُنظر: ((الكافي)) لابن عبد البر (1/257)، ((المجموع)) للنووي (4/49، 51)، ((الإقناع)) للحجاوي (1/152)، ((الاستذكار)) لابن عبد البر (2/109). على أنَّ مَذهَبَ الحَنابلةِ: أنَّ صَلاةَ التَّطَوُّعِ في اللَّيلِ لا تَجوزُ إلَّا مثنى مثنى، والأفضَلُ في تَطَوُّعِ النَّهارِ كذلك مثنى مثنى، وإن تَطَوَّعَ بأربَعٍ في النَّهارِ، فلا بَأسَ. ويُنظر: ((المغني)) لابن قدامة (2/91)، ((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (4/79). ، فإذا خشِي أحدُكم الصُّبحَ، صلَّى ركعةً واحدةً تُوتِرُ له ما قدْ صلَّى)) [777] أخرجه البخاري (990)، ومسلم (749). .
2- عن عائِشةَ رَضِيَ اللهُ عنها ((أنَّ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم كان يُصَلِّي باللَّيلِ إحدى عَشرةَ رَكعةً، يوتِرُ مِنها بواحِدةٍ، فإذا فرَغَ مِنها اضطَجَعَ على شِقِّه الأيمَنِ، حتَّى يَأتيَه المُؤَذِّنُ، فيُصَلِّي رَكعَتَينِ خَفيفتَينِ)) [778] أخرجه البخاري (1123)، ومسلم (736) واللفظ له. .
مسألةٌ: هل لقيامِ اللَّيلِ حدٌّ يقتصرُ عليه؟
 ليس في قيامِ اللَّيلِ حدٌّ لا يُزادُ عليه ولا يُنقصُ منه [779] فالأمرُ في ذلك واسعٌ. قال ابنُ تيميَّةَ: (كما أنَّ نفْسَ قيامِ رمضانَ لم يوقِّتِ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فيه عددًا معيَّنًا؛ بل كان هو صلَّى اللهُ عليه وسلَّم لا يَزيدُ في رمضانَ ولا غيرِه على ثلاثَ عَشْرةَ ركعةً، لكنْ كان يُطيلُ الرَّكَعاتِ، فلمَّا جمَعهم عُمَرُ على أُبَيِّ بنِ كعبٍ كان يُصلِّي بهم عِشرينَ ركعةً ثمَّ يوترُ بثلاثٍ، وكان يخفُّ القراءةَ بقدْرِ ما زاد مِن الرَّكَعاتِ؛ لأنَّ ذلك أخَفُّ على المأمومينَ مِن تطويلِ الرَّكعةِ الواحدةِ، ثمَّ كان طائفةٌ مِن السَّلفِ يَقومون بأربعينَ ركعةً ويوتِرون بثلاثٍ، وآخَرون قاموا بسِتٍّ وثلاثينَ وأَوْتَروا بثلاثٍ، وهذا كلُّه سائغٌ، فكَيْفَما قام في رمضانَ مِن هذه الوُجوهِ فقد أحسَنَ... ومَن ظنَّ أنَّ قيامَ رمضانَ فيه عددٌ موقَّتٌ عن النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم لا يُزادُ فيه ولا يُنقصُ منه فقد أخطأ). ((مجموع الفتاوى)) (22/272). وقال الشَّوْكانيُّ: (والحاصلُ: أنَّ الَّذي دلَّت عليه أحاديثُ البابِ وما يُشابِهُها هو مَشروعيَّةُ القيامِ في رمضانَ، والصَّلاة فيه جماعةً وفُرادى، فقَصْرُ الصَّلاةِ المُسمَّاةِ بالتَّراويحِ على عددٍ معيَّنٍ، وتخصيصُها بقراءةٍ مخصوصةٍ لم يَرِدْ به سُنَّةٌ). ((نيل الأوطار)) (5/108). وقال ابن باز: (ثبَت عن النَّبيِّ عليه الصلاة والسلام ما يدُلُّ على التَّوسِعةِ في صلاةِ اللَّيلِ، وعدمِ تحديدِ رَكَعاتٍ مُعيَّنةٍ، وأنَّ السُّنَّةَ أن يُصلِّيَ المؤمنُ -وهكذا المؤمنةُ- مَثْنَى مَثْنَى، يُسلِّمُ مِن كلِّ اثنتَينِ). ((مجموع فتاوى ابن باز)) (11/320). وقال ابنُ عُثيمين: (لا ينبغي لنا أن نغلوَ أو نُفرِّطَ، فبعضُ النَّاسِ يَغلو مِن حيثُ التِزامُ السُّنَّةِ في العددِ، فيقولُ: لا تجوزُ الزِّيادةُ على العددِ الَّذي جاءت به السُّنَّةُ، ويُنكِرُ أشدَّ النَّكيرِ على مَن زاد على ذلك، ويقولُ: إنَّه آثمٌ عاصٍ! وهذا لا شكَّ أنَّه خطأٌ، وكيف يكونُ آثمًا عاصيًا وقد سُئل النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم عن صلاةِ اللَّيلِ، فقال: «مَثْنَى مَثْنى»، ولم يحدِّدْ بعددٍ؟! ومِن المعلومِ أنَّ الَّذي سأله عن صلاةِ اللَّيلِ لا يعلمُ العددَ؛ لأنَّ مَن لا يعلمُ الكَيفيَّةَ فجهلُه بالعددِ مِن بابِ أَوْلى، وهو ليس ممَّن خدَم الرَّسولَ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم حتَّى نقولَ: إنَّه يَعلَمُ ما يحدُثُ داخلَ بَيتِه، فإذا كان النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بيَّن له كَيفيَّةَ الصَّلاةِ دونَ أن يُحدِّدَ له بعددٍ؛ عُلِم أنَّ الأمرَ في هذا واسعٌ، وأنَّ للإنسانِ أن يُصلِّيَ مئةَ ركعةٍ ويوتِرَ بواحدةٍ). ((الشرح الممتع)) (4/53). وقال أيضًا: (وأمَّا عدَدُها: فإحدى عَشْرةَ ركعةً... وإنْ صلَّاها ثلاثَ عَشْرةَ ركعةً فلا بأسَ... وإنْ زاد على ذلك فلا بأسَ...، والأمرُ في ذلك واسعٌ، لكن الأفضل الاقتصارُ على ما جاء عن النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وهي الإحدى عَشْرةَ، أو الثَّلاثَ عَشْرةَ). ((مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)) (14/187، 188). واختَلف أهلُ العِلم في الأفضل؛ فذهب بعضُهم إلى أنَّها إحدى عَشْرةَ ركعةً، أو ثلاثَ عَشْرةَ ركعةً مع تطويلِها. قال ابنُ عبدِ البَرِّ: (وأكثرُ الآثارِ على أنَّ صلاتَه كانت بالوِتْرِ إحدى عَشْرةَ ركعةً، وقد رُويَ ثلاثَ عَشْرةَ ركعةً؛ فمِنهم مَن قال: فيها رَكْعَتا الفَجرِ، ومنهم مَن قال: إنَّها زيادةٌ حَفِظَها مَن تُقْبَلُ زيادتُه بما نقل منه، ولا يَضُرُّها تقصيرُ مَن قصَّر عنها). ((التمهيد)) (21/69، 70). وقال الصَّنْعانيُّ: (والحديثُ دليلٌ على فضيلةِ قيامِ رمضانَ، والَّذي يَظهَرُ أنَّه يحصُلُ بصلاةِ الوِتْرِ إحدى عَشْرةَ ركعةً كما كان صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يفعلُ في رمضانَ وغيرِه كما سلَف في حديثِ عائشةَ). ((سبل السلام)) (2/173). وقالت اللَّجنةُ الدَّائمةُ: (وأفضَلُ الصَّلاةِ في اللَّيلِ إحدى عَشْرةَ ركعةً؛ يُسَلِّمُ مِن كلِّ ركعتَينِ). ((فتاوى اللجنة الدائمة- المجموعة الثانية)) (6/59). وقال ابنُ باز: (وأصحُّ ما ورد عنه عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ الإيتارُ بثلاثَ عَشْرةَ أو إحدى عَشْرةَ ركعةً، والأفضلُ إحدى عَشْرةَ، فإنْ أوتَرَ بثلاثَ عَشْرةَ فهو أيضًا سُنَّةٌ وحسَنٌ، وهذا العددُ أرفقُ بالنَّاسِ، وأعوَنُ للإمامِ على الخُشوعِ في رُكوعِه وسُجودِه وفي قِراءتِه، وفي ترتيلِ القراءةِ وتدَبُّرِها، وعدم العجلةِ في كلِّ شيءٍ، وإنْ أوتَرَ بثلاثٍ وعشرينَ كما فعَل ذلك عُمَرُ والصَّحابةُ رضيَ الله عنهم في بعضِ اللَّيالي مِن رمضانَ فلا بأسَ؛ فالأمرُ واسعٌ). ((مجموع فتاوى ابن باز)) (11/322). وقال ابنُ عُثيمين: (الصَّحيح في هذه المسألةِ: أنَّ السُّنَّةَ في التَّراويحِ أن تكونَ إحدى عَشْرةَ ركعةً، يُصلِّي عَشْرًا شَفعًا، يُسلِّمُ مِن كلِّ ركعتين، ويُوترُ بواحدةٍ. والوترُ كما قال ابنُ القيِّمِ: هو الواحدةُ، ليس الرَّكَعاتِ الَّتي قَبْلَه، فالَّتي قبْلَه مِن صلاةِ اللَّيلِ، والوترُ هو الواحدةُ، وإنْ أوتَرَ بثلاثٍ بعدَ العَشرِ وجعَلَها ثلاثَ عَشْرةَ ركعةً فلا بأسَ؛ لأنَّ هذا أيضًا صحَّ مِن حديثِ عبدِ الله بنِ عبَّاسٍ رضي الله عنهما: أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم صلَّى ثلاثَ عشرةَ ركعةً، فهذه هي السُّنَّةُ، ومع ذلك لو أنَّ أحدًا مِن النَّاسِ صلَّى بثلاثٍ وعشرين، أو بأكثرَ مِن ذلك، فإنَّه لا يُنكَرُ عليه). ((الشرح الممتع)) (4/51). وذهب جمهورُ الفُقهاءِ إلى أنَّ عددَ ركعاتِها عِشْرونَ ركعةً: قال الكاسانيُّ: (وأمَّا قدْرُها فعِشرونَ ركعةً في عَشْرٍ... وهذا قولُ عامَّةِ العُلماءِ، وقال مالكٌ في قولٍ: سِتَّةٌ وثلاثون ركعةً، وفي قولٍ: سِتَّةٌ وعِشرونَ ركعةً، والصَّحيحُ قولُ العامَّة). ((بدائع الصنائع)) (1/288). وقال النَّوَويُّ: (مذهبنا: أنَّها عِشرونَ ركعةً بعَشرِ تسليماتٍ غير الوترِ، وذلك خمسُ ترويحاتٍ، والتَّرويحةُ أربعُ رَكَعاتٍ بتَسليمتَينِ، هذا مذهبُنا، وبه قال أبو حنيفةَ وأصحابُه، وأحمدُ، وداودُ، وغيرُهم، ونقله القاضي عياضٌ عن جمهورِ العُلماءِ). ((المجموع)) (4/32). وقال ابنُ قُدامةَ: (والمختارُ عندَ أبي عبدِ الله -رحمه الله- فيها عِشرونَ ركعةً، وبهذا قال الثَّوْريُّ وأبو حنيفةَ والشَّافِعيُّ). ((المغني)) (1/456). ومنهم مَن زاد على ذلك إلى ستٍّ وثلاثينَ ركعةً: قال أبو الحسنِ المالِكيُّ: ("ثمَّ صلَّوا" أي: السَّلفُ غير السَّلفِ الأوَّلِ في زمنِ عُمرَ بنِ عبدِ العزيزِ "بعدَ ذلك"، أي: بعدَ القيامِ بعشرينَ ركعةً غير الشَّفعِ والوترِ "ستًّا وثلاثين ركعةً غير الشَّفعِ والوترِ"، وهذا اختيارُ مالكٍ في المدوَّنة... "وكلُّ ذلك"، أي: القيامُ بعِشرينَ ركعةً، أو بسِتٍّ وثلاثين ركعةً "واسعٌ"، أي: جائزٌ). ((كفاية الطالب الرباني)) (1/581). وبعضُهم قال غيرُ ذلك: قال ابنُ تيميَّةَ: (كان النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قيامُه باللَّيلِ هو وترَه، يُصلِّي باللَّيلِ في رمضانَ وغيرِ رمضانَ إحدى عَشْرةَ ركعةً، أو ثلاثَ عَشْرةَ ركعةً، لكنْ كان يُصلِّيها طوالًا، فلمَّا كان ذلك يشُقُّ على النَّاسِ قام بهم أُبَيُّ بنُ كعبٍ في زمنِ عُمرَ بنِ الخطَّابِ عِشرينَ ركعةً يُوتِرُ بعدَها، ويخفِّفُ فيها القيامَ، فكان تضعيفُ العددِ عِوَضًا عن طولِ القيامِ. وكان بعضُ السَّلفِ يقومُ أربعينَ ركعةً، فيكونُ قيامُها أخفَّ، ويوتِرُ بعدَها بثلاثٍ). ((مجموع الفتاوى)) (23/120). وقال أيضًا: (ثبَت أنَّ أُبَيَّ بنَ كعبٍ كان يقومُ بالنَّاسِ عِشرينَ ركعةً في قيامِ رمضانَ ويوتِرُ بثَلاثٍ. فرأى كثيرٌ مِن العُلماءِ أنَّ ذلك هو السُّنَّةُ؛ لأنَّه أقامه بيْن المهاجِرينَ والأنصارِ ولم يُنكِرْه مُنكِرٌ. واستحَبَّ آخَرونَ تسعةً وثلاثين ركعةً؛ بِناءً على أنَّه عمَلُ أهلِ المدينةِ القديمُ. وقال طائفةٌ: قد ثبت في الصَّحيحِ عن عائشةَ أنَّ النَّبي صلَّى اللهُ عليه وسلَّم لم يكُنْ يَزيدُ في رمضانَ ولا غيرِه على ثلاثَ عَشْرةَ ركعةً. واضطرب قَومٌ في هذا الأصل؛ لِمَا ظنُّوه مِن مُعارَضةِ الحديثِ الصَّحيحِ لِمَا ثبَت مِن سُنَّةِ الخلفاءِ الرَّاشِدينَ وعملِ المسلمينَ. والصَّوابُ: أنَّ ذلك جميعَه حسَنٌ كما قد نَصَّ على ذلك الإمامُ أحمدُ رضيَ الله عنه، وأنَّه لا يتوقَّتُ في قيامِ رمضانَ عددٌ؛ فإنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم لم يوقِّتْ فيها عددًا، وحينَئذٍ فيكونُ تكثيرُ الرَّكَعاتِ وتقليلُها بحسَبِ طولِ القيامِ وقِصَرِه...). ((مجموع الفتاوى)) (23/112-114). .
الدَّليلُ على ذلك مِنَ السُّنَّةِ والإجماعِ:
أ- مِنَ السُّنَّةِ
1- عن أبي سَلَمةَ بنِ عبدِ الرحمنِ، أنَّه سألَ عائشةَ رَضِيَ اللهُ عنها: كيف كانتْ صلاةُ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم في رمضانَ؟ فقالت: ((ما كان يَزيدُ في رمضانَ ولا في غيرِه على إحْدى عَشْرةَ ركعةً [780] قال ابنُ عبد البَرِّ: (في هذا الحديثِ البيانُ بأنَّ صلاةَ رسولِ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم في رمضانَ وغيرِه كانت سواءً). ((الاستذكار)) (2/98). ؛ يُصلِّي أربعَ رَكَعاتٍ فلا تسلْ عن حُسْنِهنَّ وطولِهنَّ، ثم يُصلِّي أربعًا فلا تسلْ عن حُسنِهنَّ وطولِهنِّ [781] معناه: هُنَّ في نِهايةٍ مِن كمالِ الحُسنِ والطُّولِ، مستغنيات بظُهورِ حُسنِهنَّ وطولِهنَّ عن السُّؤالِ عنه والوصفِ. ((شرح مسلم)) للنووي (6/20). ، ثم يُصلِّي ثلاثًا)) [782] أخرجه البخاري (2013) واللفظ له، ومسلم (738). .
2- عن ابنِ عبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهما، قال: ((كان صلاةُ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ثلاثَ عَشْرةَ ركعةً. يعني: باللَّيلِ)) [783] أخرجه البخاري (1138) واللفظ له، ومسلم (764). .
وَجهُ الدَّلالةِ من الحَديثينِ:
أنَّه كان صلَّى اللهُ عليه وسلَّم تَختَلِفُ صَلاتُه باللَّيلِ؛ لأنَّه لا حَدَّ لصَلاةِ اللَّيلِ [784] يُنظر: ((المنتقى شرح الموطإ)) لأبي الوليد الباجي (1/ 216). .
3- عن ابنِ عُمرَ رَضِيَ اللهُ عنهما: ((أنَّ رجُلًا سألَ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم عن صلاةِ اللَّيلِ، فقال رسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: صلاةُ اللَّيلِ مَثْنَى مثنَى، فإذا خشِيَ أحدُكم الصُّبحَ صلَّى ركعةً واحدةً، تُوتِرُ له ما قدْ صلَّى)) [785] أخرجه البخاري (990)، ومسلم (749). .
وَجهُ الدَّلالةِ:
أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم لم يحدَّ حدًّا في عددِ الركعاتِ الَّتي يأتي بها المصلِّي قبْلَ الوترِ [786] ((مجموع فتاوى ابن باز)) (11/299). .
ب- مِنَ الإجماعِ
نقَل الإجماعَ على ذلك غيرُ واحدٍ [787] ممن نقَل الإجماعَ على ذلك: ابنُ عبدِ البَرِّ، وعِياضٌ، والعِراقيُّ. قال ابنُ عبد البَرِّ: (وقد أجمَع العلماءُ على أنْ لا حدَّ ولا شيءَ مُقدَّرًا في صلاةِ اللَّيلِ، وأنَّها نافلةٌ؛ فمَن شاء أطال فيها القيامَ وقلَّت ركعاتُه، ومَن شاء أكثَر الرُّكوعَ والسُّجودَ). ((الاستذكار)) (2/102). وقال أيضًا: (أكثرُ الآثارِ على أنَّ صلاتَه كانت إحدى عَشْرةَ ركعةً، وقد رُويَ ثلاثَ عَشْرةَ ركعةً، واحتجَّ العلماءُ على أنَّ صلاةَ اللَّيلِ ليس فيها حدٌّ محدودٌ، والصَّلاةُ خيرُ موضوعٍ، فمَن شاء استقلَّ ومَن شاء استكثر). ((الاستذكار)) (2/98). وقال عياضٌ: (ولا خِلافَ أنَّه ليس في ذلك حدٌّ لا يُزادُ عليه ولا يُنقصُ منه، وأنَّ صلاةَ اللَّيلِ مِن الفضائلِ والرَّغائبِ الَّتي كلَّما زِيدَ فيها زِيد في الأجرِ والفضلِ، وإنَّما الخلافُ في فِعلِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وما اختاره لنفْسِه). ((إكمال المعلم)) (3/82). وقال العِراقيُّ: (قد اتَّفَق العلماءُ على أنَّه ليس له حدٌّ محصورٌ). ((طرح التثريب)) (3/43). .

انظر أيضا: