موسوعة الآداب الشرعية

أولًا: الإيمانُ بالرَّسولِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم


مِن الأدبِ معَ النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم [354] تَنقَسِمُ أنواعُ الأدَبِ مَعَ الرَّسولِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم إلى ثَلاثةِ أنواعٍ: الأوَّلُ: الأدَبُ القَلبيُّ، وهو ما كان مَحَلُّه القَلبَ، كالإيمانِ بنُبوَّتِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ومَحَبَّتِه. الثَّاني: الأدَبُ القَوليُّ، وهو ما كان مَحَلُّه اللِّسانَ، مِثلُ الصَّلاةِ على النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم. الثَّالثُ: الأدَبُ العَمَليُّ، وهو ما كان مَحَلُّه الجَوارِحَ غيرَ اللِّسانِ، مِثلُ اتِّباعِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وطاعَتِه. يُنظر: ((التأدب مع الرسول صلى الله عليه وسلم في ضوء الكتاب والسنة)) لحسن نور حسن (ص: 99). : الإيمانُ بنُبوَّتِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، بَل هو رَأسُ الآدابِ كُلِّها [355] (والإيمانُ به صلَّى اللهُ عليه وسلَّم هو تَصديقُ نُبوَّتِه ورِسالةِ اللهِ له، وتَصديقُه في جَميعِ ما جاءَ به وما قاله، ومُطابَقةُ تَصديقِ القَلبِ بذلك شَهادةَ اللِّسانِ بأنَّه رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فإذا اجتَمَعَ التَّصديقُ به بالقَلبِ والنُّطقُ بالشَّهادةِ بذلك باللِّسانِ، تَمَّ الإيمانُ به والتَّصديقُ له). ((الشفا بتعريف حقوق المصطفى)) للقاضي عياض (2/ 3). .
الدَّليلُ على ذلك مِن الكتابِ والسُّنَّةِ والإجماعِ:
أ- مِنَ الكِتابِ
1-قال تعالى: وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ * قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ [الأعراف: 156 - 158] .
2-قال تعالى: فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالنُّورِ الَّذِي أَنْزَلْنَا وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ [التغابن: 8] .
3-قال تعالى: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِذَا كَانُوا مَعَهُ عَلَى أَمْرٍ جَامِعٍ لَمْ يَذْهَبُوا حَتَّى يَسْتَأْذِنُوهُ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ أُولَئِكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ [النور: 62] .
قَولُه: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ أي: إنَّما المُؤمِنونَ حَقَّ الإيمانِ، الكامِلونَ في إيمانِهم: هم الذين آمَنوا باللهِ ورَسولِه ظاهِرًا وباطِنًا، إيمانًا صحيحًا صادِقًا يتضَمَّنُ القَبولَ والإذعانَ [356] ((التفسير المحرر)) إعداد القسم العلمي بمؤسسة الدُّرر السَّنية (19/ 504). .
4-قال تعالى: إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَنْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ اللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَنْ يَتَّخِذُوا بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلًا * أُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ حَقًّا وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُهِينًا * وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَلَمْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ أُولَئِكَ سَوْفَ يُؤْتِيهِمْ أُجُورَهُمْ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا [النساء: 150 - 152] .
5-قال تعالى: وَمَنْ لَمْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ فَإِنَّا أَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ سَعِيرًا [الفتح: 13] .
ب- مِنَ السُّنَّةِ
1-عن أبي هُرَيرةَ رَضِيَ اللهُ عنه، عن رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أنَّه قال: ((والذي نَفسُ مُحَمَّدٍ بيَدِه، لا يَسمَعُ بي أحَدٌ مِن هذه الأمَّةِ يَهوديٌّ ولا نَصرانيٌّ، ثُمَّ يَموتُ ولم يُؤمِنْ بالذي أُرسِلتُ به إلَّا كان مِن أصحابِ النَّارِ)) [357] أخرجه مسلم (153). .
2- عنِ ابنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهما، قال: ((إنَّ وَفدَ عَبدِ القَيسِ لمَّا أتَوا النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: مَنِ القَومُ؟ -أو مِنَ الوَفدِ؟- قالوا: رَبيعةُ. قال: مَرحَبًا بالقَومِ -أو بالوفدِ- غيرَ خَزايا ولا نَدامى، فقالوا: يا رَسولَ اللهِ، إنَّا لا نَستَطيعُ أن نَأتيَك إلَّا في الشَّهرِ الحَرامِ، وبينَنا وبينَك هذا الحيُّ مِن كُفَّارِ مُضَرَ، فمُرْنا بأمرٍ فَصلٍ، نُخبرُ به مَن وَراءَنا، ونَدخُلُ به الجَنَّةَ، وسَألوه عنِ الأشرِبةِ: فأمَرَهم بأربَعٍ، ونَهاهم عن أربَعٍ، أمَرَهم: بالإيمانِ باللهِ وحدَه، قال: أتدرونَ ما الإيمانُ باللهِ وحدَه؟ قالوا: اللهُ ورَسولُه أعلَمُ، قال: شَهادةُ أنْ لا إلهَ إلَّا اللَّهُ وأنَّ مُحَمَّدًا رَسولُ اللهِ، وإقامُ الصَّلاةِ، وإيتاءُ الزَّكاةِ، وصيامُ رَمَضانَ...)) الحَديثَ [358] أخرجه البخاري (53) واللفظ له، ومسلم (17). .
3- عنِ ابنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عنهما، أنَّ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((أُمِرتُ أن أقاتِلَ النَّاسَ حتَّى يَشهَدوا أنْ لا إلهَ إلَّا اللَّهُ، وأنَّ مُحَمَّدًا رَسولُ اللهِ، ويُقيموا الصَّلاةَ، ويُؤتوا الزَّكاةَ، فإذا فعَلوا ذلك عَصَموا مِنِّي دِماءَهم وأموالَهم إلَّا بحَقِّ الإسلامِ، وحِسابُهم على اللهِ)) [359] أخرجه البخاري (25) واللفظ له، ومسلم (22). .
4-عنِ ابنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهما: ((أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بَعَثَ مُعاذًا رَضِيَ اللهُ عنه إلى اليَمَنِ، فقال: ادعُهم إلى شَهادةِ أنْ لا إلهَ إلَّا اللَّهُ، وأنِّي رَسولُ اللهِ، فإن هم أطاعوا لذلك فأعلِمْهم أنَّ اللَّهَ قَدِ افتَرَضَ عليهم خَمسَ صَلواتٍ في كُلِّ يَومٍ وليلةٍ، فإن هم أطاعوا لذلك فأعلِمْهم أنَّ اللَّهَ افتَرَضَ عليهم صَدَقةً في أموالِهم تُؤخَذُ مِن أغنيائِهم وتُرَدُّ على فُقَرائِهم)) [360] أخرجه البخاري (1395) واللفظ له، ومسلم (19). .
ج- من الإجماعِ
- قال ابنُ العَطَّارِ: (يجِبُ الإيمانُ بجَميعِ رُسُلِ اللهِ وأنبيائِه، وأنَّ جميعَ ما جاؤوا به حقٌّ وصِدقٌ؛ قال اللهُ تعالى: قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ [البقرة: 136] الآيةَ، والآية التي في آلِ عِمرانَ: قُلْ آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا [آل عمران: 84]
 قال العُلَماءُ: لا يَكونُ الرَّجُلُ مُؤمِنًا حتى يُؤمِنَ بجَميعِ الأنبياءِ السَّابِقينَ وجَميعِ الكُتُبِ التي أنزلها اللهُ عَزَّ وجَلَّ على جميعِ الرُّسُلِ ... ومَن اعترف بالوحدانيَّةِ والإلهيَّةِ، وجحد النُّبُوَّةَ من أصلِها عُمومًا، أو نبُوَّةَ نبيِّنا خصوصًا، أو أحَدٍ من الأنبياءِ الذين نُصَّ عليهم بعد عِلْمِه بذلك؛ فهو كافِرٌ بلا ريبِ ... وكذلك من دان بالوحدانيَّةِ، وصِحَّةِ نُبُوَّةِ نبيِّنا صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، ولكِنْ جَوَّز على الأنبياءِ الكَذِبَ فيما أَتَوا به، وادَّعى في ذلك المصلحةَ بزَعْمِه أو لم يَدَّعِها؛ فهو كافِرٌ بإجماعٍ ... وكذلك من أضاف إلى نبيِّنا صلَّى اللهُ عليه وسلَّم تعَمُّدَ الكَذِبِ فيما بلَّغه، وأخبر به، أو شَكَّ في صِدْقِه، أو سَبَّه، أو قال: إنَّه لم يُبَلِّغْ، أو استخَفَّ به أو بأحدٍ من الأنبياءِ، أو أزرى عليهم، أو آذاهم، أو قتل نبيًّا، أو حاربه؛ فهو كافِرٌ بإجماعٍ) [361] يُنظر: ((الاعتقاد الخالص من الشك والانتقاد)) (ص: 210-222). ويُنظر أيضًا: ((الشفا)) لعياض (2/283). .
- قال ابنُ تَيميَّةَ: (يَجِبُ على الإنسانِ أن يعلَمَ أنَّ اللهَ عزَّ وجَلَّ أرسَلَ محمَّدًا صلَّى اللهُ عليه وسلَّم إلى جميعِ الثَّقَلينِ؛ الإنسِ والجِنِّ، وأوجَبَ عليهم الإيمانَ به وبما جاء به، وطاعتَه، وأن يحَلِّلوا ما حَلَّل اللهُ ورَسولُه، ويُحَرِّموا ما حَرَّم اللهُ ورَسولُه، وأن يُوجِبوا ما أوجَبَه اللهُ ورَسولُه، ويحِبُّوا ما أحَبَّه اللهُ ورَسولُه، ويَكرَهوا ما كَرِهَه اللهُ ورَسولُه، وأنَّ كُلَّ من قامت عليه الحُجَّةِ برِسالةِ محمَّدٍ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم مِنَ الإنسِ والجِنِّ، فلم يؤمِنْ به، استَحَقَّ عِقابَ اللهِ تعالى كما يَستَحِقُّه أمثالُه مِنَ الكافِرينَ الذين بُعِث إليهم الرَّسولُ، وهذا أصلٌ مُتَّفَقٌ عليه بينَ الصَّحابةِ والتَّابِعينَ لهم بإحسانٍ، وأئمَّةِ المُسلِمينَ وسائِرِ طوائِفِ المُسلِمينَ؛ أهلِ السُّنَّةِ والجماعةِ وغَيرِهم) [362] ((مجموع الفتاوى)) (19/ 9). .

انظر أيضا: