موسوعة الآداب الشرعية

حادِي عَشَرَ: عَدَمُ تَكرارِ الوِترِ


مَن صلَّى الوترَ، ثم أرادَ بعد ذلك أنْ يَتنفَّلَ من الليلِ، فله أنْ يُصلِّي شفعًا ما يشاءُ، ولا يَنقض [799] قال ابنُ قدامةَ في شرحِ نَقضِ الوترِ: (معناه: أنه إذا قام للتهجُّد يُصلِّي ركعةً تَشفعُ الوترَ الأوَّلَ، ثمَّ يُصلي مَثْنَى مثنى، ثم يوتِرُ في آخرِ التهجُّدِ). ((المغني)) (2/120). وقال ابنُ الأثيرِ: («نقْضُ الوترِ»: أي: إبطالُه، وتشفيعُه بركعةٍ لِمَن يريدُ أن يتنفَّلَ بعدَ أنْ أوترَ). ((النهاية)) (5/107). وترَه [800] وهذا باتِّفاقِ المذاهبِ الفقهيَّة الأربعة. ينظر: ((حاشية ابن عابدين))، ((حاشية العدوي على كفاية الطالب الرباني)) (1/294)، ((المجموع)) للنووي (4/15، 24، 25)، ((الإقناع)) للحجاوي (1/147). .
الدَّليلُ على ذلك من السُّنَّةِ والآثارِ:
أ- من السُّنَّةِ
1- عن عُروةَ، أنَّ عائشةَ رَضِيَ اللهُ عنها، أخبرته: ((أنَّ رسولَ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم كان يُصلِّي إحدى عَشرةَ ركعة، كانتْ تلك صلاتَه -تَعني باللَّيل- فيَسجُدُ السجدةَ من ذلك قدْرَ ما يقرأ أحدُكم خمسين آيةً قبلَ أن يرفَع رأسه، ويركعُ ركعتينِ قبل صلاةِ الفجرِ، ثم يضطجعُ على شِقِّه الأيمنِ حتى يأتيَه المؤذِّنُ للصَّلاةِ)) [801] أخرجه البخاري (994) واللفظ له، ومسلم (736). .
وَجْهُ الدَّلالَةِ:
أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم صلَّى ركعتينِ بعد الوِتْرِ دون أن يَنْقُضَ وِتْرَه [802] قال الترمذيُّ: (رُوي من غيرِ وجهٍ أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قد صلَّى بعدَ الوترِ). ((سنن الترمذي)) (2/333). .
2- عن قَيسِ بن طلقٍ، قال: ((زارنا طلقُ بنُ عليٍّ في يومٍ من رمضان، فأمْسى عندنا وأفطر، ثم قام بنا تلك الليلةَ، ثم انحدَر إلى المسجدِ فصلَّى بأصحابِه، حتى إذا بقِيَ الوترُ قدَّم رجلًا، فقال: أَوتِرْ بأصحابِك؛ فإنِّي سمِعتُ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يقول: لا وترانِ في ليلةٍ)) [803] رواه أبو داود (1439) واللفظ له، والترمذي (470)، والنسائي (1679). حسَّنه ابنُ العربي في ((عارضة الأحوذي)) (1/458)، وابن القَطَّان في ((الوهم والإيهام)) (4/145)، وابن الملقِّن في ((البدر المنير)) (4/317)، وابنُ حجر في ((فتح الباري)) (2/558). وذهب إلى تصحيحِه ابنُ حِبَّان في ((صحيحه)) (2449)، والألبانيُّ في ((صحيح سنن أبي داود)) (1439). .
ب- مِن الآثارِ
عن أبي جَمرةَ، قال: سألتُ عائذًا -وكان من أصحابِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، من أصحابِ الشجرة-: هل يُنقَضُ الوتر؟ قال: (إذا أوترتَ مِن أوَّلِه، فلا تُوتِرْ من آخِرِه) [804] رواه البخاري (4176). .
وأمَّا التَّعليلُ فللآتي:
1-أنَّ الوترَ الأوَّلَ مضى على صحَّتِه؛ فلا يتوجَّه إبطالُه بعدَ فراغِه [805] ((المجموع)) للنووي (4/24، 25). .
2- أنَّ تقدُّمَ الوترِ لا يَمنعُ من استئنافِ صلاةٍ بعدَه [806] ((حاشية العدوي على كفاية الطالب الرباني)) (1/294). .
3- أنَّه لا يصحُّ التطوعُ بركعةٍ واحدةٍ في غيرِ الوترِ [807] قال ابنُ حَجَرٍ: (إنَّما يَصِحُّ نَقضُ الوِترِ عِندَ مَن يَقولُ بمَشروعيَّةِ التَّنَفُّلِ برَكعةٍ واحِدةٍ غَيرَ الوِترِ، وقد تَقدَّمَ ما فيه). ((فتح الباري)) (2/481). .
4- أنَّه مُحالٌ أن يشفعَ ركعةً قد سلَّم منها ونام مُصلِّيها وتراخَى الأمرُ فيها، وقد كتَبها المَلَكُ الحافظُ وترًا؛ فكيف تعود شفعًا؟! هذا ما لا يصحُّ في قياسٍ ولا نظرٍ [808] ((الاستذكار)) لابن عبد البر (2/118). قال الطَّحاويُّ: (الذي رُويَ عنِ الآخَرينَ أيضًا فليسَ له أصلٌ في النَّظَرِ؛ لأنَّهم كانوا إذا أرادوا أن يَتَطَوَّعوا صَلَّوا رَكعةً، فيَشفعونَ بها وِترًا مُتَقدِّمًا، قد قَطَعوا فيما بَينَه وبَينَ ما شَفَعوا به بكَلامٍ وعَمَلٍ ونَومٍ، وهذا لا أصلَ له أيضًا في الإجماعِ، فيُعطَفُ عليه هذا الاختِلافُ، فلمَّا كان ذلك كذلك، وخالفه مِن أصحابِ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم مَن ذَكَرنا، ورُويَ عن رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أيضًا خِلافُه- انتَفى ذلك، ولم يَجُزِ العَمَلُ به). ((شرح معاني الآثار)) (1/343). .
5- الأصلُ في الصلاةِ إذا لم تكُنْ مطلوبةً عدمُ الانعقادِ، فلو أوتر ثانيًا لم يصحَّ وترُه [809] ((مغني المحتاج)) للشربيني (1/222). .

انظر أيضا: