موسوعة الآداب الشرعية

خامِسًا: أن يُراعى في الإمامِ أن يكونَ الأَولى بالإمامةِ


مِن أدَبِ صَلاةِ الجَماعةِ: تَقديمُ الأَولى بالإمامةِ؛ فيُقدَّمُ ذو السُّلطانِ مُطلقًا [873] وهذا باتِّفاقِ المَذاهِبِ الفِقهيَّةِ الأربَعةِ. يُنظر: ((حاشية الطحاوي)) (ص: 229)، ((التاج والإكليل)) للمواق (2/129)، ((المجموع)) للنووي (4/285)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (1/473). ، وصاحِبُ البَيتِ أَولى بالإمامةِ، وإن كان غَيرُه أفقَهَ وأفضَلَ مِنه [874] وهذا باتِّفاقِ المَذاهِبِ الفِقهيَّةِ الأربَعةِ. يُنظر: ((حاشية الطحاوي)) (ص: 229)، ((مواهب الجليل)) للحطاب (2/468)، ((المجموع)) للنووي (4/285)، ((الإنصاف)) للمرداوي (2/175). وحُكيَ الإجماعُ على ذلك. قال ابنُ قُدامةَ: (وجُملتُه أنَّ الجَماعةَ إذا أُقيمَت في بَيتٍ، فصاحِبُه أولى بالإمامةِ مِن غَيرِه، وإن كان فيه مَن هو أقرَأُ مِنه وأفقَهُ، إذا كان مِمَّن يُمكِنُه إمامَتُهم، وتَصِحُّ صَلاتُهم وراءَه، فَعَل ذلك ابنُ مَسعودٍ، وأبو ذَرٍّ، وحُذَيفةُ، وقد ذَكَرنا حَديثَهم، وبه قال عَطاءٌ، والشَّافِعيُّ، ولا نَعلمُ فيه خِلافًا). ((المغني)) (2/150). وقال بُرهانُ الدِّينِ ابنُ مُفلحٍ: ("وصاحِبُ البَيتِ" بشَرطِه "وإمامُ المَسجِدِ أحَقُّ بالإمامةِ" مِنَ الكُلِّ، بغَيرِ خِلافٍ نَعلَمُه). ((المبدع)) (2/59). ، وإمامُ المَسجِدِ الرَّاتِبُ أحَقُّ بالإمامةِ وإن كان غَيرُه أفقَهَ وأفضَلَ مِنه [875] وهذا باتِّفاقِ المَذاهِبِ الفِقهيَّةِ الأربَعةِ. يُنظر: ((حاشية الطحاوي)) (ص: 229)، ((حاشية الدسوقي على الشرح الكبير)) (1/342)، ((المجموع)) للنووي (4/285)، ((الإنصاف)) للمرداوي (2/175). ، ويُقدَّمُ الأقرَأُ [876] أكثَرُ الأحاديثِ تَدُلُّ على أنَّ الأقرَأ هو الأكثَرُ حِفظًا، لا الأجودُ قِراءةً. قال ابنُ قُدامةَ: (يُرَجَّحُ أحَدُ القارِئينَ على الآخَرِ بكَثرةِ القُرآنِ؛ لقَولِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: «ليَؤُمَّكُم أكثَرُكُم قُرآنًا»). ((المغني)) (2/135). وقال ابنُ رَجَبٍ: (وهذه المَسألةُ لأصحابِنا فيها وجهانِ: إذا اجتَمَعَ قارِئانِ، أحَدُهما أكثَرُ قُرآنًا، والآخَرُ أجوَدُ قِراءةً؛ فهَل يُقدَّمُ الأكثَر قُرآنًا على الأجودِ قِراءةً، أم بالعَكسِ؟ وأكثَرُ الأحاديثِ تَدُلُّ على اعتِبارِ كَثرةِ القُرآنِ). ((فتح الباري)) (4/120). ويُنظر: ((البحر الرائق)) لابن نجيم (1/368)، ((أسنى المطالب)) لزكريا الأنصاري (1/219)، ((مغني المحتاج)) للشربيني (1/242). على الأفقَهِ [877] وهذا مَذهَبُ الحَنابلةِ، وقَولُ أبي يوسُفَ مِنَ الحَنَفيَّةِ، وقَولٌ عِندَ الشَّافِعيَّةِ، وقَولُ بَعضِ السَّلفِ، واختارَه ابنُ المُنذِرِ، وابنُ حَزمٍ، وابنُ تَيميَّةَ، والصَّنعانيُّ، والشَّوكانيُّ، وابنُ بازٍ، وابنُ عُثَيمينَ. يُنظر: ((الإنصاف)) للمرداوي (2/172)، ((الهداية)) للمرغيناني (1/57)، ((مغني المحتاج)) للشربيني (1/242)، ((الإقناع)) لابن المنذر (1/113)، ((المحلى)) لابن حزم (3/121، 122)، ((مجموع الفتاوى)) لابن تيمية (23/244)، ((سبل السلام)) للصنعاني (1/372)، ((نيل الأوطار)) للشوكاني (3/188)، ((مجموع فتاوى ابن باز)) (30/166)، ((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (4/205). .
الدَّليلُ على تَقديمِ ذي السُّلطانِ مُطلقًا مِنَ السُّنَّةِ:
1- عن عِتْبانَ بنِ مالكٍ رَضِيَ اللهُ عنه، ((أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أتاه في منزلِه، فقال: أينَ تحبُّ أنْ أُصلِّي لكَ مِن بيتِك؟ قال: فأشرتُ له إلى مكانٍ، فكبَّر النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، وصَفَفْنا خَلْفَه، فصلَّى ركعتينِ)) [878] أخرجه البخاري (424). .
2- عن أنسِ بنِ مالك رَضِيَ اللهُ عنه، ((أنَّ جَدَّته مُليكةُ دَعَتْ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم لطعامٍ صنعتْه، فأكَل منه، فقال: قوموا، فلَأُصَلِّي بكم، فقمتُ إلى حصيرٍ لنا قد اسودَّ مِن طول ما لَبِث، فنضحتُه بماءٍ، فقام رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم واليتيمُ معي والعجوزُ مِن ورائنا، فصلَّى بنا ركعتينِ)) [879] أخرجه البخاري (860) واللفظ له، ومسلم (658). .
وجْهُ الدَّلالةِ مِنَ الحَديثينِ:
أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أمَّ عِتبانَ بنَ مالكٍ وأنسًا في بيوتِهما [880] ((كشاف القناع)) للبهوتي (1/473). .
3- عن أبي مَسعودٍ الأنصاريِّ رَضِيَ اللهُ عنه، قال: قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((يؤمُّ القومَ أقرؤُهم لكتابِ اللهِ، فإنْ كانوا في القِراءةِ سواءً، فأعلمُهم بالسُّنَّة، فإنْ كانوا في السُّنَّة سواء، فأقدمُهم هِجرةً، فإنْ كانوا في الهِجرةِ سَواءً، فأقدمُهم سِلمًا، ولا يؤمنَّ الرَّجُلُ الرجلَ في سُلطانِه، ولا يَقعُدْ في بيتِه على تكرمتِه [881] التَّكرِمةُ: المَوضِعُ الخاصُّ لجُلوسِ الرَّجُلِ مِن فِراشٍ أو سَريرٍ مِمَّا يُعَدُّ لإكرامِه، وهيَ تفعِلةٌ مِنَ الكَرامةِ. يُنظر: ((النهاية)) لابن الأثير (4/ 168). إلَّا بإذنِه)) [882] أخرجه مسلم (673). .
أمَّا التَّعليلُ: فلأنَّ ولايتَه عامَّةٌ، ولأنَّه راعٍ وهم رعيَّتُه؛ فكان تقديمُ الراعى أَوْلى [883] ((المجموع)) للنووي (4/285). .
الدَّليلُ على تَقديمِ صاحِبِ البَيتِ في الإمامةِ مِنَ السُّنَّةِ والآثارِ:
أ- مِن السُّنَّةِ
عن أبي مَسعودٍ الأنصاريِّ رَضِيَ اللهُ عنه، قال: قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((يؤمُّ القومَ أقرؤُهم لكتابِ اللهِ، فإنْ كانوا في القِراءةِ سواءً، فأعلمُهم بالسُّنَّة، فإنْ كانوا في السُّنَّة سواء، فأقدمُهم هِجرةً، فإنْ كانوا في الهِجرةِ سَواءً، فأقدمُهم سِلمًا، ولا يؤمنَّ الرَّجُلُ الرجلَ في سُلطانِه، ولا يَقعُدْ في بيتِه على تَكْرمتِه إلَّا بإذنِه)) [884] أخرجه مسلم (673). .
ب- مِن الآثارِ
عن أبي سعيدٍ مولى أبي أُسَيدٍ، قال: (تزوَّجتُ وأَنا مَملوكٌ فدعوتُ نفرًا مِن أصحابِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فيهمُ ابنُ مسعودٍ، وأبو ذرٍّ وحُذَيْفةُ قال: وأقيمتِ الصَّلاةُ، قالَ: فذَهَبَ أبو ذرٍّ ليتقدَّمَ، فقالوا: إليكَ! قالَ: أوَ كذلِكَ؟ قالوا: نعَم، قالَ: فتقدَّمتُ إليهم وأَنا عبدٌ مملوكٌ) [885] أخرجه ابنُ أبي شيبة (17438). صَحَّحَ إسنادَه الألباني في ((إرواء الغليل)) (523). .
أمَّا التَّعليلُ: فلأنَّ لصاحبِ البيتِ ولايةً خاصَّةً على الدَّارِ، لا يُشارِكُه فيها غيرُه؛ فكان تقديمُه أَوْلى [886] ((البيان)) للعمراني (2/418). .
الدَّليلُ على تَقديمِ إمامِ المَسجِدِ الرَّاتِبِ مِنَ الآثارِ:
عن نافِعٍ، قال: أُقيمَتِ الصَّلاةُ في مَسجِدٍ بطائِفةِ المَدينةِ، قال: ولعَبدِ اللَّهِ بنِ عُمَرَ قَريبًا مِن ذلك المَسجِدِ أرضٌ يَعمَلُها، قال: وإمامُ أهلِ ذلك المَسجِدِ مَولًى، ومَسكَنُ ذلك المَولى وأصحابِه ثَمَّ، فلمَّا سَمِعَهم عَبدُ اللَّهِ بنُ عُمَرَ، وأقاموا الصَّلاةَ، جاءَ يَشهَدُ مَعَهمُ الصَّلاةَ، فقال المَولى صاحِبُ المَسجِدِ لابنِ عُمَرَ: تَقدَّمْ فصَلِّ، فقال عَبدُ اللَّهِ: (أنتَ أحَقُّ أن تُصَلِّيَ في مَسجِدِك) فصَلَّى المَولى [887] أخرجه الشافعي في ((الأم)) (2/302)، وعبد الرزاق (3850) واللفظ له، والبيهقي (5391). قال النووي في ((خلاصة الأحكام)) (2/701): إسنادُه حَسَنٌ أو صحيحٌ، وحَسَّن إسنادَه الألبانيُّ في ((إرواء الغليل)) (2/302). .
أمَّا التَّعليلُ: فلأنَّ في تقديمِ غيرِه عليه افتياتًا عليه، وكسرًا لخاطرِه [888] ((المبدع)) لبرهان الدين ابن مفلح (2/60). .
الدَّليلُ على تَقديمِ الأقرَأِ على الأفقَهِ مِنَ السُّنَّةِ والآثارِ:
أ- مِن السُّنَّةِ
عن أبي مَسعودٍ الأنصاريِّ رَضِيَ اللهُ عنه، قال: قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((يؤمُّ القومَ أقرؤُهم لكتابِ اللهِ، فإنْ كانوا في القِراءةِ سواءً، فأعلمُهم بالسُّنَّةِ...)) [889] أخرجه مسلم (673). .
وَجْهُ الدَّلالَةِ:
أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قدَّم الأقرأَ على الأعلمِ بالسُّنَّةِ.
2- عن أبي سعيدٍ الخدريِّ رَضِيَ اللهُ عنه، قال: قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((إذا كانوا ثلاثةً فليؤمَّهم أحدُهم؛ وأحقُّهم بالإمامةِ أقرؤُهم)) [890] أخرجه مسلم (672). .
3- عن أبي قِلابَة، عن عَمرِو بن سَلِمة، قال: قال لي أبو قِلابةَ: ألَا تَلْقاهُ فتسألَه؟ قال: فلقيتُه فسألتُه، فقال: كنَّا بماءٍ ممرَّ الناسِ، وكان يمرُّ بنا الركبانُ فنَسألهم: ما للناسِ، ما للناسِ؟ ما هذا الرَّجُل؟ فيقولون: يَزعُمُ أنَّ اللهَ أَرْسلَه، أوْحَى إليه، أو: أَوْحَى اللهُ بكذا، فكنتُ أحفظُ ذلك الكلامَ، وكأنَّما يقرُّ في صدْري، وكانتِ العربُ تَلوَّمُ [891] تَلوَّمُ: أي: تنتظرُ؛ أراد تتلوَّمُ، فحذَف إحدى التَّاءينِ تخفيفًا. يُنظر: ((فتح الباري)) لابن حجر (1/184) و(8/23). بإسلامِهم الفتحَ، فيقولون: اتركُوه وقومَه، فإنَّه إنْ ظهَرَ عليهم فهو نبيٌّ صادِق، فلمَّا كانتْ وقعةُ أهلِ الفتحِ، بادَرَ كلُّ قومٍ بإسلامِهم، وبدَرَ أَبي قَومِي بإسلامِهم، فلمَّا قدِم قال: جِئتُكم واللهِ من عندِ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم حقًّا؛ فقال: ((صَلُّوا صلاةَ كذا في حِينِ كذا، وصلُّوا صلاةَ كذا في حِين كذا، فإذا حضرتِ الصَّلاةُ فليؤذِّنْ أحدُكم، ولْيؤمَّكم أكثرُكم قرآنًا))، فنظروا فلمْ يكُنْ أحدٌ أكثرَ قرآنًا منِّي؛ لِمَا كنتُ أتلقَّى من الركبان، فقدَّموني بين أيديهم، وأنا ابنُ ستٍّ، أو سَبعِ سِنينَ [892] أخرجه البخاري (4302). .
ب- مِن الآثارِ
عن عبدِ اللهِ بن عُمرَ رَضِيَ اللهُ عنهما، قال: (لَمَّا قدِم المهاجرون الأوَّلون العَصَبةَ -موضع بقُباءٍ- قَبلَ مَقدَمِ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم كان يؤمُّهم سالمٌ مولى أبي حُذيفةَ، وكان أكثرَهم قُرآنًا) [893] أخرجه البخاري (692). . وفي روايةٍ: وفيهم عُمرُ بن الخطَّابِ، وأبو سَلمةَ بنُ عبدِ الأَسَدِ [894] أخرجها أبو داود (588)، والبيهقي (5189) واللفظ لهما، وابن خزيمة (1511). صححه ابن خزيمة، والألباني في ((صحيح سنن أبي داود)) (588)، وصحح إسناده شعيب الأرناؤوط في تخريج ((سنن أبي داود)) (588) .
وَجْهُ الدَّلالَةِ:
أنَّ إمامةَ سالمٍ معَ وجودِ عُمرَ فيها دَلالةٌ على أنَّ الأقرأَ مُقدَّمٌ على الأفقهِ [895] ((مرقاة المفاتيح)) للقاري (3/870). .
فائِدةٌ في تَرتيبِ مَن هم أحَقُّ بالإمامةِ:
عن أبي مَسعودٍ الأنصاريِّ رَضِيَ اللهُ عنه، قال: قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((يَؤُمُّ القَومَ أقرؤُهم لكِتابِ اللهِ، فإن كانوا في القِراءةِ سَواءً فأعلَمُهم بالسُّنَّةِ، فإن كانوا في السُّنَّةِ سَواءً فأقدَمُهم هِجرةً، فإن كانوا في الهِجرةِ سَواءً فأقدَمُهم سِلمًا، ولا يُؤَمَّنَّ الرَّجُلُ الرَّجُلَ في سُلطانِه، ولا يَقعُدْ في بَيتِه على تَكرِمَتِه إلَّا بإذنِه)) [896] أخرجه مسلم (673). .
قَولُه: ((يَؤُمُّ القَومَ أقرؤُهم لكِتابِ اللهِ)) فيه دَليلٌ لمَن يَقولُ بتَقديمِ الأقرَأِ على الأفقَهِ، وكذلك قَولُه: ((فإن كانوا في القِراءةِ سَواءً فأعلَمُهم بالسُّنَّةِ)) فيه دَليلٌ على تَقديمِ الأقرَأِ مُطلقًا.
وقَولُه: ((فإن كانوا في السُّنَّةِ سَواءً فأقدَمُهم هِجرةً)) يَدخُلُ فيه طائِفتانِ؛ إحداهما: الذينَ يُهاجِرونَ اليَومَ مِن دارِ الكُفرِ إلى دارِ الإسلامِ، والطَّائِفةُ الثَّانيةُ: أولادُ المُهاجِرينَ إلى رَسولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وسَلَّم، فإذا استَوى اثنانِ في الفِقهِ والقِراءةِ وأحَدُهما مِن أولادِ مَن تَقدَّمَت هجرَتِه، والآخَرُ مِن أولادِ مَن تَأخَّرَت هِجرَتُه قُدِّم الأوَّلُ.
قَولُه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((فإن كانوا في الهِجرةِ سَواءً فأقدَمُهم سِلمًا)) وفي الرِّوايةِ الأُخرى ((سِنًّا))، وفي الرِّوايةِ الأُخرى: ((فأكبَرُهم سِنًّا)) مَعناه: إذا استَويا في الفِقهِ والقِراءةِ والهِجرةِ، ورَجَحَ أحَدُهما بتَقدُّمِ إسلامِه أو بكِبَرِ سِنِّه، قُدَّمَ؛ لأنَّها فضيلةٌ يَرجَحُ بها.
قَولُه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((ولا يُؤَمَّنَّ الرَّجُلُ الرَّجُلَ في سُلطانِه)) مَعناه: أنَّ صاحِبَ البَيتِ والمَجلِسِ وإمامَ المَسجِدِ أحَقُّ مِن غَيرِه، وإن كان ذلك الغَيرُ أفقَهَ وأقرَأَ وأورَعَ وأفضَلَ مِنه، وصاحِبُ المَكانِ أحَقُّ، فإن شاءَ تَقدَّم، وإن شاءَ قَدَّم مَن يُريدُه، وإن كان ذلك الذي يُقدِّمُه مَفضولًا بالنِّسبةِ إلى باقي الحاضِرينَ؛ لأنَّه سُلطانُه، فيَتَصَرَّفُ فيه كَيف شاءَ. فإن حَضَر السُّلطانُ أو نائِبُه قُدِّمَ على صاحِبِ البَيتِ وإمامِ المَسجِدِ وغَيرِهما؛ لأنَّ وِلايَتَه وسَلطَنَتَه عامَّةٌ، قالوا: ويُستَحَبُّ لصاحِبِ البَيتِ أن يَأذَنَ لِمَن هو أفضَلُ مِنه [897] يُنظر: ((شرح النووي على مسلم)) (5/ 172). .

انظر أيضا: