موسوعة الآداب الشرعية

سادسًا: تَقديمُ الأفضَلِ فالأفضَلِ خلفَ الإمامِ


يُسَنُّ تَقديمُ الأفضَلِ فالأفضَلِ مِنَ المَأمومينَ، وتَقريبُهم مِنَ الإمامِ.
الدَّليلُ على ذلك مِنَ السُّنَّةِ:
1- عن أبي مَسعودٍ رَضِيَ اللهُ عنه، قال: ((كان رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يَمسَحُ مَناكِبَنا [898] يمسحُ مَناكِبَنا: أي: يُسوِّي مناكبَنا في الصُّفوفِ ويعدلُنا فيها. يُنظر: ((شرح مسلم)) للنووي (4/ 155). في الصَّلاةِ، ويَقولُ: استَووا، ولا تَختَلفوا فتَختَلِفَ قُلوبُكُم، ليَلِني مِنكُم أولو الأحلامِ والنُّهى، ثُمَّ الَّذينَ يَلونَهم، ثُمَّ الَّذينَ يَلونَهم)) [899] أخرجه مسلم (432). .
2- عن عبدِ اللهِ بنِ مَسعودٍ رَضِيَ اللهُ عنه، قال: قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((ليَلِني مِنكُم أولو الأحلامِ والنُّهى [900] قال ابنُ الجَوزيِّ: (الأحلامُ: العُقولُ. والنُّهى: اسمٌ للعَقلِ أيضًا، لأنَّه يَنهى عن القَبيحِ. وإنَّما أمَرَ بهذا لثَلاثةِ مَعانٍ؛ أحَدُها: تَفضيلُهم بالتَّقدُّمِ. الثَّاني: ليَعقِلوا عنه ما يُنقَلُ مِن فِعلِه. والثَّالثُ: لأنَّه رُبَّما احتاجَ إليهم إمَّا بتَذكيرِه ما أخَلَّ به أو في استنابتِهم إن نابه أمرٌ. وفي تَقديمِهم تَعليمٌ للنَّاقصينَ التَّأدُّبَ بالتَّأخُّرِ. وقَولُه: «ثُمَّ الَّذينَ يَلونَهم» أي: في المَنزِلةِ والقَدرِ). ((كشف المشكل)) (1/ 327). ، ثُمَّ الذينَ يَلونَهم -ثَلاثًا-، وإيَّاكُم وهَيشاتِ الأسواقِ [901] أي ما يَكونُ فيها مِنَ الجَلَبةِ، وارتِفاعِ الأصواتِ، والفِتَنِ؛ مِنَ الهَوشِ، وهو الاختِلاطُ. ينظر: ((شرح السنة)) للبغوي (3/ 376). ) [902] أخرجه مسلم (432). .
قال البَغويُّ: (إنَّما أمَرَ أن يَليَه أولو النُّهى؛ ليَعقِلوا عنه صَلاتَه، ويَخلُفوه في الإمامةِ إن حَدَث به عارِضٌ.
ورُويَ عن النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أنَّه كان يُعجِبُه أن يَليَه المُهاجِرونَ والأنصارُ ليَحفظوا عنه [903] أخرجه الترمذي معلقًا بعد حديث (228) واللفظ له، وابن ماجه (977)، وأحمد (13064) من حديثِ أنسِ بنِ مالِكٍ رَضِيَ اللهُ عنه. صحَّحه ابنُ حبان في ((صحيحه)) (7258)، والحاكم على شرط الشيخين في ((المستدرك)) (795)، والألباني في ((صحيح سنن ابن ماجه)) (977)، وقال النووي في ((خلاصة الأحكام)) (2/713): إسناده على شرط الشيخين. .) [904] ((شرح السنة)) (3/ 376). وقال ابنُ هُبَيرةَ: (في هذا الحَديثِ مِنَ الفِقهِ أنَّ أُولي الأحلامِ والنُّهى همُ الأَوْلى أن يَكونوا أقرَبَ النَّاسِ إلى الإمامِ؛ ليَأخُذوا عنه، ويَكونوا مَوضِعَ سِرِّه، وعُدَّةً لمُشاوَرتِه، وأُمَناءَ على قُربِه؛ فبذلك صَلاحُ الأحوالِ. وقَولُه: «ثُمَّ الذينَ يَلونَهم» أي: يَكونُ المُكَلَّفونَ به على دَرَجاتٍ، فيَكونُ الأقرَبُ إليه الأفضَلَ فالأفضَلَ. وقَولُه: «وإيَّاكُم وهَيشاتِ الأسواقِ» يعني اختِلاطَها وما يَكونُ فيها مِنَ الفِتَنِ وارتِفاعِ الأصواتِ، وأرادَ ألَّا يَكونوا مِن أهلِها، فإنَّه يَخفى فيها الصَّوابُ، ولا يَتَّضِحُ فيها الحَقُّ، ويَتَقدَّمُ فيها كُلُّ مُستَحِقٍّ للتَّأخيرِ، ويَتَأخَّرُ كُلُّ مُستَحِقٍّ للتَّقديمِ). ((الإفصاح عن معاني الصحاح)) (2/ 109). .
وقال النَّوويُّ: (في هذا الحَديثِ تَقديمُ الأفضَلِ فالأفضَلِ إلى الإمامِ؛ لأنَّه أولى بالإكرامِ، ولأنَّه رُبَّما احتاجَ الإمامُ إلى استِخلافٍ، فيَكونُ هو أَولى، ولأنَّه يَتَفطَّنُ لتَنبيهِ الإمامِ على السَّهوِ لِما لا يَتَفطَّنُ له غَيرُه، وليَضبِطوا صِفةَ الصَّلاةِ ويَحفَظوها ويَنقُلوها ويُعَلِّموها النَّاسَ، وليَقتَديَ بأفعالِهم مَن وراءَهم، ولا يَختَصُّ هذا التَّقديمُ بالصَّلاةِ، بَل السُّنَّةُ أن يُقدَّمَ أهلُ الفضلِ في كُلِّ مجمَعٍ إلى الإمامِ وكَبيرِ المَجلِسِ، كمَجالسِ العِلمِ والقَضاءِ والذِّكرِ والمُشاوَرةِ، ومَواقِفِ القِتالِ، وإمامةِ الصَّلاةِ، والتَّدريسِ والإفتاءِ، وإسماعِ الحَديثِ ونَحوِها، ويَكونُ النَّاسُ فيها على مَراتِبِهم في العِلمِ والدِّينِ والعَقلِ والشَّرَفِ والسِّنِّ والكَفاءةِ في ذلك البابِ، والأحاديثُ الصَّحيحةُ مُتَعاضِدةٌ على ذلك) [905] ((شرح مسلم)) (4/ 155). .

انظر أيضا: