موسوعة الآداب الشرعية

تاسِعًا: التَّأمينُ بَعدَ فراغِ الإمامِ مِنَ الفاتِحةِ


التَّأمينُ سنَّةٌ مؤكَّدةٌ بعد قراءةِ الفاتحةِ [922] قال النَّوويُّ: (قد اجتمعَتِ الأمةُ على أنَّ المنفَرِدَ يؤمِّنُ، وكذلك الإمامُ والمأمومُ في الصلاةِ السِّريةِ، وكذلك قال الجمهورُ في الجهريةِ). ((شرح مسلم)) (4/130). وقال ابنُ عَبدِ البَرِّ: (قَولُه في حَديثِ سُمَيٍّ: «إذا قال الإمامُ: غَيرِ المَغضوبِ عليهم ولا الضَّالِّينَ، فقولوا: آمينَ»، ولا خِلافَ أنَّه لا تَأمينَ في الصَّلاةِ في غَيرِ هذا المَوضِعِ). ((الاستذكار)) (1/474). وخالف الحَنَفيَّةُ فقالوا: السُّنَّةُ المُخافتةُ في الجَهريَّةِ. يُنظر: ((بدائع الصنائع)) للكاساني (1/270). أمَّا مَذهَبُ المالكيَّةِ فلا يُندَبُ عِندَهم للإمامِ التَّأمينُ في الصَّلاةِ الجَهريَّةِ، ويُندَبُ للمَأمومِ إن سَمِعَ قِراءةَ الإمامِ: قال الخَرشيُّ: ("ص" وتَأمينُ فَذٍّ مُطلقًا وإمامٍ بسِرٍّ ومَأمومٍ بسِرٍّ أو جَهرٍ إن سَمِعَه على الأظهَرِ، وإسرارهم به (ش) أي: إنَّه يُندَبُ على المَذهَبِ تَأمينُ الفَذِّ، أي: قَولُه: آمينَ عَقِبَ (ولا الضَّالِّينَ) في قِراءَتِه، سَواءٌ كانت قِراءةُ الصَّلاةِ سِرًّا أو جَهرًا، كَما يُندَبُ للإمامِ التَّأمينُ على قِراءَتِه في السِّرِّيَّةِ وكَذا مأمومُه، وأمَّا في الجَهريَّةِ فلا يُندَبُ للإمامِ ويُندَبُ للمَأمومِ إن سَمِعَ قِراءةَ الإمامِ؛ لأنَّه مُؤَمِّنٌ حينَئِذٍ على دُعائِه، فإن لم يَسمَعْه فلا، على الأظهَرِ عِندَ ابنِ رُشدٍ). ((شرح مختصر خليل)) (1/282). ويُنظر: ((منح الجليل)) لابن عليش (1/259). ، ويُسرُّ بها في الصَّلاةِ السِّريَّةُ، ويجهرُ بها في الجَهريَّةِ، ويؤمِّنُ فيها مع الإمامِ [923] وهو مذهبُ الشافعيَّةِ، والحنابلةِ، وبه قال جمهورُ أهلِ العِلمِ، وعامَّةُ أهلِ الحديثِ. ينظر: ((المجموع)) للنووي (3/368، 371، 373)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (1/339)، ((فتح الباري)) لابن رجب (4/492، 493). .
الدَّليلُ على ذلك من السنة والآثار:
أ- مِن السُّنَّةِ
عن أبي هُرَيرةَ رضيَ اللهُ عنه، أنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((إذا أمَّن الإمامُ فأمِّنوا؛ فإنَّه مَن وافَقَ تأمينُه تأمينَ الملائكةِ، غُفِرَ له ما تقدَّمَ مِن ذَنبِه)) [924] أخرجه البخاري (780)، ومسلم (410). .
وَجْهُ الدَّلالَةِ:
أنَّه لولا جهرُه بالتَّأمينِ لَمَا أمكَنَ المأمومَ أنْ يؤمِّنَ معه ويوافِقَه في التَّأمينِ [925] ((إعلام الموقعين)) لابن القيم (2/396)، ((فتح الباري)) لابن رجب (4/493). .
ب- مِن الآثارِ
عن ابنِ جُرَيجٍ، قال: قلتُ لعطاءٍ: أكان ابنُ الزُّبيرِ يؤمِّنُ على أثرِ أمِّ القرآنِ؟ قال: نعم، ويؤمِّنُ مَن وراءَهُ، حتَّى إنَّ للمسجدِ للَجَّةً [926] أخرجه البخاري معلَّقًا بصيغةِ الجزمِ قبلَ حديث (780) مختصَرًا، وأخرجه موصولًا عبد الرزاق (2640)، وابنُ حزم في ((المحلى)) (3/264) واللفظ له. صَحَّح إسنادَه الألبانيُّ في ((أصل صفة الصلاة)) (1/380). .
أمَّا التَّعليلُ: فلأنَّ التَّأمينَ تابعٌ للفاتحةِ، فكان حُكمُه حُكمَها في الجهرِ؛ كالسُّورةِ [927] ((المجموع)) للنووي (3/368). .

انظر أيضا: