موسوعة الآداب الشرعية

حادي عشرَ: تركُ البَيعِ والشِّراءِ بَعدَ النِّداءِ


يَحرُمُ البيعُ بعدَ النِّداءِ [1057] قال ابنُ قدامةَ: (اللهُ تعالى أمرَ بالسَّعيِ، ونهى عن البَيعِ بعدَ النِّداءِ، بقَولِه سُبحانَه: إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ [الجمعة: 9] ، والنِّداءُ الذي كان على عَهدِ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم هو النِّداءُ عقيبَ جُلوسِ الإمامِ على المِنبَرِ، فتعلَّق الحكمُ به دونَ غيرِه). ((المغني)) (2/220). للجُمُعةِ [1058] وقد اختَلفَ أهلُ العِلمِ في انعقادِ البيعِ بعدَ النِّداءِ الثَّاني للجُمُعةِ مع كونِه يَحرُمُ. يُنظر بيانُ ذلك في: ((الموسوعة الفقهية بموقع الدرر السَّنية)). .
الدَّليلُ على ذلك مِن الكتابِ والإجماعِ:
أ- مِنَ الكِتابِ
قال اللهُ تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ [الجمعة: 9] .
وَجهُ الدَّلالةِ:
قَولُه: وَذَرُوا البَيْعَ أي: اترُكوه، والأمرُ للوجوبِ؛ فيَحرُمُ الفِعلُ [1059] ((تحفة المحتاج)) لابن حجر الهيثمي (2/480)، ((فتح الوهاب)) لزكريا الأنصاري (1/92). .
ب- مِنَ الإجماعِ
نقَل الإجماعَ على ذلك غيرُ واحدٍ  [1060]  ممن نقل الإجماع على ذلك: إسحاقُ بنُ رَاهَوَيْهِ، وابنُ حزمٍ، وابنُ رُشدٍ، والطَّحطاويُّ. قال ابنُ رَجَبٍ: (حكَى إسحاقُ بنُ راهَوَيهِ الإجماعَ على تحريمِ البيعِ بعدَ النِّداءِ). ((فتح الباري)) (5/433). وقال ابنُ حزمٍ: (رُوِّينا من طريقِ عِكرمةَ، عنِ ابنِ عَبَّاسٍ: "لا يَصلُحُ البيعُ يومَ الجُمُعةِ حين يُنادَى للصَّلاةِ، فإذا قُضِيَت فاشترِ وبِعْ"، ولا نَعلَمُ له مخالِفًا مِن الصَّحابةِ). ((المحلى)) (7/519). وقال ابنُ رشدٍ: (وذلك إنَّما ورَد في الشَّرعِ في وقتِ وجوبِ المشيِ إلى الجُمُعةِ فقط؛ لقَولِه تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ [الجمعة: 9] ، وهذا أمرٌ مُجمَعٌ عليه فيما أحسبُ، أعني: منْعَ البيعِ عندَ الأذانِ الذي يكونُ بعدَ الزَّوالِ والإمامُ على المِنبرِ). ((بداية المجتهد)) (3/186). وقال الطَّحطاويُّ: ("ويجِبُ تَرْكُ البيعِ" فيُكرهُ تحريمًا من الطَّرَفينِ على المذهَبِ، وصحَّ إطلاقُ الحرامِ عليه كما وقَع في الهدايةِ، ويقَعُ العقدُ صحيحًا عندَنا، وهو قولُ الجمهورِ، حتَّى يجبَ الثَّمنُ، ويَثبُتَ المِلكُ قَبلَ القبضِ، وفي الفتحِ: المكروهُ دونَ الفاسدِ. وليس المرادُ بكونِه دونَه في حُكمِ المنْعِ الشَّرعيِّ، بل في عَدمِ فَسادِ العَقدِ، وإلَّا فهذه المكروهاتُ كلُّها تحريميَّةٌ، لا نعلَمُ خلافًا في الإثمِ بها). ((حاشية الطحطاوي)) (ص: 335). .
فائدةٌ فيمَن يحرمُ عليه البيعُ بعدَ النداءِ
تحريمُ البيعِ بعدَ النِّداءِ يختصُّ بالمخاطَبِينَ بالجُمُعةِ فقط، فأمَّا غيرُهم من النِّساءِ والصِّبيانِ والمسافِرين فلا يَحرُمُ عليهم ذلك [1061] وهذا باتِّفاقِ المذاهِبِ الفِقهيَّةِ الأربعةِ. ينُظر: ((حاشية الطحطاوي)) (ص: 335)، ((منح الجليل)) لابن عليش (1/449)، ((المجموع)) للنووي (4/500)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (3/180).   .
وذلك للآتي:
1- أنَّ اللهَ تعالى إنَّما نهى عن البيعِ مَن أَمَرَه بالسَّعيِ؛ فغيرُ المخاطَبِ بالسَّعيِ لا يَتناوَلُه النَّهيُ [1062] ((المغني)) لابن قدامة (2/220). .
2- أنَّ تحريمَ البيعِ مُعلَّلٌ بما يَحصُلُ به من الاشتغالِ عن الجُمُعةِ، وهذا الاشتغالُ معدومٌ في حقِّ مَن لم يُخاطَبْ بها [1063] ((المغني)) لابن قدامة (2/220). .

انظر أيضا: