موسوعة الآداب الشرعية

رابعَ عشرَ: الإنصاتُ للخطيبِ وعدَمُ اللَّغوِ


يجِبُ الإنصاتُ أثناءَ الخُطبةِ، ويَحرُمُ الكلامُ [1073] وهو مذهبُ الجمهورِ: الحَنَفيَّة، والمالِكيَّة، والحَنابِلة، وقولٌ للشَّافعيِّ في القديمِ. ينظر: ((حاشية ابن عابدين)) (2/158)، ((التاج والإكليل)) للمواق (2/ 178)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/47)، ((المجموع)) للنووي (4/523). قال ابنُ رجب: (أجمَع العلماءُ على أنَّ الأفضلَ لِمَن سمِع خُطبةَ الإمامِ أن ينصِتَ ويستمعَ، وأنَّه أفضلُ ممَّن يَشتغلُ عن ذلك بذِكرِ الله في نفْسِه، أو تِلاوةِ قُرآنٍ، أو دعاءٍ). ((فتح الباري)) (5/496). وقال ابنُ رجب أيضًا: (اختَلفوا: هل إنصاتُ مَن سمِع الخطبة واجبٌ، وكلامُه في تِلك الحالِ محرَّمٌ، أو هو مكروهٌ فقطْ فلا يأثمُ به؟ على قولين؛ أحدُهما: أنَّه محرَّمٌ، وهو قولُ الأكثَرينَ؛ منهم: الأوزاعيُّ، وأبو حنيفةَ وأصحابُه، ومالكٌ، والشَّافعيُّ في القديمِ، وأحمدُ في المشهورِ عنه، والمنقولُ عن أكثرِ السَّلفِ يَشهَدُ له. وقال عطاءٌ ومجاهدٌ: الإنصاتُ يومَ الجُمعةِ واجبٌ. وقد أمَر ابنُ مسعودٍ بقَرْعِ رأسِ المتكلِّمِ بالعصا، وكان ابنُ عُمرَ يَحصِبُه بالحَصْباءِ، ورُويَ عنه أنَّه قال: المتكلِّمُ لا جُمعةَ له، ولِمَن أجابه: أنت حِمارٌ، وقال ابنُ مسعودٍ وغيرُه لمن تكلَّم في جُمعةٍ: هذا حظُّك مِن صَلاتِك). ((فتح الباري)) (5/499). ويُنظر: ((المصنَّف)) لعبد الرَّزَّاق الصَّنعاني (3/ 225)، ((المصنَّف)) لابن أبي شيبة (1/ 452، 458)، ((الأوسط)) لابن المنذر (4/ 66، 69). .
الدَّليلُ على ذلك مِن الكتابِ والسُّنَّةِ:
أ- مِنَ الكِتابِ
قال الله تعالى: وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا [الأعراف: 204] .
قال أحمدُ بنُ حنبلٍ: أجمَعُوا أنَّها نزلتْ في الصَّلاةِ والخُطبةِ [1074] ((فتح الباري)) لابن رجب (5/499). .
ب- مِنَ السُّنَّةِ
عن أبي هُرَيرَة رَضِيَ اللهُ عنه، أنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((إذا قُلْتَ لصاحبِكَ يومَ الجُمُعةِ: أنصِتْ، والإمامُ يَخطُبُ؛ فقد لَغَوْتَ)) [1075] أخرجه البخاري (934) واللفظ له، ومسلم (851). .
وَجهُ الدَّلالةِ:
دلَّ الحديثُ على النَّهيِ عن جميعِ أنواعِ الكلامِ حالَ الخُطبةِ، ونبَّه بهذا على ما سِواه؛ لأنَّه إذا قال: أنصِتْ، وهو في الأصلِ أمرٌ بمعروفٍ، وسمَّاه لغوًا؛ فغيرُه من الكلامِ أَوْلَى أن يُنهَى عنه [1076] ((شرح مسلم)) للنووي (6/138). .
أمَّا التَّعليلُ: فلأنَّ الخُطبةَ وجبَتْ في الجُمُعةِ تذكيرًا للناسِ، وموعظةً لهم، فإذا لم يجِبِ استماعُها لم تبقَ فائدةٌ في وُجوبِها في نفْسِها؛ فإنَّ إيجابَ المتكلِّمِ بما لا يجِبُ استماعُه يَصيرُ لغوًا لا فائدةَ له [1077] ((فتح الباري)) لابن رجب (5/499). .
فائدةٌ:
عن عبدِ الله بنِ عَمرٍو رضيَ الله عنهما، عن النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم، قال: ((يَحضُرُ الجُمُعةَ ثلاثةُ نَفَرٍ: رجُلٌ حضَرَها يَلْغو فهو حظُّه منها، ورجُلٌ حضَرها يَدعو، فهو رجُلٌ دعا اللهَ عزَّ وجلَّ، إنْ شاء أعطاه، وإن شاء منَعَه، ورجُلٌ حضَرها بإنصاتٍ وسُكوتٍ، ولم يَتخَطَّ رَقَبةَ مسلمٍ، ولم يُؤْذِ أحدًا؛ فهي كفَّارةٌ إلى الجُمُعةِ الَّتي تَليها، وزيادةُ ثلاثةِ أيَّامٍ؛ وذلك بأنَّ اللهَّ عزَّ وجلَّ يقولُ: مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا [الأنعام: 160] )) [1078] أخرجه أبو داود (1113) واللفظ له، وأحمد (7002). حسنه الألباني في ((صحيح سنن أبي داود)) (1113)، وشعيب الأرناؤوط في تخريج ((مسند أحمد)) (7002)، وصحح إسناده أحمد شاكر في تخريج ((مسند أحمد)) (11/183). وذهب إلى تصحيحه ابن خزيمة في ((صحيحه)) (1813). .

انظر أيضا: