تم اعتماد المنهجية من الجمعية الفقهية السعودية
برئاسة الشيخ الدكتور سعد بن تركي الخثلان
أستاذ الفقه بجامعة الإمام محمد بن سعود
عضو هيئة كبار العلماء (سابقاً)
مِنَ الأدَبِ مَعَ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: اتِّباعُه والتَّأسِّي به [473] قال أبو الخَطَّابِ الكَلْوَذانيُّ: (إنَّنا مُتَعَبَّدونَ باتِّباعِ الرَّسولِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم والتَّأسِّي به في أفعالِه. والتَّأسِّي: هو أن نَفعَلَ صورةَ ما فَعَل على الوَجهِ الذي فَعَل لأجلِ أنَّه فَعَل). ((التمهيد في أصول الفقه)) (2/ 313). وقال عِياضٌ: (قال مُحَمَّدُ بنُ عليٍّ التِّرمِذيُّ: الأُسوةُ في الرَّسولِ الاقتِداءُ به والاتِّباعُ لسُنَّتِه وتَركُ مُخالفتِه في قَولٍ أو فِعلٍ). ((الشفا)) (2/ 9). . الدَّليلُ على ذلك مِن الكتابِ والسُّنَّةِ: أ- مِنَ الكِتابِ 1- قال تعالى: قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ * قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ[آل عمران: 31-32] . قال ابنُ كثيرٍ: (هذه الآيةُ الكَريمةُ حاكِمةٌ على كُلِّ مَن ادَّعى مَحَبَّةَ اللهِ، وليس هو على الطَّريقةِ المحَمَّديَّةِ؛ فإنَّه كاذِبٌ في دَعواه في نَفسِ الأمرِ، حتَّى يتَّبِعَ الشَّرعَ المحَمَّديَّ والدِّينَ النَّبَويَّ في جميعِ أقوالِه وأحوالِه، كما ثَبَت في الصَّحيحِ عن رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أنَّه قال: ((مَن عَمِلَ عَمَلًا ليس عليه أمْرُنا، فهو رَدٌّ)) [474] أخرجه البخاري معلقًا بصيغة الجزم قبل حديث (7350)، وأخرجه موصولًا مسلم (1718) من حديثِ عائشةَ رَضِيَ اللهُ عنها. ، ولهذا قال: قُلْ إِنْ كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ أي: يَحصُلْ لكم فوقَ ما طلَبْتُم مِن محَبَّتِكم إيَّاه، وهو محَبَّتُه إيَّاكم، وهو أعظَمُ مِن الأوَّلِ، كما قال بَعضُ الحُكَماءِ العُلَماءِ: ليس الشَّأنُ أن تُحِبَّ، إنَّما الشَّأنُ أن تُحَبَّ. وقال الحَسَنُ البَصريُّ وغيرُه مِنَ السَّلفِ: زَعَمَ قَومٌ أنَّهم يُحِبُّونَ اللَّهَ فابتَلاهمُ اللهُ بهذه الآيةِ، فقال: قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ) [475] ((تفسير القرآن العظيم)) (2/ 32). . 2- قال تعالى: قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ[الأعراف: 158] . 3- قال تعالى: لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا[الأحزاب: 21] . أي: لقد كان لكم -أيُّها المؤمِنونَ- قُدوةٌ حَسَنةٌ في رَسولِ اللهِ وجِهادِه، وبَذلِه نَفسَه لنُصرةِ دينِ اللهِ، وصَبرِه ومُصابَرتِه ومُرابطتِه في غَزوةِ الخَندقِ؛ فتأَسَّوا به في ذلك وغيرِه. لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا أي: إنَّ رَسولَ اللهِ قُدوةٌ حَسَنةٌ لِمَن كان يرجو اللهَ ولقاءَه، وثوابَه ورحمتَه، ويرجو يومَ القيامةِ والجَزاءَ فيه، وذَكَر اللهَ ذِكرًا كثيرًا [476] يُنظر: ((التفسير المحرر)) إعداد القسم العلمي بمؤسسة الدُّرر السَّنية (25/ 131-133). . وعَبَّرَ عنه بوصفِ الرِّسالةِ؛ لأنَّه حَظُّ الخَلقِ مِنه ليَقتَدوا بأفعالِه وأقوالِه، ويَتَخَلَّقوا بأخلاقِه وأحوالِه، ونَبَّه على أنَّ الذي يَحمِلُ على التَّأسِّي به صلَّى اللهُ عليه وسلَّم إنَّما هو الصِّدقُ في الإيمانِ، ولا سيَّما الإيمانِ بالقيامةِ [477] ((نظم الدرر)) للبِقاعي (15/ 323). . وفي الآيةِ دَليلٌ على وُجوبِ التَّأسِّي بالنَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم؛ لأنَّ رَجاءَ اللهِ تعالى واليَومِ الآخِرِ واجِبٌ [478] يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة الأحزاب)) (ص: 167). ويُنظر: ((التمهيد في أصول الفقه)) للكلوذاني (2/ 316). . ب- مِنَ السُّنَّةِ 1- عن أنَسِ بنِ مالكٍ رَضِيَ اللَّهُ عنه قال: ((جاء ثلاثةُ رَهطٍ إلى بُيوتِ أزواجِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يسألونَ عن عبادةِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فلمَّا أُخبروا كأنَّهم تَقالُّوها، فقالوا: وأين نحن من النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم؟ قد غُفِر له ما تَقَدَّمَ مِن ذَنبِه وما تأخَّر! قال أحدُهم: أمَّا أنا فإنِّي أصَلِّي اللَّيلَ أبدًا، وقال آخَرُ: أنا أصومُ الدَّهرَ ولا أُفطِرُ، وقال آخَرُ: أنا أعتَزِلُ النِّساءَ فلا أتزوَّجُ أبدًا، فجاء رسولُ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم إليهم، فقال: أنتم الذين قُلتُم كذا وكذا؟! أمَا واللَّهِ إنِّي لأخشاكم للهِ وأتقاكم له، لكنِّي أصومُ وأُفطِرُ، وأُصَلِّي وأرقُدُ، وأتزَوَّجُ النِّساءَ، فمَن رَغِبَ عن سُنَّتي فليس منِّي)) [479] أخرجه البخاري (5063) واللفظ له، ومسلم (1401). . 2- عن عائِشةَ رَضِيَ اللهُ عنها، قالت: ((صَنَعَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم شيئًا ترَخَّصَ فيه، وتَنَزَّه [480] التَّنَزُّه: التَّباعُدُ عنِ الشَّيءِ، أي: أنَّهم تَرَكوه ولم يَعمَلوا به، ولا اقتَدَوا برَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فيه. يُنظر: ((جامع الأصول)) لابن الأثير (1/ 295). عنه قَومٌ، فبَلغَ ذلك النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فحَمِدَ اللَّهَ وأثنى عليه، ثُمَّ قال: ما بالُ أقوامٍ يَتَنَزَّهونَ عنِ الشَّيءِ أصنَعُه! فواللهِ إنِّي أعلَمُهم باللهِ، وأشَدُّهم له خَشيةً)) [481] أخرجه البخاري (6101) واللفظ له، ومسلم (2356). . 3- عن عائِشةَ زَوجِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قالت: ((دَخَلَت عليَّ خُوَيلةُ بنتُ حَكيمِ بنِ أُمَيَّةَ بنِ حارِثةَ بنِ الأوقَصِ السُّلَميَّةُ، وكانت عِندَ عُثمانَ بنِ مَظعونٍ، قالت: فرَأى رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بَذاذةَ [482] البَذاذةُ: سوءُ الهَيئةِ والتَّجَوُّزُ في الثِّيابِ ونَحوِها، يُقالُ هو باذُّ الهَيئةِ: إذا كان رَثَّ الهَيئةِ واللِّباسِ. يُنظر: ((العين)) للخليل (8/ 178)، ((معالم السنن)) للخطابي (4/ 208). هيئَتِها، فقال لي: يا عائِشةُ، ما أبَذَّ هيئةَ خُوَيلةَ! قالت: فقُلتُ: يا رَسولَ اللهِ، امرَأةٌ لا زَوجَ لها؛ يَصومُ النَّهارَ، ويَقومُ اللَّيلَ! فهي كمَن لا زَوجَ لها، فتَرَكت نَفسَها وأضاعَتْها! قالت: فبَعَثَ رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم إلى عُثمانَ بنِ مَظعونٍ، فجاءَه، فقال: يا عُثمانُ، أرَغبةً عن سُنَّتي؟! قال: فقال: لا واللَّهِ يا رَسولَ اللهِ، ولكِنْ سُنَّتَك أطلُبُ! قال: فإنِّي أنامُ وأُصَلِّي، وأصومُ وأُفطِرُ، وأنكِحُ النِّساءَ؛ فاتَّقِ اللَّهَ يا عُثمانُ؛ فإنَّ لأهلِك عليك حَقًّا، وإنَّ لضَيفِك عليك حَقًّا، وإنَّ لنَفسِك عليك حَقًّا، فصُمْ وأفطِرْ، وصَلِّ ونَمْ)) [483] أخرجه أبو داود (1369) مختصرًا، وأحمد (26308) واللفظ له. صحَّحه الألباني في ((صحيح سنن أبي داود)) (1369)، وشعيب الأرناؤوط في تخريج ((سنن أبي داود)) (1369). . صُوَرٌ مِنِ اتِّباعِ الصَّحابةِ للرَّسولِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم والاقتِداءِ به 1-عن أبي هُرَيرةَ رَضِيَ اللهُ عنه، قال: (لمَّا توُفِّيَ رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، وكان أبو بَكرٍ رَضِيَ اللهُ عنه، وكَفرَ مَن كَفَر مِنَ العَرَبِ، فقال عُمَرُ رضِيَ اللهُ عنه: كَيف تُقاتِلُ النَّاسَ وقد قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: «أُمِرتُ أن أُقاتِلَ النَّاسَ حتَّى يَقولوا: لا إلهَ إلَّا اللَّهُ، فمَن قالها فقد عَصَمَ مِنِّي مالَه ونَفسَه إلَّا بحَقِّه، وحِسابُه على اللهِ»؟ فقال: واللهِ لأُقاتِلَنَّ مَن فَرَّق بَينَ الصَّلاةِ والزَّكاةِ، فإنَّ الزَّكاةَ حَقُّ المالِ، واللَّهِ لو مَنَعوني عَناقًا [484] العَناقُ: مِن أولاد المعزى: هيَ الأُنثى التي لم تَستَكمِلْ سَنةً. يُنظر: ((الزاهر)) لأبي منصور الأزهري (ص: 193)، ((المجموع المغيث)) لأبي موسى المديني (2/ 513). وفي رِوايةٍ: (لو مَنَعوني عِقالًا) [أخرجها البخاري (7284، 7285)، ومسلم (20) من حديثِ أبي هرَيرةَ رَضِيَ اللهُ عنه]: يَعني: في الصَّدَقةِ، والعِقالُ: قيل: هو الحَبلُ الذي يُشَدُّ به البَعيرُ ويُعقَلُ، وقيل: المُرادُ زَكاةُ عامٍ، يُقالُ: أخَذَ مِنَّا عِقالَ هذا العامِ، أي: أخذَ مِنَّا صَدَقةَ عامِنا على مَواشينا، وقيل غَيرُ ذلك. يُنظر: ((غريب الحديث)) للقاسم بن سلام (4/ 104)، ((الزاهر)) لأبي منصور الأزهري (ص: 193)، ((غريب الحديث)) للخطابي (2/ 46)، ((مطالع الأنوار)) لابن قرقول (5/ 36)، ((كشف المشكل)) لابن الجوزي (1/ 27)، ((شرح مسلم)) للنووي (1/ 207-209)، ((فتح الباري)) لابن حجر (12/ 278). كانوا يُؤَدُّونَها إلى رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم لقاتَلتُهم على مَنعِها. قال عُمَرُ رضِيَ اللهُ عنه: فواللهِ ما هو إلَّا أن قد شَرَحَ اللهُ صَدرَ أبي بَكرٍ رَضِيَ اللهُ عنه، فعَرَفتُ أنَّه الحَقُّ) [485] أخرجه البخاري (1399، 1400) واللفظ له، ومسلم (20). . 2-عن شريكِ بن أبي نمرٍ، عن سعيدِ بنِ المسيبِ، أخبرني أبو موسى الأشعريُّ، ((أنَّه تَوضَّأ في بَيتِه ثُمَّ خَرَجَ، فقال: ((لألزَمَنَّ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، ولأكونَنَّ مَعَه يومي هذا، قال: فجاءَ المَسجِدَ، فسَأل عنِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فقالوا: خَرَجَ وَجَّهَ هاهنا [486] الرِّوايةُ المَشهورةُ: وَجَّهَ، بفتحِ الجيمِ مُشَدَّدةً على أنَّه فِعلٌ ماضٍ، وضُبِط بسُكونِ الجيمِ على أن يَكونَ ظَرفًا، والعامِلُ فيه خَرَجَ، أي: خَرَجَ في هذه الجِهةِ. يُنظر: ((إكمال المعلم)) لعياض (7/ 408)، ((المفهم)) لأبي العباس القرطبي (6/ 264). ، قال فخَرَجتُ على أثَرِه أسألُ عنه، حتَّى دَخَل بِئرَ أَرِيسَ، قال: فجَلستُ عِندَ البابِ، وبابُها مِن جَريدٍ، حتَّى قَضى رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم حاجَتَه وتَوضَّأ، فقُمتُ إليه، فإذا هو قد جَلسَ على بئرِ أَرِيسَ وتَوسَّط قُفَّها [487] قال عياضٌ: (الأشبَهُ بالقُفِّ هنا البناءُ الَّذي حولَ البِئرِ. قال ابنُ دُرَيدٍ: القُفُّ: الغليظُ المرتَفِعُ من الأرضِ. ومثلُ هذا هو الذي يتَّفِقُ للجماعةِ الجُلوسُ عليه وتَدَلِّي أرجُلِهم منه في البئرِ، ومقابَلةُ أحَدِهم من الجانِبِ الآخَرِ). ((إكمال المعلم)) (7/ 408). ويُنظر: ((جمهرة اللغة)) لابن دريد (1/ 161). ، وكشَف عن ساقَيه، ودَلَّاهما في البئرِ، قال: فسَلَّمتُ عليه، ثُمَّ انصَرَفتُ فجَلسَتُ عِندَ البابِ، فقُلتُ: لأكونَنَّ بَوَّابَ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم اليومَ، فجاءَ أبو بَكرٍ فدَفعَ البابَ، فقُلتُ: مَن هذا؟ فقال أبو بَكرٍ: فقُلتُ: على رِسْلِك [488] على رِسْلِك: بفَتحِ الرَّاءِ وكَسرِها، وهما بمعنى التَّثبُّتِ والسُّكونِ. وقيل: بالفَتحِ، أي: على رِفقِك ولِينِك، وأصلُه من السَّيرِ اللَّيِّنِ، وبالكَسرِ: على تُؤَدتِك وتَركِ العَجَلةِ، وهما متقارِبانِ. يُنظر: ((إكمال المعلم)) لعياض (7/ 408، 409). ، قال: ثُمَّ ذَهَبتُ فقُلتُ: يا رَسولَ اللهِ، هذا أبو بَكرٍ يستَأذِنُ، فقال: ائذَنْ له، وبَشِّرْه بالجنَّةِ، قال: فأقبَلتُ حتَّى قُلتُ لأبي بَكرٍ: ادخُلْ، ورَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يُبَشِّرُك بالجَنَّةِ، قال: فدَخَل أبو بَكرٍ، فجَلسَ عن يمينِ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، مَعَه في القُفِّ، ودَلَّى رِجليه في البئرِ كما صَنَعَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، وكشَف عن ساقَيه، ثُمَّ رَجَعتُ فجَلستُ، وقد تَرَكتُ أخي يتَوضَّأُ ويلحَقُني، فقُلتُ: إن يُرِدِ اللهُ بفُلانٍ -يُريدُ أخاه- خَيرًا يأتِ به، فإذا إنسانٌ يُحَرِّكُ البابَ، فقُلتُ: مَن هذا؟ فقال: عُمَرُ بنُ الخَطَّابِ، فقُلتُ: على رِسْلِك، ثُمَّ جِئتُ إلى رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فسَلَّمتُ عليه وقُلتُ: هذا عُمرُ يستَأذِنُ، فقال: ائذَنْ له وبَشِّرْه بالجنَّةِ، فجِئتُ عُمَرَ فقُلتُ: أذِنَ ويُبَشِّرُك رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بالجَنَّةِ، قال فدَخَل فجَلسَ مَعَ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم في القُفِّ عن يسارِه، ودَلَّى رِجلَيه في البئرِ، ثُمَّ رَجَعتُ فجَلَستُ فقُلتُ: إن يرِدِ اللهُ بفُلانٍ خَيرًا -يعني أخاه- يأتِ به، فجاءَ إنسانٌ فحَرَّك البابَ، فقُلتُ: مَن هذا؟ فقال: عُثمانُ بنُ عَفَّانَ، فقُلتُ: على رِسْلِك، قال: وجِئتُ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فأخبَرتُه، فقال: ائذَنْ له وبَشِّره بالجَنَّةِ، مَعَ بَلوى تُصيبُه، قال: فجِئتُ فقُلتُ: ادخُلْ، ويُبَشِّرُك رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بالجَنَّةِ مَعَ بَلوى تُصيبُك، قال: فدَخَل فوجَدَ القُفَّ قد مُلئَ، فجَلسَ وِجاهَهم مِنَ الشِّقِّ الآخَرِ. قال شَريكٌ: فقال سَعيدُ بنُ المُسَيِّبِ: فأوَّلْتُها قُبورَهم)) [489] أخرجه البخاري (3674)، ومسلم (2403) واللفظ له. . 3- عن عُمَرَ رضِيَ اللهُ عنه: أنَّه جاءَ إلى الحَجَرِ الأسودِ فقَبَّله، فقال: ((إنِّي أعلمُ أنَّك حَجَرٌ لا تَضُرُّ ولا تَنفعُ، ولولا أنِّي رَأيتُ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يُقَبِّلُك ما قَبَّلتُك)) [490] أخرجه البخاري (1597) واللفظ له، ومسلم (1270). . 4- عن نافِعٍ، عن ابنِ عُمَرَ رضِيَ اللهُ عنهما: ((أنَّه كان يَأتي شَجَرةً بَينَ مَكَّةَ والمَدينةِ، فيَقيلُ [491] قال يَقيلُ قَيلًا وقَيلولةً: نامَ نِصفَ النَّهارِ، والقائِلةُ وقتُ القَيلولةِ، وقد تُطلقُ على القَيلولةِ. والفِعلُ الماضي مِنه ومِنَ القَولِ مُشتَرَكٌ بخِلافِ المُضارِعِ، فقال يَقيلُ مِنَ القائِلةِ، وقال يَقولُ مِنَ القَولِ. يُنظر: ((المصباح المنير)) للفيومي (2/ 521)، ((فتح الباري)) لابن حجر (11/ 71). تَحتَها، ويُخبرُ أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم كان يَفعَلُ ذلك)) [492] أخرجه البزار (5909) واللفظ له، والطبراني في ((المعجم الأوسط)) (3968). حَسَّنه الألبانيُّ في ((صحيح التَّرغيب)) (47)، وقال المنذري في ((الترغيب والترهيب)) (1/63): إسنادُه لا بَأسَ له. . 5- عن عُروةَ بنِ عَبدِ اللَّهِ، قال: حَدَّثَنا مُعاويةُ بنُ قُرَّةَ حَدَّثَني أبي، قال: ((أتَيتُ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم في رَهطٍ مِن مُزَينةَ، فبايَعناه، وإنَّ قَميصَه لمُطلَقُ الأزرارِ، قال: فبايَعتُه ثُمَّ أدخَلتُ يَدي في جَيبِ قَميصِه، فمَسِستُ الخاتَمَ)). قال عُروةُ: فما رَأيتُ مُعاويةَ ولا ابنَه قَطُّ إلَّا مُطلِقَي أزرارِهما في شِتاءٍ ولا حَرٍّ، ولا يُزَرِّرانِ أزرارَهما أبَدًا [493] أخرجه أبو داود (4082) واللفظ له، وابن ماجه (3578)، وأحمد (15581). صَحَّحه ابنُ حبان في ((صحيحه)) (5452)، والألباني في ((صحيح سنن أبي داود)) (4082)، والوادعي في ((الصحيح المسند مما ليس في الصحيحين)) (1078)، وصَحَّحَ إسنادَه النَّوويُّ في ((المَجموع)) (4/468)، وشعيب الأرناؤوط في تخريج ((سنن أبي داود)) (4082). . 6- عن أبي أيُّوبَ الأنصاريِّ رَضِيَ اللهُ عنه ((أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم نَزَل عليه، فنَزَل النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم في السُّفلِ، وأبو أيُّوبَ في العُلوِ، قال: فانتَبَهَ أبو أيُّوبَ ليلةً، فقال: نَمشي فوقَ رَأسِ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم! فتَنحَّوا فباتوا في جانِبٍ، ثُمَّ قال للنَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فقال النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: السُّفلُ أرفَقُ، فقال: لا أعلو سَقيفةً أنتَ تَحتَها، فتَحَوَّل النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم في العُلوِ، وأبو أيُّوبَ في السُّفلِ، فكان يَصنَعُ للنَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم طَعامًا، فإذا جيءَ به إليه سَأل عن مَوضِعِ أصابعِه، فيَتَتَبَّعُ مَوضِعَ أصابعِه، فصَنَع له طَعامًا فيه ثومٌ، فلمَّا رُدَّ إليه سَأل عن مَوضِعِ أصابعِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فقيل له: لم يَأكُلْ، ففزِعَ وصَعِدَ إليه، فقال: أحرامٌ هو؟ فقال النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: لا ولكِنِّي أكرَهُه، قال: فإنِّي أكرَهُ ما تَكرَهُ -أو ما كَرِهتَ-، قال: وكان النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يُؤتى [494] يُؤتى: قد فسَّرَه راوي الحَديثِ بقَولِه: (يَعني: يَأتيه الوحيُ)، ومَعناه: يُؤتى بالوَحيِ، أي: يُجاءُ إليه به. والوحيُ: ما يُبَلِّغُه عنِ اللهِ تعالى مِمَّا يُبَلِّغُه جِبريلُ عليه السَّلامُ. يُنظر: ((المفهم)) لأبي العباس القرطبي (5/ 329). ) [495] أخرجه مسلم (2053). . قال النَّوويُّ: (قَولُه: «نَزَل النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم في السُّفلِ، وأبو أيُّوبَ في العُلوِ» ثُمَّ ذَكَرَ كَراهةَ أبي أيُّوبَ لعُلوِّه ومَشيِه فوقَ رَأسِ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، وأنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم تَحَوَّل إلى العُلوِ: أمَّا نُزولُه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أوَّلًا في السُّفلِ فقد صَرَّحَ بسَبَبِه وأنَّه أرفقُ به وبأصحابِه وقاصِديه، وأمَّا كَراهةُ أبي أيُّوبَ فمِنَ الأدَبِ المَحبوبِ الجَميلِ، وفيه إجلالُ أهلِ الفَضلِ، والمُبالغةُ في الأدَبِ مَعَهم... وفيه مَنقَبةٌ ظاهرةٌ لأبي أيُّوبَ الأنصاريِّ رَضِيَ اللهُ عنه من أوجُهٍ؛ مِنها: نُزولُه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، ومِنها: أدَبُه مَعَه، ومِنها: موافقَتُه في تَركِ الثُّومِ، وقَولُ: «إنِّي أكرَهُ ما تَكرَهُ»، ومِن أوصافِ المُحِبِّ الصَّادِقِ أن يُحِبَّ ما أحَبَّ مَحبوبُه، ويَكرَهَ ما كَرِهَ) [496] ((شرح مسلم)) (14/ 10). . 7- عن أبي سَعيدٍ الخُدريِّ رَضِيَ اللهُ عنه، قال: ((بَينَما رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يُصَلِّي بأصحابِه إذ خَلعَ نَعلَيه فوضَعَهما عن يَسارِه، فلمَّا رَأى ذلك القَومُ ألقَوا نِعالَهم، فلمَّا قَضى رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم صَلاتَه، قال: ما حَملَكُم على إلقاءِ نِعالِكُم؟ قالوا: رَأيناك ألقَيتَ نَعلَيك فألقَينا نِعالَنا، فقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: إنَّ جِبريلَ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أتاني فأخبَرَني أنَّ فيهما قَذَرًا -أو قال: أذًى-، وقال: إذا جاءَ أحَدُكُم إلى المَسجِدِ فليَنظُرْ فإن رَأى في نَعلَيه قَذَرًا أو أذًى فليَمسَحْه وليُصَلِّ فيهما)) [497] أخرجه أبو داود (650) واللفظ له، وأحمد (11877). صَحَّحه ابنُ خُزَيمة في ((الصحيح)) (2/21)، وابن حبان في ((صحيحه)) (2185)، والنووي في ((المجموع)) (3/132)، وابن حجر في ((موافقة الخبر الخبر)) (1/91)، والألباني في ((صحيح سنن أبي داود)) (650)، والوادعي على شرط مسلم في ((الصحيح المسند مما ليس في الصحيحين)) (413). .