موسوعة الآداب الشرعية

ثامنًا: الصَّلاةُ في المُصَلَّى


يُستحَبُّ الخروجُ لصلاةِ العيدِ إلى المصلَّى في الصَّحْراءِ خارجَ البلدِ [1202] وهو مذهبُ الجمهورِ: الحَنَفيَّة، والمالِكيَّة، والحَنابِلَة، وهو وجهٌ للشَّافعيَّةِ. ينظر: ((حاشية ابن عابدين)) (2/168، 169)، ((الكافي)) لابن عبد البر (1/263)، ((الإنصاف)) للمرداوي (2/298)، ((المجموع)) (5/5).  قال ابنُ عُثَيمين: (يُسنُّ إقامتُها في الصَّحْراءِ خارجَ البلدِ، ويَنبغي أن تكونَ قريبةً؛ لئلَّا يشقَّ على النَّاسِ). ((الشرح الممتع)) (5/121). وقال أيضًا: (السُّنَّةُ في صلاةِ العيدِ أن تكونَ في الصَّحْراءِ كما فعَل النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فإذا كَبُر البلدُ فإنَّه ينبغي أن يُنقَلَ المصلَّى إلى الصَّحْراءِ، وإذا لم يُنقَلْ فلا حرَجَ؛ لأنَّ كونَها في الصَّحْراءِ ليس على سبيلِ الوُجوبِ، بل هو على سبيلِ الاستحبابِ). ((مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)) (16/233). ، وحُكيَ إجماعُ المسلمينَ على ذلك [1203] قال ابنُ قُدامة: (لنا: أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم كان يَخرُجُ إلى المصلَّى ويدَعُ مسجدَه، وكذلك الخلفاءُ بعدَه، ولا يترُكُ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم الأفضلَ مع قُربِه، ويتكلَّفُ فِعلَ النَّاقِصِ مع بُعدِه، ولا يَشرَعُ لأُمَّتِه تركَ الفضائلِ، ولأنَّنا قد أُمِرْنا باتِّباعِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم والاقتداءِ به، ولا يجوزُ أن يكونَ المأمورُ به هو الناقِصَ، والمنهيُّ عنه هو الكاملَ، ولم يُنقَلْ عن النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أنَّه صلَّى العيدَ بمسجدِه إلَّا مِن عُذرٍ، ولأنَّ هذا إجماعُ المسلمينَ؛ فإنَّ النَّاسَ في كلِّ عصرٍ ومِصْرٍ يَخرُجون إلى المصلَّى، فيُصَلُّون العيدَ في المصلَّى، مع سَعةِ المسجدِ وضِيقِه، وكان النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يُصلِّي في المصلَّى مع شرَفِ مسجدِه). ((المغني)) (2/276). وقال النَّوويُّ: (قوله: «أنَّ رسولَ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم كان يخرُجُ يومَ الأضحى ويومَ الفِطرِ فيَبدَأُ بالصَّلاةِ»، هذا دليلٌ لِمَن قال باستِحبابِ الخروجِ لصلاةِ العيدِ إلى المصلَّى، وأنَّه أفضلُ مِن فِعلِها في المسجدِ، وعلى هذا عمَلُ النَّاسِ في مُعظَمِ الأمصارِ). ((شرح مسلم)) (6/177). وقال القرطبيُّ: (وقد اتَّفق مالكٌ وسائرُ العُلماءِ على أنَّ صلاةَ العيدين يُبرَزُ لهما في كلِّ بلدٍ إلَّا مكَّةَ؛ فإنَّها تُصلَّى في المسجدِ الحرامِ). ((الجامع لأحكام القرآن)) (9/372). .
الدليل على ذلك مِنَ السُّنَّةِ:
1- عن ابنِ عُمرَ رَضِيَ اللهُ عنهما، قال: ((كان النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يَغدُو إلى المصلَّى والعَنَزةُ [1204] العَنَزةُ: كَهَيئةِ عَصا أو عُكَّازةٍ، وهيَ مِثلُ نِصفِ الرُّمحِ أو أكبَرُ شَيئًا، وفيها سِنانٌ مِثلُ سِنانِ الرُّمحِ. يُنظر: ((العين)) للخليل (1/ 356)، ((تهذيب اللغة)) لأبي منصور الأزهري (2/ 83)، ((جامع الأصول)) لابن الأثير (1/ 518) و(5/ 296). بيْن يَدَيه تُحمَلُ، وتُنصَبُ بالمصلَّى بيْن يديه، فيُصلِّي إليها)) [1205] أخرجه البخاري (973) واللفظ له، ومسلم (501). .
2- وعن أبي سَعيدٍ الخدريِّ رَضِيَ اللهُ عنه، قال: ((كان رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يَخرُجُ يومَ الفِطرِ والأضحى إلى المصلَّى)) [1206] أخرجه البخاري (956) واللفظ له، ومسلم (889). .
3- أنَّه فِعلُ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وخلفائِه الرَّاشِدينَ؛ فإنَّهم كانوا يُصلُّونها في الصَّحْراءِ، ولولا أنَّ هذا أمرٌ مقصودٌ لم يُكلِّفوا أنفسَهم ولا النَّاسَ أن يَخرُجوا خارجَ البلدِ [1207] ((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (5/121). . بل ذكَر ابنُ قُدامةَ أنَّه إجماعُ النَّاسِ؛ يخرُجون إلى المصلَّى مع شرفِ مسجدِه [1208] ((المغني)) لابن قدامة (2/276). .
وأمَّا التَّعليلُ فللآتي:
1- أنَّه أوقعُ لهَيبةِ الإسلامِ، وأظهرُ لشعائرِ الدِّينِ [1209] ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/53). .
2- أنَّ النَّاسَ يَكثُرونَ في صلاةِ العيدِ، فيَضيقُ عليهم المسجدُ في العادةِ، ويَحصُلُ الزِّحامُ، ورُبَّما اختلَطَ الرِّجالُ بالنِّساءِ، فكان مِن المناسبِ الخروجُ إلى المصلَّى [1210] ((المجموع)) للنووي (5/4)، ((الشرح الكبير)) للدردير، مع ((حاشية الدسوقي)) (1/399). .

انظر أيضا: