موسوعة الآداب الشرعية

ثانيًا: السُّحورُ


يُستحَبُّ لِمَن أراد الصِّيامَ أن يتسَحَّرَ.
الدَّليلُ على ذلك مِن السنَّةِ والإجماعِ:
أ- مِنَ السُّنَّةِ
1- عن أنسِ بنِ مالكٍ رَضِيَ اللهُ عنه، قال: قال النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((تسَحَّرُوا؛ فإنَّ في السَّحورِ [1286] السَّحورُ -بِفَتحِ السِّينِ-: طعامُ السَّحَرِ وشَرابُه. أما السُّحُورُ -بضَمِّ السِّينِ- فهو أكلُ طَعامِ السَّحَرِ. فهو بالفَتحِ: اسمُ ما يُتَسَحَّرُ به، وبالضَّمِّ المصدَرُ والفِعلُ نفْسُه. يُنظر: ((لسان العرب)) لابن منظور (1/ 351). بَرَكةً)) [1287] أخرجه البخاري (1923)، ومسلم (1095). .
والبَرَكةُ في السَّحورِ تَحصُلُ بجهاتٍ مُتعَدِّدةٍ؛ منها: اتِّباعُ السُّنَّةِ، ومخالفةُ أهلِ الكِتابِ، والتَّقَوِّي به على العبادةِ، والزِّيادةُ في النَّشاطِ، ومُدافَعةُ سُوءِ الخُلُقِ الذي يُثيرُه الجوعُ، والتَّسبُّبُ بالصَّدَقةِ على من يسألُ إذ ذاك، أو يجتَمِعُ معه على الأكلِ، والتَّسبُّبُ للذِّكْرِ والدُّعاءِ وَقتَ مَظِنَّةِ الإجابةِ، وتدارُكُ نيَّةِ الصَّومِ لِمَن أغفَلَها قبلَ أن يَنامَ [1288] ((فتح الباري)) لابن حجر (4/140). قال النَّوويُّ: (وسَبَبُ البركةِ فيه: تقويَتُه الصَّائِم على الصَّومِ، وتنشيطُه له، وفَرَحُه به، وتَهوينُه عليه، وذلك سَبَبٌ لكثرةِ الصَّومِ). ((المجموع)) (6/360). وقال ابنُ دقيقِ العيدِ: (وهذه البَرَكةُ يجوزُ أن تعودَ إلى الأمورِ الأخرويَّةِ؛ فإنَّ إقامةَ السُّنَّةِ توجِبُ الأجرَ وزيادتَه، ويحتملُ أن تعودَ إلى الأمورِ الدُّنيويَّةِ لقُوَّةِ البدَنِ على الصَّومِ، وتيسيره مِن غَيرِ إجحافٍ به). ((إحكام الأحكام)) (1/269). وقال ابنُ عُثيمين: (برَكةُ السَّحورِ: المرادُ بها البَرَكةُ الشَّرعيَّةُ، والبَرَكةُ البدَنيَّةُ؛ أمَّا البَرَكةُ الشَّرعيَّةُ فمنها امتثالُ أمرِ الرَّسولِ والاقتداءُ به صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، وأمَّا البَرَكةُ البدَنيَّةُ فمِنها تغذيةُ البدَنِ وقُوَّتُه على الصَّومِ). ((مجموع فتاوى ورسائل العُثيمين)) (19/362). وقال أيضًا: (ومِن بَرَكتِه أنَّه مَعونةٌ على العبادةِ؛ فإنَّه يُعِينُ الإنسانَ على الصِّيامِ؛ فإذا تسَحَّرَ كفاه هذا السَّحورُ إلى غروبِ الشَّمسِ، مع أنَّه في أيَّامِ الإفطارِ يأكُلُ في أوَّلِ النَّهارِ، وفي وسَطِ النَّهارِ، وفي آخِرِ النَّهارِ، ويشربُ كثيرًا، فيُنزِلُ اللهُ البَرَكةَ في السَّحورِ، يكفيه مِن قبلِ طُلوعِ الفَجرِ إلى غُروبِ الشَّمس). ((شرح رياض الصالحين)) (3/336). .
2- عن أنسٍ رَضِيَ اللهُ عنه أنَّ زَيدَ بنَ ثابتٍ رَضِيَ اللهُ عنه حَدَّثَه: ((أنَّهم تسَحَّروا مع النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، ثمَّ قاموا إلى الصَّلاةِ [1289] قال الجَصَّاصُ: (ندَبَ رسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم إلى السَّحورِ، وليس يمتنِعُ أن يكونَ مُرادُ الله بقوله: وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ [البقرة: 187] في بعضِ ما انتظمه: أكْلةَ السحورِ، فيكون مندوبًا إليها بالآيةِ. فإن قيل: قد تضمَّنَتِ الآيةُ -لا محالةَ- الرُّخصةَ في إباحةِ الأكلِ، وهو ما كان منه في أوَّلِ اللَّيلِ لا على وجهِ السحورِ، فكيف يجوزُ أن ينتَظِمَ لَفظٌ واحدٌ ندبًا وإباحةً؟ قيل له: لم يثبُتْ ذلك بظاهرِ الآيةِ، وإنَّما استدلَلْنا عليه بظاهِرِ السُّنَّةِ، فأمَّا ظاهِرُ اللَّفظِ فهو إطلاقُ إباحةٍ على ما بَيَّنَّا). ((أحكام القرآن)) (1/289). ...)) [1290] أخرجه البخاري (575) واللفظ له، ومسلم (1097). .
ب- مِنَ الإجماعِ
نَقَل الإجماعَ على ذلك غيرُ واحدٍ [1291] ممن نقَل الإجماعَ على ذلك: ابنُ المُنذِرِ، وعِياضٌ، وابنُ قُدامةَ، والنَّوويُّ، والعَينيُّ. قال ابنُ المنذِرِ: (أجمَعُوا على أنَّ السُّحورَ مندوبٌ إليه). ((الإجماع)) (ص 49). وقال عِياضٌ: (أجمَع الفُقَهاءُ على أنَّ السُّحورَ مندوبٌ إليه، ليس بواجبٍ). ((إكمال المعلم)) (4/33). وقال ابنُ قدامةَ في استحبابِ السُّحورِ: (ولا نعلَمُ فيه بين العُلماءِ خلافًا). ((المغني)) (3/ 173). وقال النَّوويُّ: (وأجمع العُلَماءُ على استحبابِه -أي: السُّحورِ- وأنَّه ليس بواجبٍ). ((شرح مسلم)) (7/206). وقال العَينيُّ: (فإن قلتَ: قَولُه: «تسحَّروا» أمرٌ، ومقتضاه الوجوبُ؟ قلتُ: أُجيبَ بأنَّه أمْرُ ندبٍ بالإجماعِ). ((عمدة القاري)) (10/300). .

انظر أيضا: