موسوعة الآداب الشرعية

فائِدةٌ: ذِكرُ بَعضِ الآدابِ الباطِنةِ للحَجِّ


(اعلَمْ: أنَّ في كُلِّ واحِدٍ مِن أفعالِ الحَجِّ تَذكِرةً للمُتَذَكِّرِ، وعِبرةً للمُعتَبرِ. فمِن ذلك: أن يَتَذَكَّرَ بتَحصيلِ الزَّادِ زادَ الآخِرةِ مِنَ الأعمالِ، وليَحذَرْ أن تَكونَ أعمالُه فاسِدةً مِنَ الرِّياءِ والسُّمعةِ، فلا تَصحَبَه ولا تَنفعَه، كالطَّعامِ الرَّطبِ الذي يَفسُدُ في أوَّلِ مَنازِل السَّفَرِ، فيبقى صاحِبُه وقتَ الحاجةِ مُتَحَيِّرًا، فإذا فارَقَ وطَنَه ودَخَل الباديةَ وشَهدَ تلك العَقَباتِ، فليَتَذَكَّرْ بذلك خُروجَه مِنَ الدُّنيا بالمَوتِ إلى ميقاتِ القيامةِ وما بَينَهما مِنَ الأهوالِ.
ومِن ذلك: أن يَتَذَكَّرَ وقتَ إحرامِه وتَجَرُّدِه مِن ثيابِه، إذا لبسَ المُحرِمُ الإحرامَ لَبِسَ كَفنَه، وأنَّه سَيَلقى رَبَّه على زيٍّ مُخالفٍ لزيِّ أهلِ الدُّنيا، وإذا لبَّى فليَستَحضِرْ بتَلبيَتِه إجابةَ اللهِ تعالى؛ إذ قال: وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ [الحج: 27] ، وليَرجُ القَبولَ، وليَخشَ عَدَمَ الإجابةِ، وكذلك إذا وصَل إلى الحَرَمِ يَنبَغي أن يَكونَ الرَّجاءُ غالبًا؛ لأنَّ الكَرَمَ عَميمٌ، وحَقُّ الزَّائِرِ مَرعيٌّ، وذِمامُ المُستَجيرِ لا يَضيعُ.
ومِن ذلك: إذا رَأى البَيتَ الحَرامَ استَحضَرَ عَظَمَتَه في قَلبِه، وشَكَرَ اللَّهَ تعالى على تَبليغِه رُتبةَ الوافِدينَ إليه، وليَستَشعِرْ عَظَمةَ الطَّوافِ به؛ فإنَّه صَلاةٌ، ويَعتَقِدُ عِندَ استِلامِ الحَجَرِ أنَّه مُبايِعٌ للهِ على طاعَتِه، ويَضُمُّ إلى ذلك عَزيمَتَه على الوفاءِ بالبَيعةِ، وليَتَذَكَّرْ بالتَّعَلُّقِ بأستارِ الكَعبةِ والالتِصاقِ بالمُلتَزَمِ لجَأَ المُذنِبِ إلى سَيِّدِه وقُربَ المُحِبِّ.
ومِن ذلك: إذا سَعى بَينَ الصَّفا والمَروةِ يَنبَغي أن يُمَثِّلَها بكِفَّتَيِ الميزانِ، وتُرَدُّدَه بَينَهما في عَرَصاتِ القيامةِ، أو تَرَدُّدَ العَبدِ إلى بابِ دارِ المَلِكِ؛ إظهارًا لخُلوصِ خِدمَتِه، ورَجاءَ المُلاحَظةِ بعَينِ رَحمَتِه، وطَمَعًا في قَضاءِ حاجَتِه.
وأمَّا الوُقوفُ بعَرَفةَ: فاذكُرْ بما تَرى فيه مِنِ ازدِحامِ الخَلقِ، وارتِفاعِ أصواتِهم واختِلافِ لُغاتِهم مَوقِفَ القيامةِ، واجتِماعَ الأُمَمِ في ذلك المَوطِنِ، واستشفاعَهم.
فإذا رَمَيتَ الجِمارَ: فاقصِدْ بذلك الانقيادَ للأمرِ، وإظهارَ الرِّقِّ والعُبوديَّةِ، ومُجَرَّدَ الامتِثالِ مِن غَيرِ حَظِّ النَّفسِ) [1599] ((مختصر منهاج القاصدين)) لأبي العباس ابن قدامة (ص: 49) بتصرف. .

انظر أيضا: