موسوعة الآداب الشرعية

رابعَ عشرَ: عَدَمُ قِراءةِ القُرآنِ في الرُّكوعِ والسُّجودِ


يُنهى المُصَلِّي عن قِراءةِ القُرآنِ في الرُّكوعِ والسُّجودِ.
الدَّليلُ على ذلك مِن السُّنَّةِ والإجماعِ:
أ- مِنَ السُّنَّةِ
1- عن عَبدِ اللهِ بنِ عَبَّاسٍ رَضيَ اللهُ عنهما، قال: ((كَشَف رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم السِّتارةَ والنَّاسُ صُفوفٌ خَلفَ أبي بَكرٍ، فقال: أيُّها النَّاسُ، إنَّه لَم يَبقَ مِن مُبَشِّراتِ النُّبوَّةِ إلَّا الرُّؤيا الصَّالحةُ، يَراها المُسلمُ أو تُرى له، ألَا وإنِّي نُهِيتُ أن أقرَأَ القُرآنَ راكِعًا أو ساجِدًا، فأمَّا الرُّكوعُ فعَظِّموا فيه الرَّبَّ عَزَّ وجَلَّ، وأمَّا السُّجودُ فاجتَهِدوا في الدُّعاءِ؛ فقَمِنٌ أن يُستَجابَ لَكُم)) [1738] أخرجه مسلم (479). .
قَولُه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((قَمِنٌ))، أي: جَديرٌ وحَريٌّ أن يُستَجابَ لَكُم [1739] يُنظر: ((معالم السنن)) للخطابي (1/ 214). .
2- عن عَليِّ بنِ أبي طالِبٍ رَضيَ اللهُ عنه، قال: ((نَهاني رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أن أقرَأَ راكِعًا أو ساجِدًا)) [1740] أخرجه مسلم (480). .
قال ابنُ الأثيرِ: (قال الخَطَّابيُّ: لمَّا كان الرُّكوعُ والسُّجودُ -وهما غايةُ الذُّلِّ والخُضوعِ- مَخصوصينِ بالذِّكرِ والتَّسبيحِ، نَهاه عنِ القِراءةِ فيهما، كَأنَّه كَرِهَ أن يَجمَعَ بَينَ كَلامِ اللهِ تعالى وكَلامِ النَّاسِ في مَوطِنٍ واحِدٍ؛ فيَكونانِ على السَّواءِ في المَحَلِّ والمَوقِعِ) [1741] ((النهاية في غريب الحديث والأثر)) (2/ 259). قال القاريُّ: (قال ابنُ المَلكِ: كَأنَّ حِكمَتَه أنَّ أفضَلَ أركانِ الصَّلاةِ القيامُ، وأفضَلَ الأذكارِ القُرآنُ، فجُعِل الأفضَلُ للأفضَلِ، ونُهِي عن جَعلِه في غَيرِه لئَلَّا يوهِمَ استِواءَه مَعَ بَقيَّةِ الأذكارِ. وقيلَ: خُصَّتِ القِراءةُ بالقيامِ أوِ القُعودِ عِندَ العَجزِ عنه؛ لأنَّهما مِنَ الأفعالِ العاديَّةِ، ويتمحَّضانِ للعِبادةِ، بخِلافِ الرُّكوعِ والسُّجودِ؛ لأنَّهما بذَواتِهما يُخالفانِ العادةَ، ويَدُلَّانِ على الخُضوعِ والعِبادةِ. ويُمكِنُ أن يُقالَ: إنَّ الرُّكوعَ والسُّجودَ حالانِ دالَّانِ على الذُّلِّ، ويُناسِبُهما الدُّعاءُ والتَّسبيحُ، فنُهيَ عنِ القِراءةِ فيهما تَعظيمًا للقُرآنِ الكَريمِ، وتَكريمًا لقارِئِه القائِمِ مَقامَ الكَليمِ، واللَّهُ بكُلِّ شَيءٍ عَليمٌ). ((مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح)) (2/ 711). ويُنظر: ((شرح المصابيح)) لابن الملك (2/ 8). .
وذَكَرَ ابنُ تيميَّةَ أنَّه نُهيَ عن ذلك: (تَشريفًا للقُرآنِ، وتَعظيمًا له ألَّا يُقرَأَ في حالِ الخُضوعِ والذُّلِّ، كما كَرِهَ أن يُقرَأَ مَعَ الجِنازةِ، وكَما كَرِهَ أكثَرُ العُلَماءِ قِراءَتَه في الحَمَّامِ [1742] يُنظر: ((فضائل القرآن)) لابن كثير (ص: 224). [1743] ((مجموع الفتاوى)) (23/ 58، 59). .
وقال ابنُ القَيِّمِ: (وسَمِعتُه -يَعني: ابنَ تيميَّةَ- يَقولُ في نَهيِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم عن قِراءةِ القُرآنِ في الرُّكوعِ والسُّجودِ: إنَّ القُرآنَ هو أشرَفُ الكَلامِ، وهو كَلامُ اللَّهِ، وحالَتا الرُّكوعِ والسُّجودِ حالَتا ذُلٍّ وانخِفاضٍ مِنَ العَبدِ؛ فمِنَ الأدَبِ مَعَ كَلامِ اللهِ ألَّا يُقرَأَ في هاتَينِ الحالَتَينِ، ويَكونُ حالُ القيامِ والانتِصابِ أَولى به) [1744] ((مدارج السالكين)) (2/ 364). .
ب- مِن الإجماعِ
نُقِل الإجماعُ على كراهةِ ذلك [1745] قال ابنُ تَيميَّةَ: (اتَّفَق العُلَماءُ على كَراهةِ القِراءةِ في الرُّكوعِ والسُّجودِ). ((مجموع الفتاوى)) (23/ 58). .

انظر أيضا: