سادسَ عشرَ: عَدَمُ المُداومةِ على الخَتمِ في أقَلَّ مِن ثَلاثٍ
تُكرَهُ المُداوِمةُ على الخَتمِ في أقَلَّ مِن ثَلاثٍ
[1749] يُنظر: ((فضائل القرآن)) لابن كثير (ص: 254). .
الدَّليلُ على ذلك مِن السُّنَّةِ والآثارِ:أ- مِنَ السُّنَّةِ1- عن عَبدِ اللهِ بنِ عَمرٍو رَضيَ اللهُ عنهما، أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال:
((لَم يَفقَهْ مَن قَرَأ القُرآنَ في أقَلَّ مِن ثَلاثٍ)) [1750] أخرجه أبو داود (1394) باختلاف يسير، والترمذي (2949)، وابن ماجه (1347) واللفظ لهما. صحَّحه ابن حبان في ((صحيحه)) (758)، والألباني في ((صحيح سنن أبي داود)) (1394)، وشعيب الأرناؤوط في تخريج ((سنن أبي داود)) (1394)، وقال الترمذي: حسن صحيح. .
2- عن عَبدِ اللهِ بنِ عَمرٍو رَضيَ اللهُ عنهما، عنِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، قال:
((صُمْ مِنَ الشَّهرِ ثَلاثةَ أيَّامٍ، قال: أُطيقُ أكثَرَ مِن ذلك، فما زالَ حَتَّى قال: صُمْ يَومًا وأفطِرْ يَومًا، فقال: اقرَأِ القُرآنَ في كُلِّ شَهرٍ، قال: إنِّي أُطيقُ أكثَرَ، فما زالَ حَتَّى قال: في ثَلاثٍ)) [1751] أخرجه البخاري (1978) واللفظ له، ومسلم (1159). .
3- عن عائِشةَ رَضيَ اللهُ عنها، قال:
((كان نَبيُّ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم إذا صَلَّى صَلاةً أحَبَّ أن يُداوِمَ عليها، وكان إذا غَلَبَه نَومٌ أو وجَعٌ عن قيامِ اللَّيلِ صَلَّى مِنَ النَّهارِ ثِنتَي عَشرةَ رَكعةً، ولا أعلَمُ نَبيَّ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قَرَأ القُرآنَ كُلَّه في لَيلةٍ، ولا صَلَّى لَيلةً إلى الصُّبحِ، ولا صامَ شَهرًا كامِلًا غَيرَ رَمَضانَ)) [1752] أخرجه مسلم (746). .
4- عن عَبدِ الرَّحمَنِ بنِ شِبلٍ رَضيَ اللهُ عنه، قال: سَمِعتُ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يَقولُ:
((اقرؤوا القُرآنَ، ولا تَغْلُوا فيه، ولا تَجْفُوا عنه، ولا تَأكُلوا به، ولا تَستَكثِروا به [1753] لا تَستَكثِروا به: أي: لا تجعَلوه سببًا للاستكثارِ مِنَ الدُّنيا. يُنظر: ((التيسير)) للمناوي (1/ 193). ) [1754] أخرجه أحمد (15529)، والبيهقي في ((شعب الإيمان)) (2383) واللفظ لهما، والطبراني في ((المعجم الأوسط)) (2574) باختلاف يسيرٍ. صحَّحه الألباني في ((صحيح الجامع)) (1168)، وشعيب الأرناؤوط في تخريج ((مسند أحمد)) (15529)، وقوَّى سَنَدَه ابن حجر في ((فتح الباري)) (8/718). .
قال ابنُ كَثيرٍ: (قَولُه: "لا تَغْلُوا فيه"، أي: لا تُبالِغوا في تِلاوتِه بسُرعةٍ في أقصَرِ مُدَّةٍ؛ فإنَّ ذلك يُنافي التَّدَبُّرَ غالبًا؛ ولهذا قابَلَه بقَولِ: "ولا تَجفوا عنه"، أي: لا تَترُكوا تِلاوتَه)
[1755] يُنظر: ((فضائل القرآن)) (ص: 256). وقال العَينيُّ: («لا تَغْلوا» مِنَ الغُلوِّ، وهو التَّشَدُّدُ والمُجاوزةُ عنِ الحَدِّ. قَولُه: «ولا تَجْفوا» أي: تَعاهَدوه ولا تُبعِدوا عن تِلاوتِه، وهو مِنَ الجَفاءِ، وهو البُعدُ عنِ الشَّيءِ. قَولُه: «ولا تَأكُلوا به» أي: بمُقابَلةِ القُرآنِ، أرادَ: لا تَجعَلوا له عِوضًا مِن سُحتِ الدُّنيا). ((عمدة القاري)) (21/ 264)، ((نخب الأفكار)) (16/ 362). وقال المُناويُّ: («ولا تَجفوا عنه» أي لا تُبعِدوا عن تِلاوتِه «ولا تَغْلوا فيه» تُجاوِزوا حَدَّه مِن حَيثُ لفظُه أو مَعناه، بأن تتأوَّلوه بباطِلٍ، أوِ المُرادُ: لا تَبذُلوا جُهدَكُم في قِراءَتِه وتَترُكوا غَيرَه مِنَ العِباداتِ، فالجَفاءُ عنه: التَّقصيرُ. والغُلوُّ: التَّعَمُّقُ فيه. وكِلاهما شَنيعٌ، وقد أمَرَ اللهُ بالتَّوسُّطِ في الأُمورِ... ومِنَ الآدابِ المَأمورِ بها: القَصدُ في الأُمورِ، وكِلا طَرَفَي قَصدِ الأُمورِ ذَميمٌ). ((فيض القدير)) (2/ 64). ويُنظر: ((الكاشف عن حقائق السنن)) للطيبي (10/ 3186). .
ب- مِنَ الآثارِعن عَبدِ اللهِ بنِ مَسعودٍ رَضيَ اللهُ عنه، قال: (اقرَؤوا القُرآنَ في سَبعٍ، ولا تَقرَؤوه في أقَلَّ مِن ثَلاثٍ، وليُحافِظِ الرَّجُلُ في يَومِه ولَيلَتِه على جُزئِه)
[1756] أخرجه عبد الرزاق (5948)، والطبراني (9/155) (8707)، والبيهقي (4116) واللفظ له. صحَّح إسنادَه ابنُ حجر في ((نتائج الأفكار)) (3/149)، وشعيب الأرناؤوط في تخريج ((سير أعلام النبلاء)) (16/130). .
فَوائِدُ:1- قال النَّوويُّ بَعدَ أن ذَكَرَ بَعضَ مَن كان يَختِمُ القُرآنَ في أقَلَّ مِن ثَلاثٍ: (المُختارُ أنَّ ذلك يَختَلفُ باختِلافِ الأشخاصِ؛ فمَن كان يَظهَرُ له بدَقيقِ الفِكرِ لَطائِفُ ومَعارِفُ فليَقتَصِرْ على قَدرٍ يَحصُلُ له كَمالُ فَهمِ ما يَقرَأُ، وكَذا مَن كان مَشغولًا بنَشرِ العِلمِ، أو فَصلِ الحُكوماتِ بَينَ المُسلِمينَ، أو غَيرِ ذلك مِن مُهمَّاتِ الدِّينِ والمَصالحِ العامَّةِ للمُسلِمينَ، فليَقتَصِرْ على قَدرٍ لا يَحصُلُ له بسَبَبِه إخلالٌ بما هو مُرصَدٌ له، ولا فَوتُ كَمالِه، ومَن لَم يَكُنْ مِن هؤلاء المَذكورينَ فليَستَكثِرْ ما أمكَنَه مِن غَيرِ خُروجٍ إلى حَدِّ المَلَلِ أوِ الهَذرَمةِ في القِراءةِ. وقد كَرِهَ جَماعةٌ مِنَ المُتَقدِّمينَ الخَتمَ في يَومٍ ولَيلةٍ)
[1757] ((الأذكار)) (ص: 102). ويُنظر: ((التبيان)) للنووي (ص: 61). .
وقال ابنُ كَثيرٍ بَعدَ أن أورَدَ طَرَفًا مِن أخبارِ مَن خَتَمَ في أقَلَّ مِن ثَلاثٍ: (هذا وأمثالُه مِنَ الصَّحيحِ عنِ السَّلَفِ مَحمولٌ إمَّا على أنَّه ما بَلَغَهم في ذلك حَديثٌ مِمَّا تَقدَّمَ، أو أنَّهم كانوا يَفهَمونَ ويَتَفكَّرونَ فيما يقرؤونه مَعَ هذه السُّرعةِ، واللَّهُ سُبحانَه وتعالى أعلَمُ)
[1758] ((فضائل القرآن)) (ص: 260). .
2- قال ابنُ رَجَبٍ الحَنبَليُّ: (إنَّما ورَدَ النَّهيُ عن قِراءةِ القُرآنِ في أقَلَّ مِن ثَلاثٍ على المُداومةِ على ذلك، فأمَّا في الأوقاتِ المُفضَّلةِ، كشَهرِ رَمَضانَ -خُصوصًا اللَّياليَ التي يُطلَبُ فيها لَيلةُ القَدرِ- أو في الأماكِنِ المُفضَّلةِ، كمَكَّةَ لمَن دَخَلَها مِن غَيرِ أهلِها؛ فيُستَحَبُّ الإكثارُ فيها مِن تِلاوةِ القُرآنِ؛ اغتِنامًا للزَّمانِ والمَكانِ، وهو قَولُ أحمَدَ وإسحاقَ وغَيرِهما مِنَ الأئِمَّةِ، وعليه يَدُلُّ عَمَلُ غَيرِهم)
[1759] ((لطائف المعارف)) (ص: 171). .
3- قال الذَّهَبيُّ: (صَحَّ أنَّ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم نازَلَ عَبدَ اللهِ بنَ عَمرٍو إلى ثَلاثِ لَيالٍ، ونَهاه أن يَقرَأَه في أقَلَّ مِن ثَلاثٍ، وهذا كان في الذي نَزلَ مِنَ القُرآنِ، ثُمَّ بَعدَ هذا القَولِ نَزَل ما بَقيَ مِنَ القُرآنِ.
فأقَلُّ مَراتِبِ النَّهيِ أن تُكرَهَ تِلاوةُ القُرآنِ كُلِّه في أقَلَّ مِن ثَلاثٍ
[1760] لَفظُه: عن عَبدِ اللهِ بنِ عَمرٍو رَضيَ اللهُ عنهما (عنِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: صُمْ مِنَ الشَّهرِ ثَلاثةَ أيَّامٍ. قال: أُطيقُ أكثَرَ مِن ذلك. فما زالَ حَتَّى قال: صُم يَومًا وأفطِرْ يَومًا، فقال: اقرَأِ القُرآنَ في كُلِّ شَهرٍ. قال: إنِّي أُطيقُ أكثَرَ. فما زالَ حَتَّى قال: في ثَلاثٍ). أخرجه البخاري (1978) واللفظ له، ومسلم (1159) دونَ ذِكرِ قِراءَتِه في ثَلاثٍ. ، فما فَقِهَ ولا تدَبَّر مَن تَلا في أقَلَّ مِن ذلك.
ولَو تَلا ورَتَّلَ في أُسبوعٍ، ولازَمَ ذلك، لَكان عَمَلًا فاضِلًا، فالدِّينُ يُسرٌ، فواللهِ إنَّ تَرتيلَ سُبعِ القُرآنِ في تَهَجُّدِ قيامِ اللَّيلِ مَعَ المُحافظةِ على النَّوافِلِ الرَّاتِبةِ، والضُّحى، وتَحيَّةِ المَسجِدِ، مَعَ الأذكارِ المَأثورةِ الثَّابتةِ، والقَولِ عِندَ النَّومِ واليَقَظةِ، ودُبُرَ المَكتوبةِ والسَّحَرِ، مَعَ النَّظَرِ في العِلمِ النَّافِعِ والاشتِغالِ به مُخلِصًا للهِ، مَعَ الأمرِ بالمَعروفِ، وإرشادِ الجاهِلِ وتَفهيمِه، وزَجرِ الفاسِقِ، ونَحوِ ذلك، مَعَ أداءِ الفرائِضِ في جَماعةٍ بخُشوعٍ وطُمَأنينةٍ وانكِسارٍ وإيمانٍ، مَعَ أداءِ الواجِبِ، واجتِنابِ الكَبائِرِ، وكَثرةِ الدُّعاءِ والاستِغفارِ، والصَّدَقةِ وصِلةِ الرَّحِمِ، والتَّواضُعِ، والإخلاصِ في جَميعِ ذلك: لشُغلٌ عَظيمٌ جَسيمٌ، ولمَقامُ أصحابِ اليَمينِ وأولياءِ اللهِ المُتَّقينَ؛ فإنَّ سائِرَ ذلك مَطلوبٌ.
فمَتى تَشاغَلَ العابدُ بخَتمةٍ في كُلِّ يَومٍ فقد خالَف الحَنيفيَّةَ السَّمحةَ، ولَم يَنهَضْ بأكثَرِ ما ذَكَرناه، ولا تَدَبَّر ما يَتلوه.
هذا السَّيِّدُ العابدُ الصَّاحِبُ كان يَقولُ لمَّا شاخَ: لَيتَني قَبِلتُ رُخصةَ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم!
[1761] لَفظُه: عن عَبدِ اللهِ بنِ عَمرٍو رَضيَ اللهُ عنهما: ((... وقال لي النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: إنَّك لا تَدري لَعَلَّك يَطولُ بك عُمرٌ. قال: فصِرتُ إلى الذي قال لي النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فلمَّا كَبِرتُ ودِدتُ أنِّي كُنتُ قَبِلتُ رُخصةَ نَبيِّ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم)). أخرجه البخاري (1975)، ومسلم (1159) واللفظ له. وفي لفظ للبخاري (5052): ((فلَيتَني قَبِلتُ رُخصةَ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم؛ وذاكَ أنِّي كَبِرتُ وضَعُفتُ، فكان يَقرَأُ على بَعضِ أهلِه السُّبعَ مِنَ القُرآنِ بالنَّهارِ والذي يَقرَؤُه يَعرِضُه مِنَ النَّهارِ؛ ليَكونَ أخَفَّ عليه باللَّيلِ، وإذا أرادَ أن يَتَقَوَّى أفطَرَ أيَّامًا وأحصى وصامَ مِثلَهنَّ؛ كَراهيةَ أن يَترُكَ شَيئًا فارَقَ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم عليه)). .
وكَذلك قال له عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ في الصَّومِ، وما زالَ يُناقِصُه حَتَّى قال له:
((صُمْ يَومًا، وأفطِرْ يَومًا، صَومَ أخي داوُدَ عليه السَّلامُ)) [1762] لَفظُه: أنَّ عَبدَ اللهِ بنَ عَمرِو بنِ العاصِ قال: ((أُخبِرَ رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أنَّه يَقولُ: لأقومَنَّ اللَّيلَ، ولأصومَنَّ النَّهارَ ما عِشتُ. فقال رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: آنَت الذي تَقولُ ذلك؟ فقُلتُ له: قد قُلتُه يا رَسولَ اللهِ. فقال رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: فإنَّك لا تَستَطيعُ ذلك، فصُمْ وأفطِرْ، ونَمْ وقُمْ، وصُمْ مِنَ الشَّهرِ ثَلاثةَ أيَّامٍ؛ فإنَّ الحَسَنةَ بعَشرِ أمثالِها. وذلك مِثلُ صيامِ الدَّهرِ. قال: قُلتُ: فإنِّي أُطيقُ أفضَلَ مِن ذلك. قال: صُمْ يَومًا وأفطِرْ يَومَينِ. قال: قُلتُ: فإنِّي أُطيقُ أفضَلَ مِن ذلك يا رَسولَ اللهِ، قال: صُمْ يَومًا وأفطِرْ يَومًا. وذلك صيامُ داوُدَ عليه السَّلامُ، وهو أعدَلُ الصِّيامِ. قال: قُلتُ: فإنِّي أُطيقُ أفضَلَ مِن ذلك. قال رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: لا أفضَلَ مِن ذلك. قال عَبدُ اللهِ بنُ عَمرٍو رَضيَ اللهُ عنهما: لأن أكونَ قَبِلتُ الثَّلاثةَ الأيَّامِ التي قال رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أحَبُّ إليَّ مِن أهلي ومالي)). أخرجه البخاري (3418)، ومسلم (1159) واللفظ له. .
وثَبَتَ أنَّه قال:
((أفضَلُ الصِّيامِ صيامُ داوُدَ)) [1763] أخرجه البخاري (5052)، ومسلم (1159) باختِلافٍ يَسيرٍ، ولَفظُ البُخاريِّ: ((... قُلتُ: أُطيقُ أكثَرَ مِن ذلك. قال: صُمْ أفضَلَ الصَّومِ؛ صَومَ داوُدَ...)). .
ونَهى عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ عن صيامِ الدَّهرِ
[1764] ولَفظُه: عن عبدِ اللهِ بنِ عَمرِو بنِ العاصِ رَضيَ اللهُ عنهما قال: ((قال لي النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: إنَّك لتَصومُ الدَّهرَ وتَقومُ اللَّيلَ؟ فقُلتُ: نَعَم. قال: إنَّك إذا فعَلتَ ذلك هَجَمَت له العَينُ ونَفِهَت له النَّفسُ، لا صامَ مَن صامَ الدَّهرَ...)). أخرجه البخاري (1979). وفي لَفظٍ: ((لا صامَ مَن صامَ الأبَدَ، لا صامَ مَن صامَ الأبَدَ، لا صامَ مَن صامَ الأبَدَ)) أخرجه البخاري (1977)، ومسلم (1159) واللفظ له مِن حَديثِ عبدِ اللهِ بنِ عَمرٍو رَضيَ اللهُ عنهما. .
وأمَر عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ بنومِ قِسطٍ مِنَ اللَّيلِ، وقال:
((لَكِنِّي أقومُ وأنامُ، وأصومُ وأُفطِرُ، وأتَزَوَّجُ النِّساءَ، وآكُلُ اللَّحمَ؛ فمَن رَغِبَ عن سُنَّتي فليس مِنِّي)) [1765] أخرجه البخاري (5063)، ومسلم (1401) باختِلافٍ يَسيرٍ، ولَفظُ البُخاريِّ: عن أنَسِ بنِ مالِكٍ رَضيَ اللهُ عنه يَقولُ: ((جاءَ ثَلاثةُ رَهطٍ إلى بُيوتِ أزواجِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يَسألونَ عن عِبادةِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم... فجاءَ رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فقال: أنتم الذينَ قُلتُم كَذا وكَذا؟ أمَا واللهِ إنِّي لأخشاكُم للهِ وأتقاكُم له، لَكِنِّي أصومُ وأُفطِرُ، وأُصَلِّي وأرقُدُ، وأتَزَوَّجُ النِّساءَ، فمَن رَغِبَ عن سُنَّتي فليس مِنِّي)). .
وكُلُّ مَن لَم يَزُمَّ نَفسَه في تَعَبُّدِه وأورادِه بالسُّنَّةِ النَّبَويَّةِ، يَندَمُ ويَتَرَهَّبُ ويَسوءُ مِزاجُه، ويَفوتُه خَيرٌ كَثيرٌ مِن مُتابَعةِ سُنَّةِ نَبيِّه الرَّؤوفِ الرَّحيمِ بالمُؤمِنينَ، الحَريصِ على نَفعِهم، وما زالَ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم مُعَلِّمًا للأُمَّةِ أفضَلَ الأعمالِ، وآمِرًا بهَجرِ التَّبَتُّلِ والرَّهبانيَّةِ التي لَم يُبعَثْ بها؛ فنَهى عن سَردِ الصَّومِ، ونَهى عنِ الوِصالِ، وعن قيامِ أكثَرِ اللَّيلِ إلَّا في العَشرِ الأخيرِ، ونَهى عنِ العُزبةِ للمُستَطيعِ، ونَهى عن تَركِ اللَّحمِ، إلى غَيرِ ذلك مِنَ الأوامِرِ والنَّواهي.
فالعابدُ بلا مَعرِفةٍ لكَثيرٍ مِن ذلك مَعذورٌ مَأجورٌ، والعابِدُ العالِمُ بالآثارِ المُحَمَّديَّةِ المُتَجاوِزُ لَها مَفضولٌ مَغرورٌ، وأحَبُّ الأعمالِ إلى اللهِ تعالى أدوَمُها وإن قَلَّ. ألهَمَنا اللهُ وإيَّاكُم حُسنَ المُتابَعةِ، وجَنَّبَنا الهَوى والمُخالَفةَ)
[1766] ((سير أعلام النبلاء)) (3/ 84-86). ويُنظر منه: (9/ 143). .