أ- من القُرآنِ الكريمِ
- قَولُه تعالى:
يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا [النساء: 1] .
قولُه:
وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ أي: امتثِلوا ما أمَرَكم اللَّهُ تعالى به، واجتَنِبوا ما نهاكم عنه؛ فإنَّ تساؤُلَكم به، وتعظيمَكم له سُبحانَه، من الموجِبِ الدَّاعي لتَقْواه؛ حتى إنَّكُم إذا أرَدْتُم قضاءَ حاجاتِكم، توسَّلْتُم بها بالسُّؤالِ باللَّهِ، فيقولُ مَن يريدُ ذلك لغيرِه: أسألُك باللَّهِ أن تفعَلَ كذا؛ لعِلمِه بما قام في قَلبِ الغيرِ من تَعظيمِ اللَّهِ الذي يَمنعُه أنْ يردَّ مَن سأله باللَّهِ؛ فكما عَظَّمتُم اللَّهَ تعالى بذلك فلْتعظِّموه أيضًا بتقواه سُبحانَه.
وَالْأَرْحَامَ أي: واحْذروا من أنْ تَقطَعوا أرحامَكم، وتُفَرِّطوا في أداءِ حقِّهم، وكما تتوصَّلونَ بهذه الصِّلة فيما بينَكم لعِظَمِها من أجْلِ قضاءِ حاجةٍ، أو نَيْلِ مأربٍ، فآتوها حقَّها.
إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا أي: إنَّ اللَّهَ تعالى مراقِبٌ لجميعِ أعمالِكم، وحافِظٌ لها، ومِن جُملةِ ذلك ما أمَرَكم به من تقوى ربِّكم، ورِعايةِ حُرمةِ أرحامِكم
[5867] يُنظر: ((التفسير المحرر - الدرر السَّنية)) (3/ 15-19). .
قال
البِقاعيُّ : (ومِن أعظَمِ مقاصِدِ سُورةِ النِّساءِ... التَّواصُلُ والتَّقاربُ والإحسانُ لا سيَّما لذوي الأرحامِ، والعَدلُ في جميعِ الأقوالِ والأفعالِ)
[5868] ((نظم الدرر في تناسب الآيات والسور)) (22/ 343). .
- قوله تعالى:
وَالَّذِينَ يَصِلُونَ ما أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَيَخافُونَ سُوءَ الْحِسابِ [الرعد: 21] .
قال
ابنُ كثيرٍ : (
وَالَّذِينَ يَصِلُونَ ما أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ من صلةِ الأرحامِ، والإحسانِ إليهم وإلى الفُقَراءِ والمحاويجِ، وبَذلِ المعروفِ)
[5869] ((تفسير القرآن العظيم)) (4/ 450). .
- قَولُه تعالى:
لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ [الممتحنة: 8] (أي: لا ينهاكم اللَّهُ عن البِرِّ والصِّلةِ، والمكافأةِ بالمعروفِ، والقِسطِ للمُشرِكين، من أقارِبِكم وغيرِهم؛ حيث كانوا بحالٍ لم ينتَصِبوا لقتالِكم في الدِّينِ والإخراجِ من ديارِكم، فليس عليكم جُناحٌ أن تَصِلوهم؛ فإنَّ صِلَتَهم في هذه الحالةِ لا محذورَ فيها ولا مَفسَدةَ)
[5870] ((تيسير الكريم الرحمن)) (ص: 857). .
و(قولُه تعالى:
وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ قال
ابنُ عبَّاسٍ : يريدُ بالصِّلةِ وغيرِ ذلك
إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ يريدُ أهلَ البِرِّ والتَّواصُلِ)
[5871] ((التفسير البسيط)) (21/ 415). .
- قولُه تعالى:
فَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ ذَلِكَ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ [الروم: 38] .
قال
الشَّوكانيُّ : (أُمِر كُلُّ مُكَلَّفٍ متمَكِّنٍ من صلةِ قرابتِه بأن يعطيَهم حقَّهم، وهو الصِّلةُ التي أمَر اللَّهُ بها. وإن كان الخطابُ للنَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فإن كان على وجهِ التَّعريضِ لأمَّتِه فالأمرُ فيه كالأوَّلِ، وإن كان خطابًا له من دونِ تعريضٍ فأمَّتُه أسوتُه، فالأمرُ له صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بإيتاءِ ذي القربى حقَّه أمرٌ لكُلِّ فردٍ من أفرادِ أمَّتِه، والظَّاهِرُ أنَّ هذا الخطابَ ليس خاصًّا بالنَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، بدليلِ ما قبلَ هذه الآيةِ)
[5872] ((فتح القدير)) (3/ 267). .
ففي هذه الآيةِ (يأمُرُ اللَّهُ تعالى بإعطاءِ هؤلاء؛ فيقولُ: فأعطِ أيُّها الرَّسولُ ومَن تَبِعَك من أمَّتِك المُؤمِنين ذوي القرابةِ حَقَّهم من صلةِ الرَّحِمِ والبِرِّ بهم والإحسانِ إليهم؛ لأنَّهم جزءٌ من رابطةِ الدَّمِ والنَّسَبِ، فكانوا أحَقَّ النَّاسِ بالتَّواصُلِ والتَّزاوُرِ والشَّفَقةِ، وأعطِ الحَقَّ أيضًا للمِسكينِ الذي لا شيءَ له ينفِقُ عليه، أو له شيءٌ لا يقومُ بكفايتِه، ومِثلُه المسافِرُ البعيدُ عن مالِه المحتاجُ إلى نفقةٍ وحوائجِ السَّفَرِ، وسرعةُ المواصلاتِ لا تستأصِلُ حاجةَ هذا المسافِرِ، وإنَّما تُقَلِّلُ من المبلَغِ الماليِّ الذي يحتاجُ إليه)
[5873] ((التفسير المنير)) (21/ 92). .
- قوله تعالى:
يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ [الحجرات: 13] .
قَولُه:
لِتَعَارَفُوا قال
القُرطبيُّ : (خَلَق اللَّهُ الخَلقَ بَيْنَ الذَّكَرِ والأنثى أنسابًا وأصهارًا، وقبائِلَ وشُعوبًا، وخَلَق لهم منها التَّعارُفَ، وجعل لهم بها التَّواصُلَ)
[5874] ((الجامع لأحكام القرآن)) (16/ 342). ، فبالتَّعارُفِ يحصُلُ التَّواصُلُ، فيرجِعُ كُلٌّ إلى قبيلتِه، ويعرِفُ قُربَ القرابةِ منه وبُعدَها
[5875] يُنظَر: ((التدرج في دعوة النبي)) لإبراهيم بن عبد اللهِ المطلق(ص: 105). ؛ فدلَّت الآيةُ على أنَّ معرفةَ الأنسابِ مطلوبةٌ مشروعةٌ؛ لأنَّ اللَّهَ جعلَهم شعوبًا وقبائِلَ من أجلِ ذلك
[5876] يُنظَر: ((تيسير الكريم الرحمن)) للسعدي (ص: 802). .
انظر أيضا:
عرض الهوامش